28-ديسمبر-2024
(تركيب: الترا جزائر)

(تركيب: الترا جزائر)

فريق التحرير - الترا جزائر
شهد عام 2024 سلسلة أزمات دبلوماسية طارئة بين الجزائر وعدّة دول، نتيجة خلافات وتقديرات سياسية متباينة إزاء قضايا وملفات مختلفة، بدت فيها الجزائر أكثر حدّة في مواقفها، مقارنة مع سلوكها الدبلوماسي المعتاد.

عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية عدّة هزات عنيفة ومتوالية لم تنته بسحب السفير الجزائري في باريس واستدعاء السفير الفرنسي بالجزائر

رغم الأحداث والتوترات الدبلوماسية التي مرّت بها العلاقات الجزائرية، سواءً مع دول الجوار أو مع دول حوض البحر المتوسط، شغلت القضية الفلسطينية مساحة كبيرة من الموقف الجزائري في مجلس الأمن، وعلى مستوى تصريحات الخارجية، على خلفية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة ومسلسل الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني  والحرب على لبنان.

وحافظت الجزائر على مستوى علاقاتها مع دول الجوار تونس وليبيا، حيث تعزّزت بعدد من الزيارات واللقاءات الدبلوماسية، غير أنها شهدت تصدّعات في المقابل، مع دول أفريقية أخرى على الحدود الجنوبية مثل مالي والنيجر، وهو ما راكم عليها أعباءً طبعتها توترات أخرى في حوض المتوسط مع فرنسا وإسبانيا.

نشاط أممي 

بخصوص القضية الفلسطينية، أفشل "الفيتو" الأميركي، مشروع قرار طرحته الجزائر على مجلس الأمن، يطالب الاحتلال بالوقف الفوري لإطلاق النار والإفراج غير المشروط لكل الرهائن، في شباط/ فيفري الماضي، وصنّف مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، "الفيتو" الثالث الذي استخدمته الولايات المتحدة في ذلك الوقت في "خانة الفشل".

واستخدمت أميركا مرة أخرى حق النقض مرة أخرى، ضد مشروع قرار تبنته الجزائر، قدمه بن جامع باسم الدول العشر المنتخبة في نجلس الأمن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في القطاع، وقد وافق جميع أعضاء مجلس الأمن مشروع القرار الجديدـ باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما وصفه بن جامع بـ "اليوم الحزين"، مجلس الأمن والمجتمع الدولي.

وفي مجلس الأمن دائمًا، عارضت الجزائر قرارات الاحتلال الإسرائيلي التي تلغي الاتفاقية المبرمة مع الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونوروا"، وهو ما اعتبرته الجزائر على لسان مندوبها إمعانًا في الإبادة وتفاقم الوضع الإنساني

فلسطين قضية لا تغيب

وجدّدت الجزائر تأكيدها، في  مجلس الأمن أنّه "لا يمكن لأي منظمة أو تجمع منظمات أن يحل محل قدرة "أونروا" وولايتها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية".

إضافة إلى التحركات الدبلوماسية، التي مازالت متواصلة بمجلس الأمن والخطابات الرسمية المدينة لسياسات الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية، والعمليات الإرهابية التي يتعرض لها مواطنو الضفة الغربية، كما ورد في الخطابات الرسمية، استقبلت الجزائر بين آذار/مارس وأيار/ماي الماضيين عشرات الأطفال الجرحى الفلسطينيين في مستشفياتها، تأكيدًا على الحقّ الإنساني وتأكيدًا على الدعم السياسي والدبلوماسي للشعب الفلسطيني.

شد وجذب مع مالي والنيجر 

على الصعيد القاري، بقي الموقف الجزائري محايدًا في مسألة القضية الليبية، في ظل الجمود التي تعرفه الجارة الشرقية، وعدم وجود تطورات على الصعيدين الأمني والسياسي، واتسمت الخطابات الجزائرية بالدعوة إلى التهدئة والتحلي بالحكمة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة.

أما أبرز المحطات السياسية هذه السنة، فتعلق بالتوترات السياسية في الحدود الجنوبية مع دولتي النيجر ومالي، وقد وصلت العلاقات بين الجزائر وباماكو إلى ذروة الاحتقان، بعد إلغاء "اتفاق المصالحة والسلام" من طرف واحد، واتهمت الجزائر بالتدخل في شؤون مالي الداخلية.

واشتعلت حرب كلامية خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في أيلول/سبتمبر الماضي، بين وزير الخارجية، أحمد عطاف، والمتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد اللاي مايغا الذي اتهم الجزائر بالتدخل في شؤون بلاده، ورد عليه عطاف بالقول "لقد تفوّه ممثل دولة من هذا الفضاء، وتجرّأ على بلدي بكلام وضيع لا يليق البتة بوقار مقام كهذا. ولا يصح البتة مجاراته في الاندفاع اللفظي التافه والدنيء".

