09-نوفمبر-2021

محل للأكلات السورية في العاصمة الجزائرية (الصورة: الشروق)

في نهاية سنة 2015 غادر الشاب خالد بلده سوريا متوجّهًا إلى الجزائر، ليَستقر عند أصدقاء له قرب المنطقة الصناعة الرويبة "الحميز"، إذ دفعته الظروف الأمنية والإنسانية الصعبة في مدينة دمشق إلى مغادرة بلاده، ورغم تردّده بادئ الأمر في اختيار وجهته بين تركيا والجزائر،إلا أن أصداءً وصلته من أصدقائه شجّعته على اختيار البلد المغاربي.

تصطف على طول الطريق  باتجاه الدويرة بالعاصمة سلسلة محلات بيع الأقمشة يمتلكها سوريون، حيث يشهد الشارع حركية تجارية نشيطة وإقبالًا واسعًا لزبائن الجملة والتجزئة 

يقول خالد في حديث لـ "التر جزائر"، إن ظروف الحرب وراء قرار مغادرة الوطن الأم، مضيفًا أن صديقًا من دمشق شجعه للالتحاق بالجزائر، حيث أطعله أنّ بها فرصًا جيّدة وبإمكانه الحصول على عمل وإقامة بخاصة في مجال الديكور وتأثيث المنازل.

اقرأ/ي أيضًا: سوق العمل في الجزائر.. تباين بين الطلب والعرض

 

يَشتغل خالد اليوم في صناعة الديكور، والهندسة الداخلية للبيوت والمحلات التجارية  باستخدام الخشب، ويعترف  أن بدايته كانت صعبة للغاية، بحكم اختلاف البيئة وظروف الإقامة في الجزائر، غير أنه بعد تَعثر لازمه هنا وهناك، تمكن خالد أن يتكيف مع ظروف العمل، وأمسى صاحب ورشة تهتم بصناعة الديكور لمختلف المحلات التجارية، كمحالات الألبسة والصيادلة والمطاعم والكافيتريا ومحلّات بيع النظارات.

استطاع محدّث "الترا جزائر" أن يجلب زبائن انتبهوا لنوعية خدماته، مستخدمًا الإشهار على صفحات فيسبوك ومواقع ترويج أخرى، وأصبحت ورشته اليوم توظّف شبابًا من الجزائر وسوريا، ويتطلع إلى توسيع نشاطاته وخدماته.

هنا، يعلق المتحدّث بأنه يريد أن تكون خدماته إضافة نوعية في سوق الشغل، ويضع لمسته المشرقية في كل أعماله، كاشفًا أن العائلات الجزائرية تطلب منه تأثيث المنزل بحسب مشاهد ديكور كانت حاضرة في بعض المسلسلات السورية العتيقة، معبّرًا في الوقت نفسه عن سعادته في تقديم صورة إيجابية عن المواطن السوري.  

 تجار من سوريا 

في زيارة قادتنا إلى بلدية بابا حسن بالعاصمة، وعلى طول الطريق  باتجاه الدويرة، تصطف سلسلة من محلات بيع الأقمشة يمتلكها سوريون، حيث يشهد الشارع حركية تجارية نشيطة وإقبالًا واسعًا لزبائن الجملة والتجزئة لاقتناء مختلف أنواع الأقمشة.

بلال من ولاية برج بوعريريج شرق البلاد، يمتلك ورشة لصناعة الجوارب والألبسة الداخلية، ينتقل أسبوعيًا من مقر عمله إلى بابا حسن لاقتناء الأقمشة، ومنذ أكثر من خمسة سنوات بدأ تعامله مع التجار السوريين، يقول في حديث لـ "التر جزائر" إنه "بفضل الإخوة التجار من سوريا تمكنا من إحياء تجارة الأقمشة والنسيج إذ كادت أن تنقرض خلال السنوات الأخيرة".

وأضاف المتحدث أن الخبرة التي يمتلكها السوريون في مجال الأقمشة، شجعت الكثير منا إلى إعادة تنشيط وفتح ورشات التصنيع، على حدّ تعبيره.

تحدثنا إلى مصعب تاجرالأقمشة القادم من مدينة حلب، استقر في منطقة بابا حسن منذ 10 سنوات تقريًبا، وامتهن مصعب تجارة الأنسجة والأقمشة منذ طفولته في مدينة حلب، يقول إنها نشاط العائلة منذ عقود طويلة، حيث كانوا يَعرضون السلع المستوردة من الصين وتركيا وبعض الدول الأسيوية.

المفارقة، في مجال الأنسجة والأقمشة، بحسب مصعب، تكمن في توفير نوعية الأنسجة والأقمشة وفق طبيعة السوق الجزائرية، إذ يَتطلب استيراد المادة الأولية معرفة سوق الأنسجة في الجزائر، وطبيعة الألبسة الأكثر تصنيعَا، وما هو العتاد المستخدم في الأنسجة، إضافة إلى البحث عن عامل التكلفة وفق النوعية والثمن.

