26-يناير-2020

أردوغان هو أوّل رئيس يزور الجزائر بعد الرئاسيات (الأناضول)

زيارة أردوغان إلى الجزائر اليوم، بدعوة من رئيس الجمهورية عبد المجدي تبون، خلال جولة تدوم يومين، تحمل العديد من الملفّات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وتشكّل التطوّرات الميدانية والسياسية على الساحة الليبية، محورًا رئيسيًا في المحادثات بين الطرفين، وفي ظلّ تحسن العلاقات الثنائية، يتباحث الجانب الجزائري والتركي، سبل الدفع بالعلاقات التجارية والاقتصادية، إلى مستويات أعلى من ذي قبل. 

تركيا قد أعطت أهميّة بالغة لأفريقيا، خاصّة دول الشمال، منذ تولّي الرئيس أردوغان الحكم سنة 2003

الانفتاح على أفريقيا 

في هذا السياق، يجدر التذكير بأنّ تركيا قد أعطت أهميّة بالغة لأفريقيا، خاصّة دول الشمال، منذ تولّي الرئيس أردوغان الحكم سنة 2003، لذلك بادرت الحكومة التركية إلى تعزيز علاقاتها بدول القارّة السمراء، حيث أعلنت سنة 2005 عامًا للقارّة الأفريقية. 

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس التركي أردوغان في الجزائر بداية من الأحد القادم

كان عدد السفارات التركية في أفريقيا 12 سفارة فقط، لكنه ارتفع حاليًا إلى 39 سفارة، إضافة إلى ارتفاع حجم التجارة التركية مع أفريقيا من 4.4 مليار دولار، إلى 18 مليار دولار. وبهذا أصبحت تركيا شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأفريقي. 

من جهته، تطرّق الباحث والمحلّل السياسي التركي، رسول طوسن، في حديث إلى "الترا جزائر"، إلى أسباب نجاح التوسّع التركي على الساحة الأفريقية، وقال إنّ القبول الأفريقي لهذه الدولة، يعود أساسًا إلى أن تركيا لم تكن دولة استعمارية في المخيال الأفريقي الشعبي، مضيفًا أن نوايا أنقرة تستهدف ربح الطرفين حسب مبدأ "اربح اربح"، وهي تتعامل بموجب الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول، وينعكس هذا الموقف الناعم على الدول الأفريقية بشكلٍ إيجابي.

أما بخصوص علاقة تركيا بدول شمال أفريقيا، فقد أفاد محدثّنا أنّ تركيا تولي لها أهميّة مضاعفة، وتثمّن تعزيز العلاقات معها، بسبب وجود روابط دينية، ثقافية وتاريخية.

 البعد التاريخي والثقافي

في هذا السياق، أبرز طوسن عمق العلاقات المشتركة بين الجزائر وتركيا، من حيث الدين والثقافة والتاريخ الطويل المشترك، وفي ظلّ التحدّيات الإقليمية الأخيرة، يُعرب البلدان عن تقارب في وجهات النظر، فيما يخصّ بعض الملفات والقضايا الدولية، يقول المتحدّث.

ربّما شكّل غياب الإرادة السياسية من الجانبين، في بطء العلاقات بين البلدين خلال الفترات السابقة. هنا، يتوقّع المحلّل السياسي التركي، أن انتخاب رئيسٍ جديدٍ، ستفتح بابًا جديدًا لتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، على حدّ قوله.

 تشكّل القضية الليبية حسب المتحدّث، منعرجًا في توطيد العلاقات الإقليمية، حيث تفرض على كلّ دولة تريد الاستقرار في المنطقة، التعاون والتضامن الكثيفين بين الدولتين المعنيين. 

البعد الجيوسياسي

يبدو أنّ الجزائر اليوم، مؤهّلة لأداء دور إقليمي مع تركيا، خصوصًا بعدما وقّعت هذه الأخيرة اتفاقيتين مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، بخصوص تحديد الصلاحيات البحرية، والتعاون الأمني والعسكري. حيث أصبحت تركيا جارة مع ليبيا على البحر الأبيض المتوسّط، وبعد دعوة الحكومة الليبية الشرعية إلى انتشار تركيا عسكريًا في ليبيا، للدفاع عن الشرعية وحقن الدّماء، وموافقة البرلمان التركي على إرسال مساعداتٍ عسكريةٍ إلى طرابلس، تحوّلت تركيا إلى محورٍ أساسيٍّ في الحوض المتوسّطي، خصوصًا بعد قمّة موسكو ومؤتمر برلين.

