03-فبراير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستقبل نظيره التونسي (الصورة: الأناضول)

يبدو أن الرئيس عبد المجيد تبون، لا يريد الاكتفاء بدور إشراك الجزائر في الحلّ السلمي للأزمة الليبية، ولكنه يبدو ساعيًا وراء إنشاء محور إقليمي، انطلاقًا من توثيق العلاقات مع دول الجوار، حيث شكّلت زيارة قيس سّعيد للجزائر بدعوة من الرئيس الجزائري، وما أفرزته من تصريحات واتفاقات، أولى بوادر هذه التحرّكات.

الأزمة الليبية وملفّ مكافحة الإرهاب، والتطوّرات الحاصلة في منطقة الساحل، هي أهم المحاور بين البلدين

وفي ظلّ التجاذبات والتموضع الإقليمي في المنطقة المغاربية، والتي أثّرت سلبًا في السنوات الأخيرة، في الروابط السياسية والتاريخية بين الجزائر وتونس، يسعى البلدان اليوم، إلى وضع تصوّرات ومقاربات مشتركة، لتوحيد المواقف وتنسيق الجهود بين البلدين الشقيقين.

اقرأ/ي أيضًا: بعد زيارة قيس سعيد.. الجزائر تضخ 150 مليون دولار أميركي في البنك التونسي

تحديات مشتركة

تكتسي زيارة قيس سعيد إلى الجزائر، طابعًا مميّزًا، خاصّة في ظلّ الرهانات والتحدّيات المشتركة، يقول المحلّل السياسي التونسي نزار مقراني، في حديثه إلى "التر جزائر". وأضاف المتحدّث، أنّ الملف الليبي وملفّ مكافحة الإرهاب، والتطوّرات الحاصلة في منطقة الساحل، هي أهم المحاور بين البلدين.

يُذكر أن تونس، رفضت المشاركة في مؤتمر برلين الدولي حول الأزمة الليبية، وتتبنّى تونس مع نظيرتها الجزائر نفس المقاربة حول ليبيا، والمتمثّلة في الاعتراف السياسي بحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، ورفض التدخّل العسكري، وإبعاد أيّ تدخّلات أجنبية.

من جهتها، بادرت الجزائر إلى إشراك دول الجوار الليبي، وعلى رأسها تونس، قصد تباحث مخرجات مؤتمر برلين، بحضور وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.

 في السياق ذاته، ترفض كل من الجزائر وتونس، الدخول في المحاور الإقليمية، وتحافظ على مسافة واحدة من كل الأطراف الليبية، حيث يُشار هنا، إلى نزوح مليون ونصف مليون ليبي إلى الأرضي التونسية، ويَحملُ هذا العبء الديمغرافي مخاطر على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وثقلٌ سكانيٌّ له تكلفة باهظة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني من الهشاشة.

ويُحاول الجانب الجزائري والتونسي طرح مباردة جامعة تراعي الوضع الليبي بكل تعقيداته القبلية والعشائرية، ومكوّناته العسكرية والسياسية، ويمتلك الطرفان أوراقًا بإمكانها تحقيق المصالحة الوطنية، كخطوة أوّلية نحو المخرج السياسي الشامل.

علاقات اقتصادية وتجارية ضعيفة

 ورغم العلاقات السياسية المميّزة بين البلدين، تشكّل العلاقات الاقتصادية والتجارية الحلقة الأضعف بين الجارتين، وبلغة الأرقام، بحسب الملحق الاقتصادي في السفارة التونسية، وليد لقصوري، فإنّ حجم التبادلات التجارية بين الجزائر وتونس بلغ حوالي 1715 مليون يورو سنة 2019، وأفاد لقصوي، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن حجم الصادرات الجزائرية نحو الجارة الشرقية، يصل إلى حدود 1333 مليون يورو، 95 في المائة من المواد الطاقوية.

في مقابل ذلك، بلغت صادرات تونس إلى جارتها الغربية، 381 مليون يورو، تتكوّن من منتجات غذائية، ومعدّات كهربائية وصناعية، وحسب البيانات فالعجز التجاري لصالح الجزائر.

وكشف الملحق الاقتصادي التونسي، أن عدد الشركات الكبرى التونسية المستثمرة في الجزائر، تبلغ حوالي 15 مؤسّسة كبرى ومتوسّطة، فيما يبلغ عدد التونسيين المسجّلين في السجل التجاري 600 تاجر.

 في مقابل ذلك، يبلغ عدد الشركات الجزائرية أو المختلطة، الناشطة في تونس 60 مؤسّسة، تشغل في قطاع المواد الغذائية، وصناعة النسيج، ومواد التنظيف، وقطاع الخدمات. وذكر المتحدّث أن اتفاقية التبادل التجاري تمّ التوقيع عليها سنة 2008.

