13-يناير-2017

العزوف الانتخابي في الجزائر بين هاجس السلطة ورهان المقاطعين (برتراند لونغلوا/أ.ف.ب)

ظل العزوف الانتخابي هاجسًا سياسيًا يقلق السلطة الجزائرية منذ أول انتخابات تشريعية في عهد التعددية، كان ذلك في العام 1992. إثر ذلك، نظمت الجزائر أربع انتخابات تشريعية، جرت أعوام 1997 و2002 و2007 و2012، فيما عرفت خمس انتخابات رئاسية أعوام  1995 و1999 و2004 و 2009 و2014، وخلالها لم تتجاوز أعلى نسبة مشاركة فيها 63 في المئة وتدنت إلى 43 في المئة في انتخابات 2007.

تبذل السلطة السياسية في الجزائر جهودًا واسعة لإقناع الناخبين من أجل المشاركة في الانتخابات وخاصة في التشريعية والمحلية منها

وبرأي المتتبعين للشأن السياسي في الجزائر، تبذل السلطة الجهود لإقناع الناخبين من أجل المشاركة في الانتخابات وخاصة في التشريعية والمحلية، كما أنها توجه جزءًا من جهودها الدعائية في الانتخابات إلى تحميل الناخبين المسؤولية الوطنية، كمحفز لدفعهم نحو التوجه إلى مكاتب الاقتراع، أكثر من اهتمامها بالطرف الذي سيصوتون عليه.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات 2017 توحد الأحزاب الإسلامية في الجزائر

في الجهة الأخرى، قال الأستاذ في العلوم السياسية نورالدين نجاري لـ"ألترا صوت" إنه "مع كل انتخابات جديدة، تعودت القوى السياسية، التي تقاطع الانتخابات، صب نسبة المقاطعين في رصيدها السياسي، وتبني الأغلبية الصامتة في صفها، كما أنها تزعم أن مجموع المقاطعين والعازفين عن مكاتب التصويت استجابوا في حقيقية الأمر لنداءاتها". وأضاف نجاري أن ذلك يعتبر "الرهان الذي سيتكرس هذه المرة كالعادة خلال الفترة ما قبل الانتخابات بين السلطة من جهة وبين كتلة الأحزاب المقاطعة".

وتتشكل الأحزاب المقاطعة أساسًا حتى الآن من ثلاثة أحزاب، فاجأت مقاطعتها الرأي العام والساحة السياسية، وهي حزب "طلائع الحريات" وهو حزب منشق في أغلبه من حزب "جبهة التحرير الوطني" وحزب "جيل جديد" وهو حزب تقدمي بزعامة جيلالي سفيان، وحزب "الحركة الاجتماعية" الوريث الشرعي للحزب الشيوعي الجزائري، بالإضافة إلى حركة  "بركات" أو "كفاية"، التي تأسست في عام 2014 وقادت حراكًا مستميتًا في الشارع الجزائري ضد ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية في 2014، وحركة "الحكم الذاتي" وهي حركة تتمركز في منطقة القبائل وسط الجزائر وتطالب بحكم ذاتي لعدة مناطق جزائرية، ذات الأغلبية الأمازيغية.

وبحسب الأمين العام لحزب طلائع الحريات علي بن فليس، وهو رئيس حكومة سابق وأبرز منافسي الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، فإن مبررات المقاطعة لديه تتعلق بما وصفه بـ"المسرحية السياسية"، التي برأيه "ستكون من تأليف وإخراج السلطة"، كما يرى أن التشريعيات لن تكون مخرجًا للأزمة التي تعيشها الجزائر.

كما ذهب بن فليس في تصريحات صحفية عقب إعلانه عن مقاطعة الانتخابات إلى وصف الوضع قائلًا إن "الجزائر تعيش انغلاقًا سياسيًا"، مضيفًا أن حزبه لن يكتفي بالمقاطعة بل "سيكمل مشواره السياسي على الأرض ويطالب الجزائريين بمقاطعة الانتخابات"، التي لن تقدم برأيه "أية إضافة للبلاد".

يعزف الشباب الجزائري، الذي يمثل 60 في المئة من الكتلة الناخبة، عن التسجيل في القوائم الانتخابية ويرى أنه يقع توظيفه

ويعتقد حزب "جيل جديد" لجيلالي سفيان أن "السلطة لا توفر أيًا من الشروط لنزاهة الانتخابات وأن موقفه لمقاطعة الانتخابات هو موقف منسجم مع أرضية "مزافران"، التي انبثقت عن مؤتمر لقوى المعارضة السياسية في الجزائر في حزيران/ يونيو 2014، والتي تطالب حصرًا بهيئة مستقلة للتنظيم والإشراف على الانتخابات وسحب تنظيم هذه الأخيرة من يد وزارة الداخلية، إذ لا يمكن أن تكون السلطة هي الخصم والحكم في نفس الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: الاحتجاجات في الجزائر.. السلطة تطمئن والشارع متخوف

وبرأي سمير بلعربي، القيادي في حركة "بركات" فإن المشاركة في الانتخابات هي "مشاركة في مسرحية سياسية تعد لها السلطة ولعب دور مجرد إكسسوارات في ديكور غطاؤه سياسي"، مشيرًا في تصريحاته الصحفية إلى أن "السلطة أثبتت رفضها أية شراكة سياسية أو قبول بشروط المعارضة السياسية".

وتستند الأحزاب المقاطعة إلى الظروف الاجتماعية وإخفاقات الحكومة في إيجاد حلول لها، برأي أصوات كثيرة في الجزائر، بالنظر إلى تصاعد التوترات الاجتماعية التي لا يمكن إغفالها بما قد يرفع من حالة الرفض الشعبي للمشاركة في الانتخابات.

اللافت أيضًا في الساحة أن الشباب الجزائري الذي يمثل 60 في المئة من الكتلة الناخبة يعزف عن التسجيل في القوائم الانتخابية، حسب الأستاذ في علم الاجتماع السياسي من جامعة تلمسان عبد العالي بوكروح، حسب ما جاء في حديثه لـ"ألترا صوت" أن ذلك "ناجم عن الإحباط الكبير الذي خلفته الانتخابات السابقة خصوصًا وأن وعود الساسة لم تتجسد فعليًا على أرض الواقع، وفي مقابل ذلك الممارسات اليومية التي يواجهها الشباب خاصة المتخرجين حديثًا من الجامعات والذين يواجهون اليوم البطالة، وهو ما قابله البعض بعمليات الهجرة غير الشرعية وليس بالتسجيل للانتخاب".

كما وصف الدكتور بوكروح هذا العزوف بأنه "يأس في العمق المجتمعي الجزائري تجاه الأحزاب السياسية، حيث لا يجد فيها الشباب أنفسهم ممثلين في الهياكل والمجالس المنتخبة، بل وأكثر من ذلك رؤية الكثيرين إلى أنهم مطية أو وسيلة في يد بعض الأحزاب التي تجندهم في كل مناسبة انتخابية، وتستقطبهم لتمرير مشاريعها الآنية".

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟

ملف "الحركي" في الجزائر.. المسكوت عنه