16-أبريل-2023
أتباع الطرق الصوفية في الجزائر (الصورة: Getty)

أتباع الطرق الصوفية في الجزائر (الصورة: Getty)

شَكّلت الزوايا الصوفية في الجزائر على مرّ قرون بعدًا مرجعيًا دينيًا وروحيًا، وأدّت أدورًا اجتماعية وإصلاحية ومؤسّساتية، وساهمت بشكلٍ أساسي في المحافظة على الدين الإسلامي ومذهبه المالكي، وحافظت على علاقة ترواحت بين مدّ وجزر مع الوجود العثماني في الجزائر.

قاومت الزوايا كافة أشكال التنصير التي استهدفت معالم الشخصية الوطنية من طرف المستعمر

قاومت الزوايا كافة أشكال التنصير التي استهدفت معالم الشخصية الوطنية من طرف المستعمر، حيث كان حضور المؤسسة الدينية التقليدية إرثًا تاريخيًا وثقافيًا له امتدادات خارج القطر الجزائري، إذ كانت الطرق الصوفية في الجزائر محطة محورية في مسار حركة تنقل الأشخاص والنشاط التجاري بين العمق الأفريقي وبين شماله، على غرار الزاوية التيجانية التي يمتدّ مريدوها من مدينة عين ماضي بولاية الأغواط جنوبي البلاد، إلى بلدان على الحدود الجنوبية مثل النيجر والسنغال.

في هذا المقال ترصد "التر جزائر" أسماء بعض الزوايا والطرق الصوفية في الجزائر في بعدها التاريخي وليس العقائدي، مع إبراز دورها الروحي والسياسي والمقاوماتي، مع الإشارة إلى تموقعها وانتشارها الجغرافي.

الطريقة الرحمانية

ظهرت الزوايا الرحمانية في الجزائر مطلع القرن الثالث عشر، على يد الشيخ محمد عبد الرحمن الجرجري، نسبة إلى جبال جرجرة الواقعة في منطقة القبائل، حفظ القرآن وتلقى مبادئ الفقه واللغة العربية على يد الشيخ الزاوية الصديق بن أعراب بقرية الأربعاء ناث إيراثن، بعدها التحق بالمشرق العربي وأقام سنوات في السودان، تلقى هناك أصول علم التصوف و"مراتب الأولياء الله الصالحين"، وعاد إلى مسقط رأسه بقرية آث إسماعيل سنة 1763 ميلادي، وأسس زاوية هناك.

استقطبت الطريقة الرحمانية طلبة من ربوع الوطن بأكمله، وكانت منطقة القبائل مركز ثقل الزاوية، وبفضل عودة هؤلاء الطلبة إلى مسقط رأسهم انتشرت الطريقة الرحمانية في مناطق عديدة من الوطن على غرار منطقة الهامل ببوسعادة، وولايتي الأغواط وورقلة، ومنطقة طولقة ببسكرة، وامتدت الطريقة الرحمانية إلى خارج الجزائر، حيث أصبحت تعرف اليوم في شمال مالي والنيجر وبعض دول الساحل الأفريقي. من أعلامها وعلمائها الشيخ المقراني والشيخ الحداد والشيخ القاسمي الهاملي، وعميد مسجد الأعظم الشيخ محمد مأمون القاسمي رئيس الرابطة الرحمانية ورئيس مشيخة الطريقة القاسمية.

الطريقة التيجانية

مؤسّس الطريقة التيجانية هو الشيخ أحمد التيجاني، من مواليد 1737 في مدينة عين ماضي بولاية الأغواط (400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة)، قرأ القرآن وعلوم اللغة العربية على يد شيوخ المنطقة، وفي العشرين من عمره انتقل إلى مدينة فارس المغربية، حيث تلقى على يد الشيخ الطريقة الطيبية الشيخ الطيب الوزاني أصول الطريقة ومبادئ التصوف.

