العلاقات الجزائرية الروسية.. تقاطع وتباين وتعاون في الأفق
13 يونيو 2025
بعد رفض ملف الجزائر للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، جاءت صور استقبال الرئيس الروسي فلاديمر بوتين في العاصمة الروسية موسكو لقائد القوات المسلحة في شرق ليبيا خليفة حفتر، ولقاء جمع بوتين ورئيس السلطة الانتقالية في بوركينافاسو، إبراهيم تراوري، ليفتح مُجددا تكهنات وقراءات حول واقع وطبيعة العلاقات الجزائرية-الروسية.
يرى خبراء أنّ العلاقات الجزائرية-الروسية تمتاز بعمق تاريخي وطابع استراتيجي يتجاوز السياقات الإقليمية الظرفية والتجاذبات الجيوسياسية العابرة
وجاءت اللقاءات على هامش احتفالات روسيا بالذكرى الثمانين للانتصار على النازية بمشاركة عدد من القادة الأفارقة.
رسائل ضمنية؟
وينظر متابعون، أن لقاء حفتر ورئيس السلطة الانتقالية إبراهيم تراوري من طرف بوتين، رسالة ضمنية إلى الجزائر، حيث تعتبر الجزائر حفتر مصدر تهديد استقرار لحدودها مع ليبيا.
وبخصوص بوركينافاسو، فالوضع يشهد توترا دبلوماسيا، بعد اصطفاف بوركينافاسو إلى جانب مالي في أزمتها مع الجزائر، ضمن كونفدرالية دول الساحل التي تَجمع مالي والنيجر وبوركينافاسو.
طابع بروتوكولي ورسائل إلى الغرب
في مقابل ذلك، يَرى طرف ثان من المتتبعين، أن اللقاءات التي جمعت بوتين مع القادة الافريقية لا تتجاوز الطابع البروتوكولي، وفرصة للتبادل المحادثات عن التعاون العسكري والاقتصادي والتبادل التجاري بعد قرار التوسع الروسي وسياسية ملاء الفراغ في القارة الأفريقية.
بلغت الصادرات الزراعية الروسية إلى الجزائر أكثر من 850 مليون دولار في عام 2024
وتُعد روسيا اليوم من أبرز موردي الحبوب للعديد من الدول الأفريقية، كما قامت بإعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات، ما يجعل من القمة الروسية-الأفريقية محطة محورية في رسم ملامح العلاقات بين موسكو والدول الأفريقية، وعلى رأسها الجزائر التي شاركت بفعالية في نسخة عام 2023.
ويرى خبراء أنّ العلاقات الجزائرية-الروسية تمتاز بعمق تاريخي وطابع استراتيجي يتجاوز السياقات الإقليمية الظرفية والتجاذبات الجيوسياسية العابرة.
الاتحاد السوفياتي والثورة الجزائرية
تمتدّ العلاقات بين الجزائر وروسيا إلى حقبة الاتحاد السوفيتي، حيث كان للاتحاد السوفيتي دور بارز في دعم القضية الجزائرية على الساحة الدولية. ففي عام 1956، طرح الاتحاد السوفيتي ملف الجزائر على مجلس الأمن كجزء من قضايا تصفية الاستعمار، كما دعم الثورة التحريرية الجزائرية واعترف رسمياً بالحكومة المؤقتة للجزائر في الأمم المتحدة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1960.
عقب توقيع اتفاقيات إيفيان عام 1962، أعلنت موسكو الاعتراف بالدولة الجزائرية المستقلة، وتم افتتاح أول سفارة للاتحاد السوفيتي في الجزائر في أكتوبر من نفس العام.
الدعم التقني والعسكري
كان التوجه الاشتراكي ومناهضة الإمبريالية والاستعمار، الذي اتبعه الرئيس أحمد بن بلة، عاملاً مُحفزًا وقويًا لتقارب الجزائر مع الاتحاد السوفيتي السابق على الصعيد الأيديولوجي. استثمر الاتحاد السوفيتي هذا التقارب لتعزيز علاقاته الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية مع الجزائر، حيث قدم موسكو دعمًا واسعًا في المجال العلمي والتقني، شمل إرسال بعثات من الأساتذة المتخصصين في التعليم التقني والصناعي.
كما ساهم في تطوير البنية التحتية والمُنشآت الأساسية في قطاعات عدة مثل الطاقة والكهرباء، وتوزيع المياه، وشق الطرقات، والصناعات الثقيلة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت جامعات الاتحاد السوفيتي توافد مئات الطلبة الجزائريين الذين تخرجوا في تخصصات تقنية متنوعة مثل الهندسة الكهربائية والإلكترونية، والهندسة الصناعية، والهندسة الطاقوية.
على صعيد بناء مؤسسة عسكرية قوية وعصرية، اعتمد الرئيس هواري بومدين هذا الهدف كركيزة أساسية في تأسيس الدولة الوطنية الحديثة.
شكّل التعاون العسكري بين الجزائر وموسكو نقطة انطلاق مهمة، خاصة في مجال إزالة الألغام التي زرعتها القوات الفرنسية على الحدود الشرقية والغربية وفي المناطق الجبلية والسهول، وهو ما ساهم في تعزيز أواصر التعاون العسكري بين البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القوات الفرنسية بعد الاستقلال رفضت التعاون في هذا المجال، ولا تزال الجزائر تطالب بالحصول على "طبوغرافية الألغام" التي زرعتها القوات الاستعمارية.
في عام 1963، قدمت موسكو قرضًا طويل الأمد للجزائر لتمويل توريد المعدات العسكرية والتدريب العسكري.
