10-أكتوبر-2021

الجزائر تستورد 247 منتوجًا دوائيًا (صورة أرشيفية/أ.ف.ب)

تراهن الحكومة الجزائرية على تطوير قطاع الصناعة الصيدلانية؛ بهدف التقليص من فاتورة استيراد الدواء، وجعله أيضًا مصدرًا مدرًّا للعملة الصعبة في السنوات المقبلة، لذلك تعمل على استهداف عدة أسواق خاصة الأفريقية منها، فهل سيكون ذلك سهلا في وقت لا تزال  مافيا الدواء تتحكم بصحة الجزائريين وتحدد وفرة أو ندرة علاجهم.

 الحكومة الجزائرية مطالبة بتنظيم سوق الدواء المحلّية وحمايته من مافيا شركات الاستيراد التي لا تزال تتحكّم في وفرة أو ندرة الأدوية

في هذا السياق، شكّل ملف الصناعة الصيدلانية منذ البداية أولوية للرئيس عبد المجيد تبون، بالنظر لاستحداث وزارة مخصّصة لهذا المجال لأوّل مرّة في الجزائر، لذلك فإنّ نجاح هذا المشروع ليس تقليصًا للواردات فقط، وإنما تحديًا أيضًا لرئيس البلاد الذي أطلق وعودًا بشأنه.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الصناعة الصيدلانية يدعو مصنعي الأكسجين لمضاعفة الإنتاج

واقع الصحّة

رغم أن الجزائر تصنّع أكثر من 66 بالمائة من حاجاتها الدوائية محليًا، إلا أن المواطنين لطالما عانوا الأمرين في الحصول على بعض الأدوية، بسبب الندرة التي تتكرر من فترة إلى أخرى بشأن علاج بعض الأمراض، وبالخصوص تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة كالسرطان.

لا تقتصر هذه الندرة على الأشخاص فقط؛ بل إن توفر الدواء ببعض المؤسّسات الصحية العمومية صار نادرًا رغم إنفاق الصيدلية المركزية سنويًا مليارات الدينارات لتوفير مستلزمات المستشفيات من الدواء، وهو الواقع الذي كشفت عنه جائحة كورونا، خاصّة ما تعلق بنقص الكمامات في بداية الوباء، وبعدها النقص الرهيب في تزويد المستشفيات بمادة الأوكسجين الضرورية.

وتحدث هذه الندرة رغم تحيين قائمة الأدوية دوريًا في الجزائر، فحسب الأمينة العامة لوزارة الصناعة الصيدلانية ظريفة خوذير، بلغ عدد منتجات الصناعة الصيدلانية المصنعة محليًا 1102 تسمية دولية مشتركة و247  منتوجًا مستوردًا حصريًا.

هنا، تقول خوذير إن الحكومة تعمل على ضبط سوق الأدوية ومتابعة تطورات اتجاهات السوق الوطني والدولي لخفض فاتورة استيراد المواد الصيدلانية، لكن دون الإخلال بوفرة الأدوية، حيث بلغت فاتورة استيراد الأدوية في الجزائر في عام 2019 ما قيمته 1.13 مليار دولار.

تحدّيات أمام الحكومة

وضعت الحكومة ملف تقليص فاتورة استيراد الأدوية ضمن أولوياتها، وبدا ذلك منذ استحداث وزارة الصناعة الصيدلانية التي كانت في البداية وزارة منتدبة تابعة لوزارة الصحة، قبل أن ترقى إلى وزارة مستقلة، وذلك بهدف رفع الإنتاج المحلّي، وتقليص فاتورة الاستيراد.

في هذا الشأن، قال مدير النشاطات الصيدلانية والتنظيم بوزارة الصناعة الصيدلانية الدكتور بشير علواش، في تصريحات صحفية، إن البرنامج المعد من طرف الحكومة لعام 2021، يهدف إلى تقليص فاتورة الاستيراد من الأدوية بـ 40 بالمائة مقارنة بـ 2019، أي بمبلغ يقدر بـ 800 مليون أورو.

وحسب علواش، فإن تحقيق هذا الهدف ممكن بإحداث توازن بين الحاجيات الوطنية للأدوية والمخازن الموجودة حاليًا، وتنظيم سوق الأدوية في الجزائر المبني على ثلاثة محاور تتمثل في ضمان وفرة الأدوية وتطوير الصناعة الصيدلانية المحلية وتخفيض فاتورة استيراد الأدوية.

ولتشجيع الصناعة الصيدلانية المحلية، اتخذت السلطات قرارًا يقضي بمنع استيراد المواد المنتجة محليًا.

وأوضح علواش، أن قرار تعليق تصدير أيّ دواء يلتزم وجود مصنعين محليين اثنين أو ثلاثة على الأقل يضمنان تلبية الطلب الوطني بخصوص الدواء.

ولتطوير قطاع الصناعات الصيدلانية، أكّد رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئة رضا تير، الشهر الماضي، أنّ معالجة مسألة الصناعة الصيدلانية الناشئة من أولويات الحكومة، لتلبية احتياجات السوق الوطنية والذهاب نحو التصدير.

 وأشار تير إلى أن أولوية الحكومة هو إنتاج الأدوية كثيرة الطلب كأدوية علاج السرطان، والتي قد يكون الحل بشأنها بإقامة شراكات مع كبار المنتجين الدوليين، وإقناعهم بنقل وحدات التصنيع إلى السوق الوطنية وضمان إنتاج قادر على تلبية الاحتياجات المحليّة واحتياجات الأسواق المحيطة، الإفريقية منها والعربية.

ولفت رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، إلى أنه بالرغم من إلغاء القاعدة 51-49، فإن الصناعة الصيدلانية ظلت قطاعًا استراتيجيًا، غير أنه تم استحداث مادة أساسية تعتبرها استثناءً حقيقيًا بالنسبة للمتعاملين الأجانب، حيث بإمكان أيّ متعامل تطوير الابتكار في المجال الصيدلاني دون أن يتمّ تقييده بنصّ القاعدة.

وكان الرئيس تبون قد أسدى تعليمات في اجتماع لمجلس الوزراء المنعقد شهر آب/أوت 2020، للنهوض بقطاع الصيدلة في الجزائر، وجعل سوق الدواء يتكيف مع المقاربة الاقتصادية الجديدة الهادفة إلى تشجيع الإنتاج الوطني وتوفير العملة الصعبة.

وشدد الرئيس تبون وقتها على "مرافقة شركة صيدال بشكل خاص لاستعادة ريادتها في إنتاج الأدوية واسترجاع حصتها السابقة من السوق الوطنية"، والتي كانت تبلغ 30 بالمائة قبل أن تنخفض إلى 10 بالمائة بفعل التلاعبات لصالح الاستيراد في السنوات الماضية.

وبعد عام من هذا الاجتماع، عاد الرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 22 آب/أوت الماضي للتشديد على ضرورة إيلاء الأهمية القصوى لتنظيم سوق الدواء مع مراقبته ومراعاة معايير الجودة في الإنتاج بما في ذلك المكملات الغذائية، والعمل على بعث ودفع مؤسّسة صيدال لدور ريادي حقيقي في السوق الوطنية والإفريقية، وقد يكون إنتاج اللقاح المضاد لفيروس كورنا محليًا أحد الجوانب التي تصب في خانة تحقيق هذا الهدف.

حرب المخابر

أظهرت جائحة كورونا أهميّة تحقيق الأمن الصحي للجزائر، والذي يكون بتشجيع الإنتاج الصيدلاني المحلّي وتطويره، لكنها أظهرت أيضًا أن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلًا، بالنظر للحرب الدائرة بين المخابر العالمية حول سوق الدواء التي تتحكم فيها العلاقات والقرارات السياسية، والنفوذ على مستوى منظمة الصحّة العالمية لاعتماد دواء أو رفضه.

وإن كانت الجزائر في الوقت الحالي غير قادرة أو على الأقل ليست في حاجة لدخول هذا الصراع الدولي الصيدلاني، إلا أنها مطالبة من جانب الحكومة على تنظيم سوق الدواء المحلّية، وحمايته من مافيا شركات الاستيراد التي لا تزال تتحكّم في وفرة أو ندرة الأدوية، خاصّة المتعلقة بالأمراض المزمنة منها.

كما أن تطوير قطاع الصيدلة يحتاج بالأساس إلى إعطاء الصيدلي المكانة التي يستحقها، وتوفير الظروف المناسبة له بدءًا بتطوير تكوينه الجامعي، وفتح مخابر البحث ودعمها محليًا لتقليص هجرة الأدمغة الجزائرية إلى الخارج، ومحاولة الاستفادة من الكفاءات الوطنية الموجودة في دول أجنبية، بتيسير إجراءات استثمارها داخل الوطن وإزالة كل العراقيل التي تعيق تطوير هذه الصناعة محليًا.

 أهم جانب في تطوير قطاع الصناعة الصيدلانية هو ألا يكون منحصرًا في فاتورة الاستيراد وتقليصها

ولعل أهم جانب في تطوير قطاع الصناعة الصيدلانية يتعلق بتغيير نظرة الحكومة لهذا الميدان، بألا يكون منحصرًا في فاتورة الاستيراد وتقليصها، إنما بانتهاج رؤية متعددة الأبعاد تراعي العوامل التكوينية والعلمية والاقتصادية والأمنية والصحية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هذا تاريخ خروج أول دفعة من لقاح كورونا المصنّع في الجزائر

اتفاق وشيك على تصنيع لقاح "سبوتنيك" في الجزائر