31-يوليو-2019

أمام مستشفى بوفاريك، ولاية البلدية (بلال بن سالم /Getty)

أزاحت حادثة وفاة سيّدتين أثناء الولادة، في مستشفى سليمان عميرات في ولاية المسيلة شرقي البلاد، الغطاء مرّة أخرى عن وضعية الصحّة في الجزائر، ودفعت إلى فتح تحقيقات لتحديد المسؤوليات في أسباب وفاتهما، حيث توجّه إليهم تهم متعلّقة بالإهمال والتقصير، تلت هذه التحقيقات، قرار وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات محمد ميراوي، القاضي بإقالة مدير المستشفى، ليُسكِت غضب العائلات التي احتجت في الشارع.

انتفض الزوج رحموني، وهدّد المدير المناوب باستدعاء وسائل الإعلام وفضحه، حينها فقط سارع المسؤول إلى الاتصال بالطبيب

هل تكفي مختلف الإجراءات التي تقوم بها وزارة الصحّة؟ وهل يمكنها أن تغطي على التجاوزات الخطيرة التي تُرتكب في حقّ المواطن في ولاية المسيلة وغيرها؟

اقرأ/ي أيضًا: الصحة.. صداع المواطن الجزائري

مختلف القرارات والوعود لم ترض السكان، الذين احتجوا أمام مديرية الصحّة للمرّة الرابعة، واعتبروا ولايتهم الداخلية التي تضمّ أزيد من مليون ساكن، من الولايات المهمّشة في البلاد، وخصوصًّا في مجال الصحّة، هنا، يعلّق الإعلامي فيصل قنفود في حديث إلى" الترا جزائر"، أنّ قطاع الصحّة في هذه الولاية مريض منذ سنوات، موضّحًا أن المستشفى لا يتوفّر على مصحّة متخصّصة في الأمومة والطفولة والتوليد، فما بالك بالمناطق والقرى النائية التي يئن سكانها في صمت على حدّ قوله.

مجانية العلاج، ولكن..

رفع المحتجون، بعضهم من عائلات الضحايا، لافتات تندّد بسوء المعاملة والإهمال الطبّي في المصحّات العمومية بالولاية، هنا، يروي عمار رحموني أحد قاطني المنطقة، في حديث إلى "الترا جزائر"، قصّته المؤلمة، التي أدّت إلى إجهاض زوجته بعد رحلة كرّ وفرّ بين العيادات والأطباء، قائلًا إنه في شهر مارس/ آذار الماضي أخذ زوجته الحامل إلى  طبيبة مختصّة، فحوّلتها بدورها إلى  مستشفى التوليد "سليمان عميرات"، فظلّت الزوجة من منتصف النهار إلى غاية الحادية عشر ليلًا وهي تعاني من نزيف.

 كان ذلك يوم جمعة، يقول المتحدّث إنه زار زوجته في حدود التاسعة ليلًا فوجدها مرمية على  الأرض"، سارع إلى استدعاء الأطباء واستفسر عن عدم تدخّل الطبيب، فقيل له إن الطبيب لم يأت بعد، وأنّه طريقه إليه وعليه أن ينتظر، على حدّ تعبيره.

انتفض الزوج رحموني، وهدّد المدير المناوب باستدعاء وسائل الإعلام وفضحه، حينها سارع المسؤول إلى الاتصال بالطبيب الذي تدخّل في اللحظات الأخيرة بعد أن فقدت الأم جنينها، هنا يعلّق المتحدّث "لولا لطف الله لكانت في عداد اللواتي قضين نحبهنّ في هذا المسلخ".

عمليات احتيال

في المدّة الأخيرة، وقعت عدّة تجاوزات من قبل بعض الأطبّاء، الذين يتعاملون مع المرضى بمنطق "فريسة مالية"، يقول السيّد عبد الهادي زيتوني وهو أصيل منطقة المعاضيد بولاية المسيلة لـ" الترا جزائر"، إنّ بعض الأطباء في المستشفى العمومي، يقومون بتوجيه المريض إلى العيادات الخاصّة التي يلتحقون بعها بعد انتهاء دوامهم، ويُشرفوا على عمليات جراحية كان من المفروض أن تتمّ في المستشفى.

من جانبهم، حمّل مواطنون السلطات المحليّة المسؤولية الأولى، إذ ليست المرّة الأولى التي تعرف المسيلة مثل هكذا أحداث، من تسيّب وإهمال للمرضى، غير أنها لم تحرّك ساكنًا إلا بعد انتشارها على وسائل إعلامية، هنا، يقول زيتوني، إنّ المشاكل التي يعاني منها المرضى تفوق التصوّر، تطبعها سوء المعاملة من طرف بعض ممارسي الصحّة، إضافة إلى انعدام النظافة في المستشفيين المركزيين "الزهرواي" و"سليمان عميرات" بولاية المسيلة.

تكوين القابلات 

الوضع مخيف جدًا للعائلات في ولاية المسيلة، إذ أحصت هذه المنطقة وفاة ثماني حالات من السناء الحوامل في سنة 2019، مقابل 13 حالة وفاة السنة الماضية، كما ذكرت مصادر طبيّة، لـ" الترا جزائر" أن ولاية الجلفة (ولاية مجاورة)، استقبلت مؤخرًا أزيد من 100 حامل قدمن من المسيلة، حيث باتت مستشفاتها لا تتوفّر على المستلزمات والظروف الطبيّة لاستقبال الحوامل، في مقابل غلاء فاتورة الاستقبال في العيادات الخاصّة.

اقترحت التنسيقية  الوطنية لموظفي الصحّة، دراسة وضع قطاع الصحّة في الجزائر، إذ دعت في بيان سلمته للصحافة، وزير الصحّة إلى ما أطلقت عليه "استدراك الوضع في القطاع، بعد اتجاهه إلى منعرج خطير من شأنه تهديد شريحة واسعة من المجتمع الجزائري."

كما طالبت التنسيقية بضرورة "وضع برنامج وطني، لإعادة تأهيل القابلات وتوفير أطبّاء أخصائيين في التوليد عبر الوطن".

قضايا في المحاكم

في سياق ذي صلة، فتحت ملفات مرتبطة بالوضعية المزرية في قطاع الصحّة في ولاية المسيلة، الأبواب على إعادة النظر في قطاع بات منذ سنوات يعرف العديد من القضايا المتعلقة بالتسيّب والإهمال، بالرغم من الفاتورة الباهظة التي صرفتها الحكومة الجزائرية من الخزينة العمومية لإصلاح المستشفيات وتحسين وضعية ممارسي الصحّة العمومية والأطباء، معادلة من الصعب بمكان تفكيكها أمام مشاكل تجذّرت في القطاع الطبّي في الجزائر، وتراكمات منذ أزيد من عشرين سنة.

قضية وفيات المسيلة في المستشفى، تُلقي بظلالها اليوم على نوعية الخدمة العمومية المقدّمة في قطاع الصحّة العمومية في الجزائر، وهي بذلك تشبه "إعادة فتح جرح متعفّن"، على حدّ قول الناشط الحقوقي محمد عمروش في حديث إلى" الترا جزائر"، مضيفًا أن قطاع الصحّة في الجزائر، بات يثير استياء واسع لدى المواطنين، بل وهناك العشرات الذين تحوّل وضعهم إلى الأسوأ بعد دخول المستشفى.

تنتظر المحاكم الجزائرية، الفصل في عدّة قضايا لضحايا الأخطاء الطبيّة وتجاوزات الأطباء المهنية

من جانبها، تنتظر المحاكم الجزائرية، الفصل في عدّة قضايا لضحايا الأخطاء الطبيّة وتجاوزات الأطباء، فضلًّا عن الجانب الاجتماعي والإنساني لسكّان المناطق النائية والجنوبية الذين يقضون رحلات العذاب للوصول إلى مستشفيات حكومية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لقاحات الأطفال القاتلة تهز قطاع الصحة في الجزائر

قريبًا.. الإجهاض مباح قانونيًا في الجزائر؟