يُذكر أن الجزائر تتقاسم ألف كيومتر تقريبًا من الحدود مع ليبيا، وانطلاقًا من الحضور التركي القويّ في المنطقة، بات على الجزائر اليوم، أكثر من ذي قبل، اعتماد فعالية سياسية تكاملية خارجية (جيوسياسية) مع أنقرة، لتحافظ على مصالحها الاقتصادية، واستقرار أمنها الداخليّ، وهذا بالتعاون مع تركيا كحليفٍ استراتيجيٍّ يُراعي مصالح الجزائر في المنطقة.

يشدّد متابعون، على أن أهميّة زيارة أردوغان إلى الجزائر، تتبلور في تصورٍ يعمل على وضع توازنات في المنطقة، والتقليص من النفوذ الروسي والفرنسي وحتى الصّيني، وتبرُز أهميّة زيارة أردوغان، في كونها أوّل زيارة لرئيس دولة إلى الجزائر، عقب انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

العلاقات الاقتصادية والتجارية 

من جهته، سيرافق أردوغان إلى الجزائر، وفدٌ من رجال الأعمال الأتراك للتباحث حول إمكانيات تطوير الشركة في مجال التجارة والصناعة. حيث تحتلّ الجزائر موقع أوّل زبون لتركيا في أفريقيا، ويهدف الجانب التركي، إلى الرفع من حجم التبادل التجاري من 3.5 مليار دولار، إلى 5 مليار دولار كمرحلة أولى، ثم إلى 10 مليار دولار آفاق 2030.

تحتلّ الجزائر أيضًا، المرتبة الرابعة في ترتيب الدول المموّنة لتركيا بالغاز الطبيعي بعد إيران، روسيا وأذربيجان، وتعمل تركيا على تنويع مصادر التمويل بالغاز الطبيعي من الدول الأكثر استقرارًا. ففي سنة 2014، تمّ الاتفاق على تزويد أنقرة بالغاز الطبيعي لمدّة عشر سنوات، بزيادة 50 في المائة. وبلغ حجم الواردات من الغاز الطبيعي إلى تركيا سنة 2018، 4.4 مليار متر مكعب، ويبلغ حجم الاستهلاك التركي من الغاز الطبيعي الجزائري 8 في المائة.

في هذا السيق، تمّ الاتفاق بين سوناطراك وشركتي "رونيسونس" و"بيغان" التركيتين، على عقد استثمار بقيمة مليار دولار في مجال الطاقة والمواد الخام، ويبلغ عدد الشركات التركية في الجزائر 900 مؤسّسة، تتنوّع مجالات نشاطاتها بين الصناعة النسيجية، والصناعة الصيدلانية، ومواد التنظيف، والمقاولات، وقطاع الخدمات.

من جهتها، تسعى الجزائر إلى جلب المزيد من الاستثمارات المباشرة والرأس المال التركي، قصد سدّ العجز التجاري لصالح أنقرة، قبل الذهاب إلى التوقيع على الاتفاقية التجارية بين البلدين، حيث تتضمّن حماية الاستثمار ورفع الرسوم الجمركية على السلع والخدمات.  

 تبقى الدبلوماسية الجزائرية، بعيدة عن التحالفات الظرفية والتموقعات الجيوسياسية

 تبقى الدبلوماسية الجزائرية، بعيدة عن التحالفات الظرفية والتموقعات الجيوسياسية، ليبقى السؤال المطروح: هل أكسبتها هذه الاستراتيجية مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية؟ أم أنّ المقاربة الجزائرية لتنويع العلاقات والمحاور الاستراتيجية، مكّنتها من التموقع الذي يترواح بين الدور المسيّر والوسيط في شأن النزاعات الدولية والإقليمية، حيث تمكّنت الجزائر من احتضان الأطراف المتصارعة في ليبيا ودول الجوار في المنطقة، وشهدت العاصمة الجزائرية في الفترة الأخيرة، إنزالًا ديبلوماسيًا احتوى كلّ المتناقضات الإقليمية. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

جاويش أوغلو في الجزائر تمهيدًا لزيارة مرتقبة للرئيس التركي طيب أردوغان

دور الجزائر في الأزمة الليبية.. تقليصًا لمساحة فرنسا ومصر والإمارات