18-ديسمبر-2022
عمال بشركة كوسيدار يقومون بأشغال حفر (الصورة: الشروق)

عمال بشركة كوسيدار يقومون بأشغال حفر (الصورة: الشروق)

تسلم مدير عام جديد مهامه على رأس مجمع "كوسيدار" للإنشاءات خلفًا للمدير السابق لخضر رخروخ الذي عين في أيلول/سبتمبر الماضي على رأس وزارة كبيرة تضم قطاعات الأشغال العمومية البنى التحتية والري.

خلال محاكمة عمار غول كُشفت ممارسات احتيالية ضمت إفشاء أسرار عروض المقاول العمومي لصالح مجمع حداد الذي لجأ لخفض شروطه التعاقدية لخطف المشروع بعد المعلومات القيمة التي حصل عليها

وسيشتغل المدير الجديد للمجمع حميد خمليش تحت مظلة سلفه رخروخ  الذي أمضى 20 عامًا في منصبه تمكن خلالها من إنعاش الشركة المملوكة للدولة بعد أن كانت على أبواب التفكيك أو الخصخصة.

ولم يكن تكليف رخروخ بحقيبة البنى التحتية والري مفاجئًا للملاحظين، إذ يعكس في العمق رغبة سياسية في إنقاذ قطاع الأشغال العمومية المتعثر بتسليم إدارته لـ" كوسيدار" و تسريع عمليات الإنجاز ومن ثم إسكات الأصوات التي ارتفعت احتجاجًا على الأوضاع،  فيما يخطط الرئيس تبون لنقلة واضحة في وتيرة الإنجازات لتعزيز حظوظه في الذهاب لعهدة رئاسية ثانية مستغلًا الوفرة المالية الحالية.

ويُنظر لـ "كوسيدار" كقصة نجاح محلية رغم قلة الشفافية في مجال التسيير والمالية وشبهات الفساد التي قادت عدة مسؤولين فيها للتحقيق والمحاكمة والسجن أحيانًا، وفي تقريره السنوي لعام 2022 قال مجلس المحاسبة الجزائري(هيئة الرقابة المالية) أن "كوسيدار" واحد من المجمعات القليلة والمملوكة للدولة التي تدّر أرباحًا للخزينة رفقة شركة المحروقات سوناطراك وصيدال (صناعة الدواء) .

وبحسب البيانات التي عرضت خلال حفل تنصيب المدير الجديد ورد ان المجمع (الثالث أفريقيا في قطاع الإنشاءات) ساهم بـ 15بالمائة في مشروع إنجاز الطريق السيار شرق-غرب الذي يمتد من من تلسمان على حدود المغرب إلى الطارف على حدود تونس، علاوة على بناء 85 ألف وحدة سكنية و 15 سدًا ومترو أنفاق العاصمة الجزائر ومد تحويلات مائية وأنابيب نقل المحروقات.

وأصبح المجمع المتعاقد الأول للدولة ( يشمل ذلك أيضًا  إنجاز مشاريع بنى تحتية لصالح قطاع الدفاع) ، موفرًا حلولًا داخلية في زمن شح الموارد المالية لإنجاز مشاريع مستعجلة، فتولى إنجاز محطات تحلية مياه البحر وشقق من مختلف الصيغ وخصوصًا التي يتولاها المرقي العمومي وكالة البيع بالإيجار معوضًا مجمعات إنشاءات آسيوية،(صينية بالأساس) غادرت الجزائر في فترة انتشار جائحة كوفيد  و تراجع مداخيل البلاد بالعملة الصعبة.

وساهم تفكيك شركات منافسة أو توقف نشاط  أخرى و تحسن الأوضاع المالية للبلاد  في زيادة حجم الطلب العمومي ورفع التجميد عن مئات المشاريع  منعشًا المجمع، ومن خلال جولة في منطقة التوسع العمراني بسيدي عبد الله و في الضاحية الشرقية حيث تتولى تنفيذ مشروع مد خط قطارات الأنفاق الى مطار الجزائر الدولي وإلى ضاحية براقي المجاورة، يظهر حضور المجمع بلافتاته وورشاته التي تضم إنجاز مشاريع سكنية وطرقات وحفر الأنفاق و شبكات المياه الشروب.

شراكة مختلطة جزائرية دانماركية

ولد "كوسيدار" في سنة 1979 من تحالف بين شركة الصلب أس أن أس المملوكة للدولة ومجمع كريستياني -نيلسون الدانمركي المختص في بناء الجسور والأشغال البحرية والتحصينات الذي بدا نشاطه في 1904.

وفي 1982 استحوذت "سي أن سي" على  حصة الشريك الدانمركي، فأصبح المجمع مملوكًا بالكامل لها ، ثم انتقلت الوصاية عليه لوزارة الصناعة في 1984 تنفيذًا لخطة حكومية لإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية والتجارية التابعة للدولة، ثم تحول إلى ملكية بنك الجزائر الخارجي قبل أن يسيطر عليه بالكامل الصندوق الوطني للاستثمارات قبل 12 عامًا.

 منافسة غير شريفة

 في 2003 أعلن حميد طمار وزير الخصخصة في الفترة 1999-2001 ثم 2002-2007، في اجتماع للشركات المملوكة للدولة عن خطة للتنازل عن أصول شركات عاجزة ماليًا أو مثقلة بالديون بصفة جزئية أو كلية، من بينها "كوسيدار" والخطوط الجوية الجزائرية وشركة صناعة التبغ ومؤسسات بنكية، لكن المشروع لم يكلّل بالنجاح واضطرت الحكومة للتراجع عن خططها باستثناء بيع فرع لشركة صناعة التبغ لصالح الإماراتيين، لأمام ضغط  جماعات في السلطة وأحزاب ونقابات وعدم اهتمام متعاملين أجانب بسبب مناخ الاستثمار في البلد.

https://www.ummto.dz/dspace/bitstream/handle/ummto/4709/%D8%B1%20531-%20%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B4%20%D8%AB%D9%86%D9%87%D9%86%D8%A7%D9%86-%20%D8%B3%D9%82%D8%A7%D8%B1%20%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A9.pdf?sequence=1&isAllowed=y

ورغم فشل المحاولة الأولى تمسك التيار الليبرالي في السلطة بخططه للتخلص من "كوسيدار" ، بالموازاة مع عمليات تحجيم لدوره في الساحة  لصالح منافسيه بإسناد صفقات لمجمعي  الإخوة حداد والإخوة كوننياف اللذين استحوذا على مشاريع بنى تحتية ضخمة رغم أن العروض التي قدمها  المجمع العمومي كانت أكثر جاذبية من الناحية المالية (عروض مالية أقل من منافسيه). وخلال محاكمة وزير الاشغال العمومية الأسبق عمار غول  في تشرين الأول /أكتوبر 2020 تم الكشف عن ممارسات احتيالية تورط فيها مسؤولون حكوميون ضمت إفشاء أسرار عروض المقاول العمومي لصالح مجمع حداد  (لجأ لخفض شروطه التعاقدية لخطف المشروع بعد المعلومات القيمة التي حصل عليها) و راح "كوسيدار" ضحية لعمليات مماثلة حرمته من عقود مجزية  لإنجاز مشاريع بنى تحتية لقطاع المحروقات والمياه.

ورغم تحسن مؤشّرات المجمع وتنوع قائمة مشاريعه  لازالت قوى سياسية تتوجس خيفة من وجود خطط للحكومة للمضي في خوصصة المجمع  فأبدى حزب العمال المعارض في بيان له صدر في كانون الأول/ديسمبر 2021 خشيته من وجود نية مبيتة للتخلص من المجمع بناء على إغفال إدراج الشركات العمومية الناشطة في قطاع البناء في قائمة القطاعات المحظور خوصصتها، ودق "العمال" ناقوس الخطر ،مشيرًا في بيانه إلى وجود نية لتفكيك المجمع الثالث على المستوى الأفريقي، وتوزيع فروعه على مختلف القطاعات.

ولم يكن مجمع "كوسيدار" بعيدًا عن شبهات الفساد ففي عز الملاحقات التي طالت مسؤولين حكوميين وأرباب عمل خواص وعموميين، أُخضع رئيس المجمع السابق  الوزير الحال لخضر رخروخ للتحقيق قبل عام بأمر من النيابة بخصوص مشروعات تحوم حولها شبهات سوء تسيير وتبديد أموال عمومية، لكن يبدو أن لم يكن تبعات ولو أن تقارير وردت عن وجود مقربين من الوزير الحالي تحت المراقبة.

ورغم الهالة التي تحيط بـ"كوسيدار" لا تخلو إنجازاته من عدة انتقادات، إذ صُدم مكتتبون في صيغة البيع بالإيجار من نوعية شقق أنجزها فرع الترقية "كوسيدار" في العاصمة الجزائرية بعكس الضمانات التي تلقوها بأن شققهم ستكون مطابقة للمعايير، ففي حي 19 بضواحي المدينة الجديدة سيدي عبد الله قدم غالبية المستفيدين من  المساكن الجديدة احترازًا على نوعية الإنجاز والتجهيزات دون طائل.

وجابه فرع الترقية العقارية بالمجمع اتهمات ببطء الإنجاز أيضًا،و تلقى الفرع عدة إنذارات من وزارة السكن آخرها في في تشرين الأول/أكتوبر الماضي وفق صحيفة الموعد اليومي  نظرًا للتأخر في انجاز مشروع سكني بمنطقة بومرداس (شرق العاصمة) وحذرتها من مغبة عدم الامتثال للتعليمات تحت طائلة سحب المشروع منها، علمًا أنه لم يتم سحب أي مشروع سكني منها رغم وجود إعذارات سابقة.

لا عقود خارجية 

يصنف المجمع بكونه واحدًا من أهم الشركات الرائدة أفريقيا في قطاع الانشاءات ويخوض حاليًا تجارب جديدة في توسعة شبكة مترو الأنفاق شرق العاصمة وإنجاز محطات تحلية مياه وبناء مدارج لهبوط الطيران ورغم الخبرات المتراكمة له، تعد الجزائر مجال نشاطه الوحيد، ولم تحقق بعد أحلامه ،رغم خبرته، في التوسع نحو أسواق أفريقيا والشرق الأوسط ويسود غموض حول مشروع فاز به المجمع في بلد أفريقي،كان مديره السابق قد أعلنه قبل حوالي عامين.

مشاريع مجمع "كوسيدار" تتوسع وقائمة الطلب على خدماته في ارتفاع مع استرجاع مشاريع سرقت منه في مجال المياه والطرقات

ولا يمثل ذلك في الوقت الحالي مشكلة للمجمع فمشاريعه تتوسع وتزيد وقائمة الطلب على خدماته في ارتفاع مع استرجاع مشاريع سرقت منه في مجال المياه والطرقات، لكن يصعب التنبؤ بمستقبله في حالة ركود  اقتصادي جديد.