وفي سياق هذه التوترات، برز خلاف بين الجزائر والنيجر في نيسان/أفريل الماضي، في سياق ترحيل مهاجرين سريين، وأدى ذلك إلى استدعاء نيامي سفير الجزائر في النيجر للاحتجاج.

ولكن العلاقات سرعان ما عادت إلى دفئها، بعد زيارة رئيس الحكومة النيجري علي محمد لمين زين، حيث اتفق البلدان على إعادة تنشيط العلاقات الثنائية على أسس "حسن الجوار والأخوة والصداقة" بين البلدين.

وفي الضفة الأخرى من المتوسط، تتوجه العلاقات الجزائرية الإسبانية، بحسب المتابعين، نحو الانفراج، بعد خلاف دام عدة أشهر، فعقب حظر المبادلات التجارية من طرف الجزائر؛ أعطى البنك المركزي الجزائري، الضوء الأخضر لإعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها.

حطاب الرئيس عبد المجيد تبون في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة

فرنسا.. الأزمة مستمرة

دائمًا وفي سياق التوترات الدبلوماسية، بدأ عام 2024 بأزمة مع باريس في شهر شباط/ فبراير، على خلفية قضية تهريب الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي عبر تونس، وتوترت لاحقًا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

كما شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية عدّة هزات أخرى، ففي شهر تموز/ جويلية الماضي، سحبت الجزائر سفريها لدى باريس بأثر فوري عقب إقدام الحكومة الفرنسية الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، وفق ما أوردته الحكومة الجزائرية وقتها.

وفي آب/أوت الماضي، توعّدت الجزائر فرنسا، باتخاذ إجراءات إضافية ضدّ فرنسا ردًّا على موقف باريس الداعم لخطة المغرب للحكم الذاتي، وقال وزير الخارجية حينها إن سحب السفير خطوة أولى ستليها خطوات أخرى للتعبير عن الإدانة والاستنكار.

وفي رده على سؤال متعلق بزيارة باريس، رد الرئيس عبد المجيد تبون  بعبارة "شهيرة" في لقاء مع الصحافة، إنه "لن يذهب إلى كانوسا" في إحالة إلى تعبير استخدمه المستشار الألماني بسمارك نهاية القرن التاسع عشر، ويعني طلب العفو والمغفرة.

لرئيس عبد المجيد تبون والرئيس إيمانويل ماكرون ( الصورة: أرشيف)

مواجهة مع المخابرات الفرنسية 

يبدو أن توقعات وزير الخارجية باتخاذ خطوات تصعيدية كانت في محلها، فقد شهد الشهر الأخير من السنة الجارية، توتّرات جديدة، لم تتنه باستدعاء سفير باريس في الجزائر ستيفان روماتيه، بل وامتدت إلى توجيه تحذيرات شديدة اللهجة بشأن ما وصفته بـ "المخططات العدائية" التي تقف وراءها المخابرات الفرنسية.

وبث التلفزيوني الرسمي الجزائري، على خلفية هذه التطورات، وثائقيًا، عرض فيما وصفه بإحباط مؤامرة خططت لها المخابرات الفرنسية، استهدفت تجنيد شباب في المهجر، لضرب استقرار البلاد.

 وجاء في شهادة أحد الشباب المستجوبين (يدعى أمين)، أنه استدرج من طرف تنظيم إرهابي ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي انطلاقًا من أوروبا، ليجد نفسه يقاتل في صفوف جماعات إرهابية (لم تذكرها) في سريا والعراق، مؤكدًا أنه مرّ بظروف صعبة ونجا من موت محقق".

بعد عودته، حسب الوثائقي، وجد الشاب أمين نفسه هدفًا للمخابرات الفرنسية، وفق تصريحاته، حيث حاولت تجنيده عن طريق إطار تابع للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية، ويشغل منصب سكرتير أول على مستوى السفارة الفرنسية بالجزائر، حيث أمر أمين بتشكيل جماعة إرهابية ووعد بدعمه بالأسلحة والمتفجرات من ليبيا.

لا يبدو أن العلاقات الفرنسية ستشهد انفراجًا قريبًا، خاصة مع سياسة التصعيد المنتهجة من طرف الجزائر

لا يبدو أن العلاقات مع فرنسا ستشهد انفراجًا قريبًا، خاصة مع تفاقم الأزمات الدبلوماسية ولغة التصعيد التي انتهجتها الجزائر للرد على الأطراف الفرنسية، بينما قد تتجه الجزائر في مقابل ذلك، إلى تحسين علاقتها مع إسبانيا في سبيل إيجاد بدائل أخرى بالضفة الأخرى، في ظل العلاقات الجيدة مع إيطاليا في حوض المتوسط.