التهريب الحدودي

ويبلغ الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس، حوالي 1034 كيلومتر، يحتوي على تسعة معابر حدودية، أهمّ تلك المعابر، معبر أم طبول وبوشبكة، ويربط بين البلدين خطّ السكة الحديدية لنقل الأشخاص، لكنّه لا يعمل إلى غاية اليوم لأسباب تبقى مجهولة.

 وبناء على ما تقدّم من إحصائيات، فإن التبادل التجاري بين البلدين يبقى ضعيفًا، ولا يرتقي إلى طموحات البلدين.

هنا، يوضح المحلّل السياسي نصر الدين بن حديد، في اتصال مع "الترا جزائر"، أنه وجب التمييز عند الحديث عن المبادلات الاقتصادية، بين التبادل الرسمي عبر المعابر الرسمية من جهة، وهي مبادلات وصفها بأنّها جد ضعيفة وفق الإحصائيات، ومن جهة أخرى، يقول المتحدّث: "حركة التهريب عبر الحدود، تفوق عشرات المرات حجم المبادلات التي تسلك المعابر الحدودية بين البلدين بشكل قانوني".

وشدّد بن حديد، أن أهم الرهانات المطروحة أمام الطرفين، هي دفع العمّال ضمن قطاع التهريب، إلى إتباع السبل القانونية، مما يرفع من حجم التجارة القانونية أوّلًا، ويحدّ من تبادل سلع مجهولة المصدر، على حدّ تعبيره.

ويشكّل تدفق السلع من الجزائر نحو تونس، عبر مسالك غير قانونية، أهم تحدٍ يواجه البلدين، وهي ظاهرة تمتدّ على طول الحدود الشرقية، وتلحق أضرارًا اقتصادية وتهدد النسيج والتجاري والتنموي للمناطق الحدودية.

مخاطر المناطق الحدودية

من جهته، تُعتبرُ المناطق الحدودية بُؤرًا وجُيوبًا لكل المخاطر والتهديدات الأمنية، بحيث يَدفع غياب التنمية الحدودية، إلى بناء اقتصادٍ موازٍ يُؤسس إلى كيانات لها شبكات قَبَلية تمتهن كل النشاطات والممارسات خارج مراقبة مؤسّسات الدولة، وقد تتغوّل هذه الشبكات في المناطق الفقيرة والمهمّشة، في ظلّ سلطة مركزية وبيروقراطية، تعتمد على المقاربة الأمنية، التي تضيّق الخناق على التهريب زمانيًا ومكانيًا، لكن دون القضاء عليه نهائيًا.

مناطق التجارة الحرة

من جانبه، يُناشد سكان المناطق الحدودية إلى معالجة ظاهرة التهريب، معالجة صحيحة وسليمة، واعتمادًا على المقاربة الاقتصادية، المتمثّلة في إنشاء مناطق تجارية حرّة تُرفع فيها الحواجز الجمركية، مراعاةً لخصوصية المنطقة والتداخل السكاني بين الضفّتين.

 جدير بالذكر، أن كثيرًا من الفلاحين في منطقة تبسة مثلًا، لا يملكون سجلًّا تجاريًا ولا بطاقة مهنية، باعتبار أنهم مُلاك لأراضي العرش (القبيلة)، وهم غير قادرين على تسويق منتجاتهم الفلاحية بشكلٍ رسمي، وهو ما يدفعهم إلى تهريب منتجاتهم إلى تونس، وقد يشكّل تنوع النشاط الصناعي والتجاري والفلاحي في المناطق الحدودية، تكاملًا ونموذجًا اقتصاديًا يخلق الثروة، ويحقّق التنمية الحدودية، ويساهم في تقليص البطالة والحدّ من الجريمة عابرة الحدود والتهديدات الأمنية.

تبقى العلاقات الجزائرية والتونسية، منذ تأسيسها تتّصف بالحسن الجوار ولم تعرف أي شكل من أشكال الخلاف

وعلى العموم، تبقى العلاقات الجزائرية والتونسية، منذ تأسيسها تتّصف بالحسن الجوار، ولم تعرف أي شكل من أشكال الخلاف في ظلّ التحولات الإقليمية، إذ تحتاج هذه العلاقات إلى الانتقال من مرحلة حسن الجوار، إلى تأسيس محورٍ سياسي-اقتصادي فعّال وقوي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونسيون يحاولون اختراق الحدود الجزائرية بسبب البطالة

قمة ثنائية بين الجزائر وتونس حول الملف الليبي هذا الأحد