07-يونيو-2022

سجن الحراش بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

في شهر أفريل/ نيسان الماضي أفرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن أكثر من ألف سجين من بينهم 70 من الحراكيين، في إطار تدابير العفو الرّئاسي، وهو عفو يأتي دوريًا كلما حلّت مناسبة سواء الأعياد الدينية كعيدي الفطر وعيد الأضحى، أو أعياد وطنية وخاصّة عيدي الاستقلال المصادف للخامس من شهر تموز/جويلية أو عيد الثورة التحريرية المجيدة من كل الفاتح من كانون الثاني/نوفمبر من كل سنة.

يربط متابعون العفو الرئاسي عن المساجين بتعبيد الطريق نحو مبادرة "لمّ الشمل"

ما يجعل هذه المناسبات في عين الكثير من الأسر فرصة للإفراج عن ذويها، خصوصًا أولئك المحكوم عليهم في قضايا بسيطة، في مقابل التعامل الإجرائي بناء عن القوانين الجزائرية التي منحت العفو الشامل عن الأشخاص الذين لم توجّه إليهم تهم تتعلق بالأمن العام للدولة.

في هذا المضمار، تترقّب الأوساط السياسية في الجزائر عفوًا شاملًا من الرئيس تبون يعني نشطاء الحراك الشعبي ومعتقلي الرأي، تزامنًا مع احتفالات الجزائر بالذكرى الستين للاستقلال، وهي الفرصة المواتية لتعبيد الطريق نحو مبادرة "لمّ الشمل" والبدء في حوارات جادّة ومثمرة مع مكوّنات المجتمع السياسي والمدني في الجزائر.

عفو  الرئيس

يطرح حقوقيون مسألة العفو الرئاسي من بوابة الإفراج عن العديد من نشطاء حرّية التعبير أو ما وسم لدى القضاء باتهامهم في قضايا تتعلق بالإخلال بالنظام العامّ، ومن بينهم عدد من نشطاء الحراك الشعبي.

العفو الرئاسي أو العفو عن العقوبة مكرس في القوانين الجزائرية من خلال الدستور، ممنوح للرئيس، إذ هو حسب أستاذ الحقوق عبد المالك زعموم يعطي الحقّ للرئيس الجمهورية التدخل في العدالة، لافتًا إلى أنه حقّ يمارس في مجال سيادي يصدر من الرئيس لإصدار إعفاء للمحكوم عليهم من الالتزام بتنفيذ العقوبة المبثوث فيها قانون نافذة جزئيًا أو كليًا أو استبدال أخرى أخفّ.

هذا من الناحية القانونية الصرفة، إذ أضاف زعموم لـ"الترا جزائر" أنّ هناك في بعض القوانين تقرّر اختيارات بديلة للسجن كالخفض في العقوبة وإعادة الإدماج والخدمة العمومية والحرية المشروطة والحبس غير النافذ والمراقبة الإلكترونية.

وختم المتحدّث بأن قرار العفو عن العقوبة (العفو الرئاسي) يعتبر عملًا سياديًا بامتياز وهو أحد اختصاصات رئيس الجمهورية الدستورية، فهو دومًا أحد اختصاصات رئيس الجمهورية الدستورية، باعتباره يتمتع بكامل السلطة التقديرية في منح هذا العفو دون أية قيود.

امتياز بشروط

إجرائيًا، لا يمرّ حكم العفو الرئاسي بجرة قلم أو بتوقيع من الرئيس، إذ حتى يمنح هذا العفو لا بدّ من وجود مجموعة من الشروط الشكلية، من الواجب اتّباعها، خاصة وأن هذا الأمر يمرّ عبر أربعة تدابير من الواجب المرور بها.

تتسم هذه الإجراءات بسحب الحقوقية المحامية فريدة بولعسل من قسنطينة شرق الجزائر بشكلٍ إنساني بحت، مؤكِّدة أن العفو في حدّ ذاته يحمل صبغة إنسانية واجتماعية، بعيدًا عن التدابير القانونية والخلفيات الحقوقية، على حدّ تعبيرها.

