04-فبراير-2020

توقّفت محاكمات رجال الأعمال والوزراء المتورّطين في قضايا فساد بعد الرئاسيات (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

كذّبت وزارة العدل، خبر تقدّمها بطلب إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، من أجل رفع الحصانة عن 20 برلمانيًا ينتمون إلى ثلاثة أحزاب سياسية، وجاء في بيان لها، أنّ الوزارة "تفند صحّة هذه المعلومات، وتؤكّد أنها عارية من الصحّة".

لقد تزامن بيان وزارة العدل، مع توقّف فجائيٍّ وبلا مقدّمات لحملة المتابعات القضائية لرجال الأعمال

وأوضحت الوزارة في السياق، أنها "لم ترفع أيّ إجراءٍ من هذا القبيل، لا في حقّ نواب حزب جبهة التحرير الوطني، ولا حزب التجمّع الوطني الديمقراطي، ولا حزب تجمع أمل الجزائر، ما عدا الحالات المُعلن عنها رسميًا من قبل المجلس الشعبي الوطني".

اقرأ/ي أيضًا: محاكمة رجال الأعمال.. "صراع اللوبيات" على طاولة القضاء

مكافحة الفساد؟

لقد تزامن بيان وزارة العدل، مع توقّف فجائيٍّ وبلا مقدّمات لحملة المتابعات القضائية، والمحاكمات التي طالت مسؤولين سامين ورجال أعمال، رغم أنه بعد فوز عبد المجيد تبون، برئاسة الجمهورية مباشرة، سارعت وسائل ومواقع إعلامية، إلى إعلان برمجة عدّة محاكمات ونشر تسريبات عن فتح تحقيقات عديدة.

أسئلة بحاجة إلى إجابات

يطرحُ توقّف المحاكمات والمتابعات القضائية بشكل مفاجئ، عدّة أسئلةٍ اليوم، فقد أصر الرئيس تبون على مواصلة محاربة الفساد والمحسوبية عندما كان مرشحًا للرئاسة، فماذا حدث بعد تنصيبه رئيسًا للجمهورية، ورحيل قائد الأركان السابق قايد صالح؟

هل كانت تلك المحاكمات، مجرّد حرب عُصبٍ بين أطراف في السلطة لم يكن عبد المجيد تبون طرفا فيها؟ وهل حقّقت التوقيفات أهدافها، عبر توجيه ضربة قويّة للنواة الصلبة في نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؟ أم هل أدرك النظام السياسي الآثار السلبية وراء حملة محاربة الفساد، بعدما تضرّرت أدواته السياسية والأمنية والبيروقراطية؟

التعبئة الانتخابية

توقّع كثيرون، أن يكون احتفاظ الرئيس عبد المجيد تبون بوزير العدل بلقاسم زغماتي، وهو الرجل المقرّب من قائد الأركان السابق قايد صالح، بمثابة تأكيدٍ على استمرار محاربة الفساد، ومواصلة تفكيك الأوليغارشية المالية في السلطة، لكن الملاحظ أن وتيرة المتابعات القضائية بعد الانتخابات الرئاسية أضحت بطيئة، وأن الترسيبات الإعلامية بشأن الفضائح المالية قد تراجعت.

بناءً على هذا، تساءل كثيرون عن دوافع وتوقيت محاكمات مسؤولين سامين ورجال أعمال قبيل الاقتراع الرئاسي، حيث حظيت بتغطية إعلامية مكثّفة في ذلك الوقت، وعمّا إذا كان الهدف من تلك المحاكمات هو التعبئة الانتخابية، وامتصاص غضب الحراك الشعبي، وتلميع صورة النظام الجديد.

يُشار هنا، إلى أنّه لأوّل مرّة في تاريخ الجزائر، يتمّ توقيف ومحاكمة أشخاص كانوا يوصفون بالعناصر القويّة داخل النظام، إذا ما استثنينا التضحية برجال المال، والصف الثاني من المكونّ السياسي التابع للنظام عند حدوث أزمة سياسية. 

عدالة انتقائية 

في السياق نفسه، يُبرز المحامي والحقوقي سعيد صالحي، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن مسار حملة مكافحة الفساد لم يكن في إطاره القانوني الصحيح منذ البداية، وأضاف أن البيئة السياسية والقضائية، لم تكن تتوفّر على آليات لمحاربة الجرائم المالية والاقتصادية مكافحة جدية ودائمة. 

وأفاد المتحدّث، أنه تم التحذير منذ بداية الحملة، من خطورة العدالة الانتقائية، حيث أكّد على ضرورة الانتقال الديمقراطي الذي يُرافق المسار الإصلاحي لمكافحة الفساد، وأشار صالحي، إلى تخبط السلطة في معالجة ملفات الفساد، حيث تقرّر رفع حظر مغادرة التراب الوطني، لحوالي 150 شخصًا بعد منعٍ دام لأشهر، على حدّ تعبيره.

وقدَّر نائب رابطة حقوق الإنسان، أن بطء وتيرة المحاكمات والملاحقات القضائية قد يطرح عدة استفهامات، مقابل التضييق على نشطاء من الحراك الشعبي والمظاهرات، متسائلًا إن كان النظام قد أدرك أنه بصدد تفكيك مكوّناته المالية والحزبية التي تشكّل قاعدته الصلبة؟ 

 تغيير في موازين القوى 

 في السياق ذاته، قال المحلّل السياسي زين العابدين غبولي، إن وفاة قايد صالح قد غيرت كثيرًا من المعطيات داخل المؤسّسة العسكرية المتحكّمة بمقاليد الحكم في الجزائر، وقد شهد رحيله حسب المتحدث، تغيّرًا في موازين القوى داخل أجهزة الدّولة، حيث أصبح هناك توجّه جديدٌ للتفاوض والتفاهم مع قطب كان يمثل "منافسًا سياسيًا مع قائد الأركان ومحيطه".

ويبرّر المحلل السياسي موقفه، بناءً على محاولة الرئيس تبّون، نيل رضى بعض الجهات المحسوبة على قطب المخابرات السابق مثل علي هارون، حسب أقواله. وأضاف أن وفاة قايد صالح المفاجئة، أضعفت قطبًا داخل السّلطة، وتسببت في تصدّع النظام، لأنّ قائد الجيش السابق كان يمثّل "الرجل القويّ" في السلطة، بعد استقالة بوتفليقة يقول المحلّل السياسي، حسب زين العابدين غبولي.

ويختم المتحدّث، إنّ حملة مكافحة الفساد تحتاج أساسًا إلى دولة مؤسّسات وإلا ستتحوّل إلى صراع أقطاب، مثلما كان الحال مع محاكمة من تسمّيهم "رموز العصابة"، على حدّ تعبيره.

برحيل قايد صالح، فَقَد عبد المجيد تبون ذراعه العسكري والأمني، الذي  كان بإمكانه مرافقته في مواصلة حملة محاربة الفساد

المؤكّد أنه برحيل قايد صالح، فَقَد عبد المجيد تبون ذراعه العسكري والأمني، الذي  كان بإمكانه مرافقته في مواصلة حملة محاربة الفساد، أو تفكيك ما سُمي بالعصابة، ولكن بالنظر إلى السياق الذي جرت فيه الانتخابات الرئاسية، يدرك عبد الرئيس أنه بصدد إدارة فترة انتقالية دستورية، يفتقد فيها إلى الشرعية السياسية، وغياب قاعدة  سياسية واجتماعية موسّعة، وعلى ضوء هذا يكون حاكم قصر المرادية، قد استوعب أنه يتعيّن عليه عدم فتح الملفّات والجبهات المعقدة والمتشابكة، في ظلّ هشاشة الوضع الاقتصادي، وبروز ملامح التصعيد في الجبهة الاجتماعية، فهل يتوجّب عليه إعادة ترتيب بيت النظام؟ وأن يمتلك أدوات لذلك؟ أم أنه سيقود إصلاحات هيكلية وسياسية في أجواء هادئة ومستقرّة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أول محاكمة علنية لرموز بوتفليقة.. تأجيل وفوضى وسوء تنظيم وتهم ثقيلة

هل سيشاهد الجزائريون محاكمة "العصابة" على التلفزيون؟