خلال الفترة بين 1975 و1977، وفي إطار تطوير هياكل المؤسسة العسكرية، تم الاعتماد بشكل شبه كامل على السلاح الجوي الروسي في ترسانة القوات الجوية والبرية الجزائرية، بالإضافة إلى تخرج العشرات من الضباط الجزائريين من المدارس الحربية الروسية.
تعميق الشراكة الاستراتيجية
في نيسان/ أبريل 2001، وبعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بزيارة موسكو، حيث تم الاتفاق والتوقيع على عقد تعاون استراتيجي بين الجزائر وروسيا، وكان هذا الاتفاق من أوائل الاتفاقات التي أبرمتها روسيا مع دول أفريقية وعربية.
إعادة هيكلة الديون
في آذار/ مارس 2006، زار الرئيس فلاديمير بوتين الجزائر رسميًا، وأعلن خلال الزيارة عن إعادة هيكلة ديون روسيا على الجزائر، التي بلغت قيمتها 4.5 مليار دولار، حيث تم تحويل هذه الديون إلى استثمارات في شراء معدات ومشاريع تنموية وبنية تحتية.
يُذكر أنّ روسيا كانت الدولة الوحيدة التي وافقت على إعادة هيكلة ديونها ضمن مشاريع تنموية، بينما رفضت دول أخرى، مثل أعضاء نادي باريس ونادي لندن، هذا النوع من الترتيبات خلال مفاوضات الصندوق النقد الدولي في التسعينيات.
شهد عام 2008 الزيارة الثانية للرئيس بوتفليقة إلى روسيا، وفي 2010 تم الإعلان عن تأسيس منتدى رجال الأعمال الجزائري-الروسي خلال زيارة الرئيس ديمتري ميدفيديف. وفي 2011، عُقدت أولى اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الجزائري مراد مدلسي.
واقع التعاون
رغم ما قد يوحي بوجود فتور في العلاقات الدبلوماسية، تسجل العلاقات التجارية بين البلدين نموًا ملحوظًا، خاصة في قطاع الحبوب. فقد بلغت الصادرات الزراعية الروسية إلى الجزائر أكثر من 850 مليون دولار في عام 2024، مع تعزيز روسيا وجودها في السوق الجزائرية عبر تصدير القمح والشعير والبقوليات والصويا ومسحوق الحليب. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.7 مليار دولار خلال العشرة أشهر الأولى من 2024.
في المقابل، شهدت صادرات الأسلحة الروسية إلى الجزائر تراجعًا في السنوات الأخيرة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية.
الجزائر وعامل التوازن الإقليمي
يرى المختص في الشأن الروسي رشيد علوش، أنّ الجزائر تعمل على إيجاد توازن يحمي أمنها القومي ويُعزّز دورها المركزي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة.
المختص في الشؤون الإقليمية والأفريقية رشيد علوش لـ" الترا جزائر": التعاون بين الجزائر وروسيا يشهد تباينًا نتيجة اختلاف أولويات كل طرف، وأنّ التشابه الظاهري في الرؤى لا يضمن تطابقًا في التصورات أو تعاونًا إيجابيًا دائمًا
وأضاف في تصريح لـ" الترا جزائر" أنّ طريقة التدخل الروسي في منطقة الساحل قد يتعارض مع الرؤية الجزائرية في حلّ الأزمات، حيث تؤكد الجزائر أن أي تدخل أجنبي قد يزيد من تعقيد المشكلات ويطيل أمدها، ويساهم في توسع نشاط الجماعات المتطرفة والجيوش الإرهابية.
وأوضح علوش أنّ الأزمة في الساحل ترتبط أكثر بالمظالم الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المحلية وليس فقط بنقص القدرات العسكرية.
أولويات
أشار علوش إلى أنّ التعاون بين الجزائر وروسيا يشهد تباينًا نتيجة اختلاف أولويات كل طرف، وأنّ التشابه الظاهري في الرؤى لا يضمن تطابقًا في التصورات أو تعاونًا إيجابيًا دائمًا.
وأضاف أنّ الجزائر تتبّع سياسة فصل الملفات في تعاملها مع القضايا المشتركة، ما قد يؤدي إلى تقاطعات أو تعارضت في المصالح.
ورغم هذا التباين الذي يُشير إليه علوش، فإنّ بعض المتابعين يرون أن الخلافات لا ترقى إلى مستوى التناقضات الجوهرية، بل تعكس تباينًا طبيعيًا في المقاربات بين شريكين لكل منهما أولوياته الخاصة.
وفي هذا الإطار، يقدم خبير العلاقات الدولية والمختص في الشأن الروسي رشيد كوار، قراءة مُغايرة تركّز على نقاط التقاطع، معتبرًا أن التحدي لا يكمن في وجود خلافات، بل في كيفية إدارة الأهداف المشتركة بما يخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين.
المختص في الشأن الروسي رشيد كوار لـ" الترا جزائر": عودة روسيا إلى أفريقيا تأتي في إطار تفعيل مفهوم "الأغلبية العالمية"
وأوضح رشيد كوار، أنّ التحدي الرئيسي يكمن في تقاطع الأهداف بين البلدين، خاصة في إدارة الأزمات في منطقة الساحل وليبيا بطريقة تخدم الأمن القومي الجزائري وتعزز العلاقات الاستراتيجية.
ونفى كوار في تصريح لـ" الترا جزائر" وجود خلافات جوهرية بين الجزائر وموسكو، مُشيرًا إلى النموّ المستمر للحضور الاقتصادي والتجاري الروسي في الجزائر.
واعتبر أن عودة روسيا إلى أفريقيا تأتي في إطار تفعيل مفهوم "الأغلبية العالمية"، ورأى أنّ إعلان انسحاب مجموعة فاغنر من مالي مؤشر على وجود اتصالات معمقة بين البلدين بخصوص الأمن السيادي الجزائري.
الكلمات المفتاحية