كخطوة أولى يمنح حقّ العفو عن العقوبة تبعًا لطلب فردي من المحكوم عليه، أو من أقاربه من ذوي الحقوق أو محامي، إذ قالت بولسعل لـ"الترا جزائر" أن العملية أيضا تتم من وزارة العدل أو إدارة السجن نفسها إن كان سلوك المحكوم عليه جدير بشموله بذلك الإجراء أو الامتياز.

وفي الإطار نفسه، يجوز لرئيس الجمهورية أن يُقبِل على هذه المبادرة كخطوة في منح العفو من تلقاء نفسه، دون الحاجة هنا لطلب المحكوم عليه، وهو ما يحدث عند العفو الجماعي عن بعض المحكوم عليهم في مناسبات معينة".

رغم ذلك فالجهة التي يقدم لها الطلب كشرط ثاني للعفو تتمثل إما إلى رئيس الجمهورية  إلى وزير العدل فتقوم مصلحة لجنة العفو الموجودة على مستوى الوزارة لجمع المعلومات اللازمة وتكوين ملف وتقري شامل عن أسباب ودوافع صدور الحكم، لافتة إلى أن المجلس الأعلى للقضاء يبدي رأيه في جميع طلبات العفو عن العقوبة قبل تحويل الملف إلى مصالح الرئاسة.

لا يصدر العفو إلا باستشارة حتى يكون فعالًا ويحقّق هدف المصلحة العامة، فأثناء إصدار الرئيس للعفو يلجأ إلى الاستشارة من ذوي الاختصاص في هذا المجال عبر المجلس الأعلى للقضاء، كما أشارت محدثة " الترا جزائر" إلى أن هذه الخطوة غير ملزمة للرئيس لكنها خطوة إيجابية أو " استئناس بالرأي" حتى يكون القرار سليما.

ولتنفيذ العفو فإنه يصدر بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية، حسب السلطة التقديرية للرئيس الجزائري نظرا لما تمليه عليه ضرورة المصلحة العامة.

ما بعد العفو

بعيدًا عن القوانين والتدابير، فإن العفو حالة إنسانية تنتظرها جلّ العائلات، إذ تهدف غالبًا إلى تمكين الفرد من حقوقه الإنسانية وأهمها الاستفادة من الحرية، لكن في المقابل من ذلك كشف مختصون في الصحة النفسية للسجناء عقب الإفراج أو العفو، عما يسمى بأزمة ما بعد الخروج من السجن، إذ تسبب العديد من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، بسبب الصعوبات التي يواجهها بعد بقاءه في السجن.

في هذا السياق، وضعت وزارة العدل مصالح خارجية أسندت لها مهمة إعادة إدماج المساجين مباشرة بعد خروجهم من السّجن، حسب ما كشفه المحامي عبد الكريم معروف، مع تشجيع هيئات المجتمع الدني للمساهمة في العملية، خاصة منها جمعية محو الأمية والكشافة الإسلامية وغيرها من الجمعيات الناشطة في الأحياء والمدن، على حدّ قوله.

يطرح متابعون مسألة الاستفادة من العفو الرئاسي من جانبها الإنساني  إذ يوجد من بين هؤلا سجناء سُجنوا ظلما أو هناك من استفاد من البراءة

وطرح البعض المسألة الاجتماعية من جانبها الإنساني، وهي تخصّ المساجين سابقًا عمومًا أو المستفيدين من العفو خصوصًا، دون نسيان من سجنوا ظلمًا أو ثبتت براءتهم أو كانوا ضحايا مواقفهم السياسية، إذ دعت الأخصائية النفسانية وهيبة مزهود إلى أهمية تأهيل جوانب القصور من شخصية المسجون، فمن واجب المجتمع أن يعاقبه إن ارتكب خطأ وفي الوقت نفسه وجب احترام إنسانيته كونه أخطأ ويمكن إصلاحه.