26-مايو-2021

مرشحات في قائمة جبهة الحكم الراشد (فيسبوك/الترا جزائر)

تتواصل الحملة الانتخابية للتشريعيات المقبلة في الجزائر، ويستمرّ معها الجدل حول القوائم التي طرحتها الأحزاب لتخوض السِّباق الانتخابيّ الذي يَعرف تناحُرًا غير مسبوق، مع دخول طاقات شابّة تخوض غمار السّياسة لأوّل مرّة طمعًا في تغيير ما، إضافة إلى نسبة مهمة من النّساء اللواتي آثرن المشاركة، كما تستمر أيضًا وكالعادة، تلك السقطات الكثيرة والمواقف والتصريحات المثيرة للجدل في أوساط المترشحين ورؤساء الأحزاب.

خطاب الأمين العام لجبهة الحكم الراشد عيسى بلمهدي في تجمّع له كان القطرة التي أفاضت الكأس

ولعل المقطع الذي تداوله روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، والمقتطف من خطاب كان يُدلي به الأمين العام لجبهة الحكم الراشد عيسى بلمهدي في تجمّع للحزب، كان القطرة التي أفاضت الكأس، وفتحت بابًا للنقاش حول تدني مستوى الخطاب السياسي في الجزائر لدى ممارسي السياسة والمسؤولين عن أحزاب تنشط منذ سنوات وأخرى حديثة النشأة، حيث تحدث عن المترشّحات في قائمة حزبه، ووصف اختيارهنّ للترشّح باقتناء "حبّاتِ الفراولة المنتقاةِ بعناية، وليست تلك التي تُصَدَّر نحو جنوب أفريقيا".

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل والتشريعيات.. ملاذٌ دعائي واقتصادي للمترشّحين الشباب

 

 

 أثار هذا القول ردود الأفعال الرافضة تارة، والساخرة تارة أخرى من هذا الخطاب، حيث اعتبره العديد من النشطاء والإعلاميين ورواد مواقع التواصل، بمثابة سقطةٍ كبيرةٍ وتصريحٍ لا مسؤول يَمَسُّ بالدّرجة الأولى بكرامة السيدات المُترشِّحات في قائمته، وينمُّ أيضًا عن جهلٍ من رئيس الحزب بمكانة دولة جنوب أفريقيا في الاقتصاد الأفريقيّ والعالميّ.

في هذا السياق، علّقَ عددٌ من المتابعين على مسألة المستوى المتدنّي وغير المدروس الذي صار لصيقًا بالخطاب في الأوساط الحزبية، وتأسّف كثيرون لكون تصريح بلمهدي "لا يحتكم إلى (استراتيجيات علمية)، في حين يستدعي المعجم المتداول تقرُّبًا إلى الجماهير فيسقط بالنتيجة في الإسفاف والابتذال". باعتبار أن هذا التعبير عند المتحدث به بمثابة مديحٍ وإطراء ورِفعة في اللغة العامية وفي الأوساط الشعبية، لكن استغلاله في الخطاب السياسي يجعله حتمًا عُرضةً للتّمييع وللتّأويل السّيء، وبالتالي كان على المُصَرِّحِ أن يُحسِن انتقاء كلامه، وألاّ يهوي في فخِّ التأويلات لأنه المسؤول الأول عما يتفوه به.

 تسليع النساء

من جهة أخرى، أثار هذا المقطع موجة غضب عارمة في الأوساط الحقوقية والنسوية، حيث كتبت صفحة الجريدة النسوية الجزائرية التي تنشط دوريًا على موقع فيسبوك، ردًا مصاحبًا لمقطع الفيديو المتداول، جاء فيه أن التصريح يشجع العنصرية وعدم احترام المرأة ويروج لثقافة تسليع النساء، وتساءلت الصفحة عن موقف الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات والدستور الجديد من ذلك، كما انتقدت اعتباره للمرأة سلعة وكذلك تشبيهها بفاكهة الفراولة، إضافة إلى احتقار دولة كجنوب أفريقيا.

 في السياق ذاته، ننددت الجريدة النسوية بشدة بهذا النوع من الخطابات، وطالبت بمحاسبة الأمين العام لحزب الحكم الراشد من طرف العدالة، مذكرة بأن الدستور يحمي المرأة من العنف ويضمن ويرسخ المساواة.

العفوية عدوة السياسة

شبهت الصحافية وسيلة.ز في حديث إلى "الترا جزائر"، هذا المقطع من الخطاب المتداول بالغزل المبتذل، واعتبرت أنه من غير اللائق استعماله لوصف مترشحة أيّما كان القصد منه، وقد كان حسبها بمثابة إهانة كبيرة للمهندسة والطبيبة والمتزوجة اللواتي ذكرهن الأمين العام للحزب في كلامه "غير المسؤول".

وتضيف المتحدثة أن هذا النوع من الخطابات يعود بنا في كل مرّة إلى النقاش حول القيمة الحقيقية للمرأة الجزائرية داخل دهاليز السياسة وفي البرلمان خاصة، والتي فرضتها "الكوطة"، وهذا ما يجعل من التعامل مع الأنثى على أساس أنها فاعلة في الساحة السياسية أمرا شبه مستحيل، بغض النظر عن مستواها وأداءها ونشاطها الحزبي.

 في السياق ذاته، تساءلت وسيلة عن موقف المترشحات شخصيًا وهن يوصفن بهذا الوصف السيء وكيف ستكون ردة فعلهن، هل ستحافظن على كرامتهن بموقف شجاع أو أنهن سيفضلن السكوت؟

من جهة أخرى أشارت الصحافية إلى أن السياسيين في الجزائر يمارسون الشعبوية في أنشطتهم وتصريحاتهم بشكلٍ كبيرٍ، كما أن أغلبهم حسبها، عديمو التكوين ولا يدرسون خطاباتهم، فتأتي في الأغلب غير متزنة ووليدة اللحظة والحماس ما يجعلها غير ناضجة، على حدّ تعبيرها.

وأكدت المتحدثة أن العفوية عدوة هذا المجال، لكن السّاسة ينتهجون نفس أسلوب المسؤول السابق عبد المالك سلال الذي كان يستعمل لغة لطالما تم تأويلها بشكل سيء، وكانت مسيئة لفئات عدة ومثيرة للحساسيات والجدل والعنصرية أحيانا، ما يعني أن نفس الممارسات والخطابات الجوفاء والمسيئة للمواطن ما تزال مستمرة، والأسوء من ذلك كله هو عدم شعور المصرح بخطئه أو أنه أساء لهن، كون التعبير شعبيا متداولا وسط الشعب، أو أن ذلك كان بالأصل أسلوبه الطبيعي في الكلام.

مشهد قاتم

من جهته، عبر الناشط عبد الله بن عدودة في تصريح لـ "الترا جزائر" عن أسفه كون "خرجة" الأمين العام لجبهة الحكم الراشد تمثل مشهدًا قاتمًا يصف بداية كارثية للحملة الانتخابية للتشريعيات المقبلة، والتي تمسّ حسبه بصورة الجزائر بصفة عامة، وكذلك النخبة السياسية، كما أنها ضربة موجعة لمصداقية الانتخابات، إضافة إلى كونها مسيئة جدًا فيما يتعلق بتمثيل المرأة الجزائرية، على حدّ قوله.

يستطرد المتحدث أن لديه انطباعًا قويًا بأن هؤلاء الساسة يعيشون خارج الزمن، في أوقات أو أبعاد أخرى، بعيدًا عن النقاشات والقضايا الجادة التي تهز المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويبدو الحال وكأنهم محنطون في حقبة ماضية، يضيف بن عدودة.

في الموضوع نفسه، تساءل الناشط حول ظهور حملة أخرى مسيئة للمرأة بملصقات انتخابات تتسم "بالهلوسة"، فلا يتم فيها عرض بعض الشخصيات النسائية، حيث انتشرت صورة "المرأة الشبح" في إعلانات بلا وجوه، كما صعدت إلى السطح في نفس التوقيت هجمات غريبة وغير معقولة تتسم بالشخصنة على مترشحات أخريات ظهرن في ملصقات الحملة، يشنها أشخاص يفترض أنهم محسوبون على  التقدميين أو الديمقراطيين.

أشار المتحدّث هنا، إلى وجود آراء غريبة لأشخاص مؤثرين في مواقع التواصل وفي الشارع الجزائري، مثل لطفي دوبل كانون على وجه المثال، ممن لا يترددون في إلقاء التهم على مترشحة ما واتهامها بأن "أخلاقها خفيفة" لأن ملابسها أو مظهرها لا تتماشى مع "معايير حزب المحافظين التي يفترض أنها تمثله".

عبد الله بن عدودة: الطريق ما زال طويلًا جدًا للوصول نحو الجزائر الجديدة التي نحلم بها جميعًا

 باختصار ، يركز هذا الفيديو الذي دام 45 ثانية، حسب بن عدودة، على بعض الشرور التي تعصف بالمجتمع الجزائري شيئًا فشيئًا، كالجهل والتعصب، العنصرية والتحيز الجنسي، ويؤكد أن الطريق ما زال طويلًا جدًا للوصول نحو الجزائر الجديدة التي نحلم بها جميعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التشريعيات الجزائرية.. ماهي فرصة أحزاب بوتفليقة في دخول البرلمان؟

بعجي: قوائم "الأفلان" في التشريعيات لن تفتح أمام الفاسدين