17-فبراير-2020

ترتبط السياسية العقابية ارتباطًا وثيقًا بملفّ حقوق الإنسان (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

استفاد عادل، المدعو "كبسولة"، وهو لقب أطلقه عليه أصدقاؤه في الحي، من إجراءات العفو الرئاسي الذي وقّعه مؤخّرًا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. تجربة السجن والإعفاء هذه لم تكن الأولى بالنسبة لعادل، فقد سبق وأن قضى نصف عقوبته في سجن القليعة غرب العاصمة، بتهمة الضرب العمدي، ليعود إلى السجن مرّة ثانية بجنحة السرقة والاعتداء على الغير.

 وصف المحامي والحقوقي فاروق قسنطيني الأحكام القضائية في الجزائر بالقاسية والوحشية

يقول "كبسولة" في حديث لـ "الترا جزائر"، إن السجن بات مكانًا عاديًا، وقد تعوّد على نظامه وطقوسه، وعرف خباياه وأسراره، حيث صار قادرًا على التعايش مع أسوأ ظروفه.

اقرأ/ي أيضًا: القضاء الجزائري في "فترة نقاهة".. هل انتهت حملة مكافحة الفساد؟

بعد تجربته الأولى مع السجن، يقول محدّثنا، إنه حاول إيجاد عمل والابتعاد عن المشاكل لكنّه فشل، وكغيره من شباب الأحياء الشعبية المرتبطة بشبكات الإجرام والانحراف، صار يمتهن بيع الحبوب المهلوسة. وختم المتحدّث أن قساوة ظروف السجن، جعلته أكثر قسوة مع مجتمع لا يرحم.

سياسية عقابية ردعية

تجربة عادل وغيره من الشباب، تدفع بنا إلى طرح الكثير من الأسئلة حول السياسة العقابية في الجزائر، وماذا حقّقت برامج إصلاح العدالة والمنظومة العقابية، وهل الهدف منها هو تحقيق العقوبة المادية أم الإصلاحية.

يذهب كثير من الخبراء في المجال الحقوقي والقانوني، إلى أن محور النصوص القانونية والتشريعية للسياسة العقابية في الجزائر، تنصّ على الدور التربوي والإصلاحي للمؤسّسات العقابية.

ورغم وجود العديد من النصوص التشريعية، تبقى الأحكام القضائية والسياسة الجنائية في نظر كثير من المحامين، ردعية في حقّ المحكوم عليهم، وتهدف الأحكام المبالغة إلى إنزال العقوبة البدنية لتحقيق غرض الزجر والضرر المادي والانتقام.

أنسنة العقوبة

 من جهته تعتمد المقاربة العصرية للسياسية العقابية، على الأحكام المخفّفة في حق المحبوس، وتهدف المقاربة الحديثة للسياسة الجنائية إلى تحقيق الإصلاح التربوي، وإعادة الإدماج اجتماعيًا ومهنيًا، وترتكز تلك المعادلة على إيجاد بدائل عقابية، بعيدًا عن إلحاق الضرر البدني والمادي، وتحافظ فيها على خصوصيات المعاقب.

في هذا السياق، وصف المحامي والحقوقي فاروق قسنطيني، الأحكام القضائية في الجزائر بالقاسية والوحشية، وأشار إلى غياب التام للمفهوم السياسية العقابية الاندماجية والعصرية.

وأوضاح المتحدّث، أن الأحكام التي يصدرها القضاء سواءً الجزائية أو ما تعلق بالجنح مبالغ فيها، ولا تخضع للروح القانون، ويرجى من تلك الأحكام؛ تطبيق أقسى العقوبات المادية والبدنية في حقّ المحكوم، بحسب أقوال المتحدّث.

وأفاد قسنطيني، أن إرادة المشرع في تطبيق القانون هي العقوبة الرمزية، التي تحافظ على كرامة الإنسان، وسلامته العقلية والنفسية والصحيّة وليس تجريمه، على حدّ تعبيره.

يذكر الحقوقي، أن القانون عزّز من صلاحيات القاضي في تشخيص العقوبة، أي تكييف العقوبات وفق متطلبات تراعي المحافظة على التماسك الأسري والعائلي. متسائلًا عن مبرر بعض الأحكام التي تتراوح ما بين 15 إلى 20 سنة، يقضي منها السجين وسط ظروف غير إنسانية وقاسية.

 وكشف أن القاضي يتعامل مع المحبوس باعتباره خصمًا ومجرمًا يستحقّ أقسى العقوبات، دون العودة إلى روح القانون، والمشروع ينصّ أولًا على الأحكام المخففة، التي تراعي جملة من ظروف لكل معاقب على غرار، السن أو المستوى الثقافي والجامعي، ومراعاة الظروف الصحيّة والاجتماعية. وختم الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان أن الأحكام القضائية التي يصدرها القضاء في حقّ المحكوم عليه، تمسّ كل المحيط العائلي والأسري، وقد يدمّر عائلات بأكملها حين يدان أحد الأفراد بعقوبات قاسية.

الاكتظاظ في السجون

وتحتوي الحضيرة الوطنية للمؤسّسات العقابية في الجزائر، 126 مؤسّسة عقابية بمختلف التصنيفات، منها الموجّهة للوقاية، ومنها مؤسّسات قديمة من الحقبة الاستعمارية، ويقدّر عدد المساجين في الجزائر بحسب المدير السابق مختار فيون حوالي 82 ألف محبوس سنة 2018، مقابل 60 ألف سجين سنة 2016.

وتعاني المؤسّسات العقابية من حالة الاكتظاظ، وضعف في الطاقة الاستيعابية، وهي وضعية تجعل من تلك المؤسّسات غير قادرة على توفير زنزانات فردية وفق المعايير الدولية للمساحة المقدرة بـ 12 متر مربع.

ونظرًا للوضعية الكارثية للسجون في الجزائر، فإنّ مردودية الإصلاح التربوي والإدماج الاجتماعي منعدمة وغائبة، وتتنج عكس ما سطرته من تأهيل تربوي ومهني.

 البدائل والحلول

وبخصوص البدائل المطروح للخلق التوازن بين السياسة الجنائية المتعلقة بالمنظومة العقابية ومنظومة حقوق الانسان، يطرح خبراء ومحامون مجموعة من البدائل والخصائص على سبيل المثال لا الحصر؛ الاعتماد على العقوبات البديلة، كالعقوبات المالية، واعتماد سياسية وقائية قبلية للحد من انتشار الفساد، والتخفيف من السجن الاحتياطي والتعسّفي، وعدم إخضاع المنظومة القضائية للمنظومة الأمنية والسياسية، والنظر إلى البعد الاجتماعي في الأحكام الصادرة في حقّ المتابعين، وأخيرًا تعديل قانون الإجراءات الجزائية.

يؤكّد خبراء في مجال حقوق الانسان على حتمية أنسنة العقوبات وضرورة إعادة النظر في آليات السياسة الجنائية

 لقد ارتبطت السياسية العقابية ارتباطًا وثيقًا بملفّ حقوق الإنسان، حيث تكاد السياسة العقابية اليوم، قائمة على الطابع الردعي والزجري، واعتبار السجن كوسيلة للانتقام. وهي سياسة أبانت عن محدوديتها في الردع والحدّ من الجريمة وانتشار الفساد، وبناءً على ذلك، يؤكّد خبراء في مجال حقوق الانسان على حتمية أنسنة العقوبات، وعلى ضرورة إعادة النظر في آليات السياسة الجنائية، تراعي الجوانب الاجتماعية والانسانية. وتضع فاصلًا بين العدالة والانتقام.

اقرأ/ي أيضًا:

مواجهة مفتوحة بين القضاء والحكومة الجزائرية.. مطالب سياسية أم مهنية؟

القضاء يستبق إصلاحات الرئيس الجديد ويشرع في محاكمة الوزراء المسجونين