وبخصوص نشاط عدد كبير من السوريون في مجال بيع الأقمشة، أكد محدثنا أن كثيرًا من السوريين يَنشطون في مجال صناعة الأنسجة والألبسة والطرز، خاصة الأفرشة والأغطية والستائر المنزلية والديكورات الداخلية.

وفي تقدير المتحدث أن تشبع السوق الجزائرية بالمنتوجات المصنعة محليًا، كان وراء قرار وزارة التجارة بتعليق استيراد الأفرشة والأغطية تشجيعًا للمنتوج الوطني، حيث يُوفر بعض التجار أنواع فاخرة من النسيج السوري، يتم استيراده من تركيا ويجلب من مدينة حلب ودمشق، بحسب أقواله.

العمالة الدولية أساسية

وفي سياق الموضوع، يقول مصطفى راجعي، باحث ومدير معهد هايك للتفكير الاقتصادي، إن الاقتصاد قائم على عنصرين، هما رأس المال المادي، ورأس المال البشري، وتابع محدث "التر جزائر"  أن الاقتصادية العالمية القوية تمتلك رأس مال كبير وعمالة مؤهلة وغير مؤهلة.

وأضاف البلدان التي تحقق نمو عاليُا، منفتحة على العمالة الأجنبية والخارجية، إذ تحاول الاستفادة من الموارد البشرية المتنوعة، موضحًا أن مزايا العمالة الدولية تكمن في الجودة والتأهيل والتكوين، إضافة إلى التكلفة المنخفضة المكيفة بحسب الكتلة الأجرية لكل بلد.

هنا، يشير راجعي أن الدول الأوربية والأمريكية تعتمد على العمالة الدولية وتستفيد منها بشكل كبير، بما تملكه من تكوين وخبرة وتجربة دون تحمل عبئ التكوين والتدريس، ومن منظور أن العمالة السورية في الجزائر قدمت إضافة نوعية في مجال الخدماتي، وبعض النشاطات الصناعية المتوسطة والصغيرة، المتمثلة في قطاع النسيج والطرز والصناعات التحويلية الغدائية، وحتى الفلاحية كحفر الآبار وصناعة الأثاث والديكور المنزلي.

وذكر راجعي أن التواجد السوري في الجزائر لم يقتصر على اليد العاملة المؤهّلة، بل امتدّ إلى وجود رأس مال مادي ساهم في بعث بعض الأنشطة الاقتصادية التي تخلى عنها الجزائري، بحكم منافسة السلع الصينية، مشيرًا في هذا الصدد على القدرة التنافسية التي يمتلكها السوريون في مجال التصنيع، كاشفًا أن الحضور السوري اقتصاديًا أعاد إحياء تجارة وصناعة النسيج، بعدما كانت الجزائر تستورد كل شيء من الخارج.

وشدد الباحث على ضرورة التكفل بالعمالة السورية، وتوفير الغطاء القانوني الذي يحمي المستثمر السوري ووضع آليات للشراكة بين المتعامل السوري والجزائري، ولفت الانتباه إلى أن مساهمة الرأس المال والعمالة السورية هي إضافة نوعية للاقتصاد الجزائري، الذي يحاول فك الارتباط بالخارج وتقليص فاتورة الواردات.

 ومن الناحية السوسيولوجيا، يقول راجعي إن وجود السوريين مساهمة أيضَا في تغذية التنوع الثقافي والمجتمعي، تسمح للسكان المحليين باكتشاف الثقافة المشرقية والعربية عن قرب، وثقافة واتقان العمل والخدمات، داعًيا إلى الانفتاح على كل الموارد البشرية التي من شأنها تقديم مساهمة فعالة في الاقتصاديات الوطنية، على حدّ قوله.

يجمع كثرون على أن العمالة السورية لها حضور لافت  في الجزائر، إذ تفوقت في نشاطات عديدة، وسجلت نقاطًا لصالحها في مجالات عزف عنها جزائريون

يجمع كثرون على أن العمالة السورية لها حضور لافت  في الجزائر، إذ تفوقت في نشاطات عديدة، وسجلت نقاطًا لصالحها في مجالات عزف عنها جزائريون، وبالتالي على السلطات تشجيع والانفتاح على العمالة الدولية والعربية ذات الخبرة والتجربة والقيمة المضافة، لإنعاش الاقتصاد الوطني وامتصاص البطالة، وتشجيع المنافسة وإحياء المهن التي تقلل من فاتورة الاقتصاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الأفامي" يتوقّع ارتفاع نسب البطالة في الجزائر سنة 2020

البطالة تدفع شباب الجزائر إلى الصحراء