عاد إلى الجزائر وأخذ في نشر مبادئ التصوّف وتحديد بين مدينة تلمسان والصحراء الجزائر، واستقر في منطقة الأبيض سيدي الشيخ لفترة خمسة أعوام، زار منطقة القبائل وتتلمذ على يد الشيخ عبد الرحمان الأزهري وأخذ منه أصول الطريقة الخلوتية، توقف في مصر وتونس، واعتزل وذهب إلى مدينة توت وأبي سمغون الواقعة في منطقة ولاية البيض، اتجه به المقام إلى مدينة فاس بعدما تلقى مضايقات من بايات وهران، وظلّ في فاس إلى غاية وفاته سنة 1815.

شكلت الطريقة التيجانية خلاصة الطريقة الرحمانية، وجمع أحمد التيجاني بين أصول الطريقة الشاذلية والطيبية والناصرية، وانتشرت الطريقة التيجانية في مدينة عين ماضي وباقي ولاية الأغواط ومدن وقرىً صحراويةً وامتدت إلى الحوض الأفريقي.

الطريقة القادرية

 ظهرت الطريقة القادرية على يد الشيخ مصطفى المختار الغريسي حوالي سنة 1785/1786، وكان موطن الزاوية يَقع في واد الحمام قرب مدينة معسكر، حيث كان الشيخ مصطفى المختاري كثير التردد على بلد الحرمين ومدينة بغداد العراقية، وهناك تعلم مبادئ وأصول الطريقة القادرية على يد أتباع ومريدي الشيخ عبد القادر الجيلاني.

توفي الشيخ مصطفى بعد عودته من مناسك الحج، وتولى شؤون الطريقة القادرية محي الدين والد الأمير عبد القادر الذي تلقى بدوره التعليم والتدريس على يد والده الشيخ محيي الدين، بعد وفاة الشيخ محي الدين تولى أمر الزاوية ولده محمد السعيد، أما الأمير عبد القادر اهتم بشأن المقاومة واستنفار الجهاد ضد المستعمر.

وبعد تسليم باي وهران المدينة إلى الفرنسيين، قاوم أتباع الطريقة القادرية رفقة الطريقة الدرقاوية المستعمر الفرنسي ورفضوا الاستسلام والانصياع.

الطريقة الدرقاوية

تنسب الطريقة الدرقاوية إلى الشيخ محمد العربي الدرقاوي، ظهرت خلال سنوات 1800/1806، وانتشرت بقوة في أعقاب ضعف الحكم العثماني في الجزائر، وهي طريقة متفرعة عن الطريقة الشاذلية، عُرف عن الدرقاويين الزهد والتشدد والتعصب، ومنعوا الناس من لباس الزينة ولم يحلقوا شعرهم وكانوا يعيشون في المناطق الوعرة، وكانت منطقة الونشريس مقر إقامة مريديهم وانتشارهم، ومن بين زعماؤهم عبد القادر الشريف.

الطريقة الحنصالية

أسس الطريقة الحنصالية يوسف الحنصالي، وانتشرت في ضواحي مدينة قسنطينة، وتتفرع بعض علوم التصوف الطريقة الحنصالية من أصول الطريقة الشاذلية والرحمانية والخلوتية، وجاء في كتب التاريخ ان الطريقة الحنصالية تزامنت مع فترة حكم صالح باي ولم تكن العلاقة ودية بين حكام العثمانيين وأتباع الطريقة ومن علمائها الشيخ أحمد المبارك، المعروف بعائلة "العطار" والشيخ أحمد الزواوي الذي قاد ثورة على صالح باي.

لعبت الطرق الصوفية في الجزائر دورًا بارزًا في الحياة الدينية والروحية وحتى السياسية

لقد لعبت الطرق الصوفية في الجزائر دورًا بارزًا في الحياة الدينية والروحية وحتى السياسية، وتوزّعت فترات الوجود الصوفي بالجزائر بين الجهاد والعلم والعمل، لكن ارتبط حضورها في بعض مراحها بالخرافة والتدجيل والإرجاء.