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟
وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر
انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.

بينجامين ستورا: الذاكرة عالقة في منتصف الطريق وعلينا أن نمضي خطوة بخطوة
منذ سنوات، يمضي المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا عمره بين الوثائق، محاولاً أن يُزيل الغبار عن أكثر صفحات فرنسا تعقيدًا ووجعًا، تلك المرتبطة بماضيها الاستعماري في الجزائر.

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر
انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.

نقابة تقنيي صيانة الطائرات تندد بتهميشها في اتفاقيات الخطوط الجوية الجزائرية
نددت النقابة الوطنية لتقنيي صيانة الطائرات (SNMTA) بما وصفته بـ"تجاوزات" إدارة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، على خلفية توقيع الاتفاقية الجماعية دون إشراكها، رغم أن اتفاقًا كان مرتقبًا يخص ميكانيكيي ومهندسي الصيانة بالتوازي مع هذه الوثيقة.

الأفافاس يدعو السلطة في ذكرى الاستقلال لتحمّل مسؤوليتها التاريخية.. ما هي مطالبه؟
دعا الأمين الوطني الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، السلطة الجزائرية إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية كاملة، عبر تبنّي مقاربات سياسية جديدة، عقلانية وشجاعة، تُعيد بناء جسور الثقة مع المجتمع وتجدد العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن.