سياسة

العلاقات الجزائرية الإيرانية .. شراكة في مرآة الجغرافيا والسياسة

19 يونيو 2025
العلاقات الجزائرية الإيرانية
العلاقات الجزائرية الإيرانية (صورة: أرشيف)
عمار لشموت
عمار لشموتكاتب من الجزائر

مرّت العلاقات الجزائرية الإيرانية بمحطات متباينة، شملت فترات من التقارب والتعاون، وأخرى اتسمت بالتُوتر والفتور، وصلت أحيانًا إلى حدّ القطيعة. 

تُعد القضية الفلسطينية من أبرز نقاط التقارب بين الجزائر وإيران، حيث يجمع الطرفان على دعم حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية

ومع ذلك، سُرعان ما عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مسارها الطبيعي، في ظلّ رغبة مشتركة في تجاوز الخلافات وتعزيز الحوار.

وبالرغم من التباعد الجغرافي؛ أبدى البلدان حرصًا واضحًا على تطوير علاقاتهما الثنائية وتوسيع مجالات التعاون المشترك، وتسعى إيران من خلال هذه العلاقة إلى تعزيز حضورها في شمال أفريقيا عبر شراكة استراتيجية مع الجزائر، بينما تطمح الجزائر إلى تنويع شراكاتها الخارجية، وتوسيع نفوذها الدبلوماسي خارج نطاقها المتوسطي والأفريقي، من خلال الانفتاح على مناطق جنوب وشرق آسيا.

ترصُد "الترا جزائر" في هذا المقال أبرز المحطات التاريخية التي مرّت بها العلاقات الجزائرية الإيرانية.

العلاقات التاريخية

عرفت العلاقات الجزائرية–الإيرانية أولى بوادر الاتصال خلال فترة الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962). ففي إطار سعي قيادة الثورة إلى كسب التأييد السياسي والحصول على الدعم العسكري، قام وفد جزائري برئاسة أحمد فرانسيس بزيارة إلى طهران، حيث أجرى لقاءات مع شخصيات سياسية ودينية إيرانية رفيعة المستوى. وقد كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة، وساندتها سياسيًا ودبلوماسيًا في المحافل الدولية.

وبعد الاستقلال، استعانت الجزائر بعدد من الكفاءات الإيرانية المتخصصة في مجالات الطاقة والنفط والغاز، مما ساهم في تعزيز التعاون الثنائي خلال السنوات الأولى من بناء الدولة الجزائرية الحديثة.

اتفاق الجزائر

في مارس/آذار 1975، استضافت الجزائر أول قمة لدول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بحُضور عدد من قادة الدول النفطية، من أبرزهم شاه إيران محمد رضا بهلوي، ورئيس الوفد العراقي آنذاك صدام حسين. 

وقد أدّى الرئيس الجزائري هواري بومدين (محمد بوخروبة)  دور الوسيط بين بغداد وطهران، في ظل تصاعد النزاع الحدودي بين البلدين.

أسفرت هذه الوساطة عن التوصل إلى اتفاق رسمي سُمي بـ "اتفاق الجزائر"، وُقّع في السنة ذاتها، ووضع حدًا للنزاع الحدودي المزمن بين العراق وإيران، لا سيما في منطقة شط العرب.

ما بعد الثورة الإيرانية

في السياق نفسه، وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، كانت الجزائر من بين أوائل الدول التي اعترفت بالقيادة السياسية الجديدة في إيران. وفي بادرة دعم سياسي وروحي، أوفدت الجزائر وفدًا من العلماء برئاسة أحمد حماني، حيث التقى الوفد بـمرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني.

كما أوفدت الجزائر وفدًا رسميًا برئاسة وزير الشؤون الدينية آنذاك، مولود قاسم آيت بلقاسم، الذي أشرف على تنظيم ملتقيات الفكر الإسلامي. وقد سعى من خلال هذه الفعاليات الفكرية إلى طرح فكرة التقارب المذهبي في محاولة لتعزيز الحوار الديني والانفتاح الفكري.

أزمة الرهائن

بعد تسعة أشهر من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اندلعت أزمة دبلوماسية حادة بين طهران وواشنطن، إثر اقتحام مجموعة من الطلبة الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران، واحتجازهم لـ52 موظفًا أمريكيًا كرهائن.

استمرت الأزمة 444 يومًا، إلى أن نجحت الوساطة الجزائرية في التوصل إلى اتفاق أدى إلى إطلاق سراح جميع الرهائن في 20 يناير/كانون الثاني 1981. 

وقد أشرف على هذه الوساطة وزير الشؤون الخارجية الجزائري آنذاك محمد الصديق بن يحيى، بمشاركة طاقم دبلوماسي جزائري من وزارة الخارجية، في واحدة من أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية.

الحرب العراقية–الإيرانية

في سياق متصل، وبعد إعلان الرئيس العراقي صدام حسين إلغاء اتفاق الجزائر لعام 1975، اندلعت الحرب العراقية–الإيرانية التي استمرت بين عامي 1980 و1988.

وعلى خلاف العديد من الدول التي ساهمت في تأجيج الصراع عبر تقديم الدعم لأحد الطرفين أو كليهما، اتخذت الجزائر موقفًا محايدًا، وسعت إلى الوساطة بين البلدين من أجل إنهاء الحرب.

وفي إطار هذا المسعى، قام وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى بمهمة دبلوماسية للتقريب بين طهران وبغداد. غير أن طائرته تعرضت للاستهداف بصاروخ فوق الأجواء العراقية في مايو/أيار 1982، ما أدى إلى استشهاد الوزير رفقة ثمانية من أعضاء وزارة الخارجية، وعدد من الصحفيين وطاقم الطائرة.

وتشير مذكرات الفريق خالد نزار (الجزء الثاني) إلى أن الرئيس العراقي صدام حسين كان شخصيًا وراء عملية استهداف الطائرة الجزائرية، في حادثة لا تزال تحيط بها الكثير من التساؤلات.

القطيعة 

وفي عام 1992، وبعد توقيف المسار الانتخابي في الجزائر الذي فازت به "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 1991، تدخلت إيران في الشأن الداخلي الجزائري، معربة عن رفضها لوقف المسار الديمقراطي.

شهدت العلاقات بين البلدين مزيدًا من التدهور إثر محاصرة عناصر طلابية إيرانية للسفارة الجزائرية في طهران، أعقبها صدور تصريحات من مسؤولين إيرانيين عبّروا فيها عن ارتياحهم لاغتيال الرئيس محمد بوضياف (سي الطيب الوطني) في يونيو/جوان 1992.

وبسبب هذه الاستفزازات المتكررة، طردت الجزائر السفير الإيراني، وفي عام 1994، أعلن المجلس الأعلى للدولة بقيادة علي كافي عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. كما اتهمت حكومة الراحل رضا مالك إيران بتقديم دعم سياسي وإعلامي لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، التي تم حلّها وتصنيفها لاحقًا كجماعة إرهابية.

عودة دفء العلاقات

عادت العلاقات الجزائرية–الإيرانية إلى أجواء من الدفء بعد تولي عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجمهورية عام 1999، حيث أعيدت العلاقات الدبلوماسية رسميًا في سبتمبر/أيلول 2000، وتم تبادل السفراء في أكتوبر/تشرين الأول 2001.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2003، قام بوتفليقة بأول زيارة رسمية إلى إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وهو ما مثّل تحولًا مهمًا في العلاقات بين البلدين. وقد تعزز هذا المسار بزيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2004.

تحركات المستشار الثقافي الإيراني

رغم هذا التقارب، فقد شهدت العلاقات بعض التوترات على خلفية النشاط الثقافي الإيراني في الجزائر، خاصة خلال فترة عمل المستشار الثقافي الإيراني أمير موسوي بالسفارة الإيرانية بين عامي 2014 و2018.

أثارت تحركات موسوي، التي شملت مشاركات فكرية ودينية، موجة من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية الجزائرية، حيث اتهم بنشر المذهب الشيعي والطعن في المرجعية الدينية الجزائرية، إضافة إلى محاولات استقطاب أفراد لخدمة المصالح الإيرانية.

رغم دفء التصريحات، بقيت المصالح الاقتصادية بين الجزائر وإيران أسيرة حسابات السياسة والتقلّبات الإقليمية

وكان من أبرز الأصوات التي حذّرت من هذه الأنشطة عدة فلاحي، نائب برلماني ومستشار سابق في وزارة الشؤون الدينية، الذي قاد حملة تنبيه إلى مخاطر "المدّ الشيعي" على البنية العقائدية والسياسية والاجتماعية للبلاد.

نقاط التقارب

تُعد القضية الفلسطينية من أبرز نقاط التقارب بين الجزائر وإيران، حيث يجمع الطرفان على دعم حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.

كما يوجد تعاون ثنائي في إطار منظمة أوبك، حيث يتفق الجانبان على سياسات تهدف إلى تسقيف الإنتاج من أجل تحسين أسعار النفط. وقد انضمت الجزائر سنة 2001 إلى منتدى الدول المصدرة للغاز، وهو مشروع كانت إيران من أبرز داعميه.

يعمل البلدان على وضع استراتيجية مشتركة لضبط سوق الغاز عالميًا، وتبادل الخبرات التقنية في صناعة الغاز والطاقة.

نقاط التباعد

في المقابل، تمسكت الجزائر بمبدأ فصل الملفات، حيث أعلنت في أكثر من مناسبة، خصوصًا عبر منابر الجامعة العربية، رفضها تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية، ودعت إلى الكف عن تحريك الجماعات الموالية لطهران لما يشكله ذلك من تهديد للأمن القومي العربي.

كما ساندت الجزائر مقترحات دول مجلس التعاون الخليجي الداعية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهو موقف يعكس تباينًا في الرؤى بين الجانبين.

العلاقات التجارية.. مستوى لا يعكس الطموح السياسي

رغم التقارب السياسي، يرى مراقبون أنّ مستوى التبادل التجاري والاقتصادي بين الجزائر وإيران لا يزال دون الطموحات، إذ لا يتجاوز 200 مليون دولار سنويًا، رغم تبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات.

وقد شهد شهر مارس/آذار 2024 زيارة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الجزائر، أسفرت عن توقيع ست اتفاقيات تعاون شملت عدة قطاعات اقتصادية وثقافية، في محاولة لرفع مستوى الشراكة.

تراوحت العلاقات الجزائرية–الإيرانية بين التقارب والتوتر عبر العقود، لكنها استمرت، رغم التحديات، مدفوعة بالمصالح المشتركة والظروف الإقليمية. 

تسعى الجزائر إلى الانفتاح على جنوب شرق آسيا عبر شراكات مع دول مثل إندونيسيا وماليزيا، وترى في إيران بوابة استراتيجية نحو هذه المنطقة.

في المقابل، تبحث إيران عن فضاءات جديدة في شمال أفريقيا لكسر العزلة الاقتصادية وتنويع شركائها، غير أن العلاقات بين البلدين ما زالت رهينة لسياقات إقليمية ودولية معقدة.

 

الكلمات المفتاحية

 الزبير بن بردي

حوار| الزبير بن بردي: فلسطين كانت في صلب اهتمام الجزائريين حتى خلال فترة نضالهم ضد الاحتلال الفرنسي

ما يزال هول الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض إليها فلسطين منذ أكثر من عام ونصف يشد انتباه الجزائريين، وبالخصوص الأكاديميين المتخصصين الذين لاحظوا أوجه تشابه كثيرة بين نضال الشعب الفلسطيني وحركة التحرر الجزائرية، لذلك ازدادت المؤلفات التي تتناول قضية العرب الأولى خلال هذه الفترة، ولعل آخرها كتاب ""قضية فلسطين في كتابات أحمد توفيق المدني والفضيل الورتلاني" لمؤلفه الدكتور الزبير…


عبد الرزاق مقري.jpg

على خلفية تعيين عسلاوي وزكريا بلخير.. سجال سياسي وأيديولوجي بين مقري والأرسيدي

اندلع سجال سياسي وأيديولوجي حاد في الجزائر، بين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعروف بتوجهه العلماني، وبين الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بعد تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان.


السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه

أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.


زكريا بلخير

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟

وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

علي ذراع
أخبار

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض

توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.


حالة الطقس في الجزائر
أخبار

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب

توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.

الأكثر قراءة

1
أخبار

ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة: زوال الاحتلال الإسرائيلي "حتمية تاريخية"


2
أخبار

بطلب من الجزائر.. اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا


3
أخبار

طقس الجزائر.. درجات حرارة قياسية في 6 ولايات جنوبية


4
مجتمع

رفع سنوات تكوين الأساتذة..تحسين للمستوى أم تمطيط بلا جدوى؟


5
أخبار

الجزائر تدين العدوان الإسرائيلي على سوريا وتدعو مجلس الأمن لتحمّل مسؤولياته