29-ديسمبر-2021

(الصورة: فيسبوك)

أحيا الجزائريون الاثنين الماضي ذكرى رحيل الرئيس السابق هواري بومدين الذي غادر في الـ 27 ديسمبر/كانون الأوّل 1978، ومعه استذكروا مواقفه من القضية الفلسطينية التي تظلّ إلى اليوم الأساس الذي تبني عليه الدبلوماسية الجزائرية موقفها، خاصّة وأن البلاد أعلنت نيتها في احتضان لقاء جامع للفصائل الفلسطينية في قادم الأيام.

يرى السياسي  فاروق طيفور أن وقوف الجزائر على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية يؤهّلها للقيام بأدوار ريادية في معالجة إشكالية الانقسام في الصف الفلسطيني

ووسط الخذلان الذي يتعرّض له الفلسطينيون، وبالخصوص مع تسارع موجة الهرولة للتطبيع مع الاحتلال، يترقب متابعون مدى الهامش الذي ستتحرك فيه الجزائر لعقد اللقاء الجامع للفصائل الفلسطيني مثلما تعد، ويتساءلون عن الأوتار التي ستعزف عليها للقيام بدعم جديد لفلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: إمكانية زيارة قريبة لمحمود عباس إلى الجزائر

تجاوب فلسطيني

في السادس من كانون الأول/ديسمبر الجاري، أعلن الرئيس تبون في ندوة صحيفة مع نظيره الفلسطيني محمود عباس الذي زار الجزائر يومها أن بلاده تعتزم استضافة مؤتمر "جامع" للفصائل الفلسطينية "قريبًا".

وأضاف تبون أن هذه الخطوة جاءت بعد أخذ رأي الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وجدّد تبون تمسك بلاده بقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتُـها القدسُ الشريف فـي "مسارٍ ابتدأتُــــه، ولا يزال يمثل مرجعـًــا أساسيــًــا وهدفًا جوهريــًا بالنسبة لنـــا."

يستطرد الرئيس الجزائري أنّه "أمامَ حالةِ الجمود غيرِ المسبوقة التي تعرفها عمليةُ السلام في الشرق الأوسط وفي ظلِ السياساتِ الإجراميةِ للمحتل والتي ترمــي إلى تغييرِ الطابـــع الجغـــرافي والديموغرافي وترسيخِ الأمــــرِ الواقع، نــرى أنه من الضروري تعزيـــزُ العملِ العربي الـمشتـرك حول قضيتِنــــا الـمركزيــــة والأولى وتوحيـــــدُ الـمواقــــف لدعــــمِ الشعــــبِ الفلسطيـــــني ومقاومتِه الباسلة."

 وإضافة إلى حركة فتح التي يمثلها الرئيس عباس، أبدت مختلف الفصائل الفلسطينية موافقتها على الحضور إلى الجزائر، وفي مقدمتها حركة "حماس".

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قبل أسبوع في مقابلة مع قناة "الشروق نيوز" الخاصة، إن "دعوة الجزائر لعقد ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية تعكس حرص الجزائر على وحدة الشعب الفلسطيني واستعادة العمل المشترك".

وأكد هنية ترحيب حماس بالدعوة واستعدادها للحضور، مضيفا بالقول إن "لقاء الجزائر فرصة، ويجب ألا نضيعها".

مسافة واحدة

وسط التخلّي المتصاعد عن القضية الفلسطينية عربيًا، والهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، قد يرى البعض أن المبادرة الجزائرية لجمع الصف الفلسطيني في هذا الوقت مجازفة، إلا أن مسؤول الشؤون السياسية في حركة مجتمع السلم فاروق طيفور أوضح لـ"الترا جزائر" أن "ّالجزائر تظل بلدًا مهمًا في المنطقة العربية، استطاع أن يحافظ ويثبت على الرؤية العربية المشتركة التي كان يحلم بها العرب يومًا ما، ولم ينكث عهوده ومواثيقه مع الآخر ورغم الأزمات السياسية التي مر بها إلا أنه حافظ على نصاب الدبلوماسية المتزنة التي تقف على ثوابت ومبادئ ميزتها عن غيرها".

وأشار طيفور إلى أن الجزائر لها خبرة في "المساهمة الإيجابية في التعامل مع اغلب بؤر التوتر، وفضلًا على أنها بلد يجاهر برفض التطبيع مع الكيان الصهيوني واحتضن الإعلان عن الدولة الفلسطينية سنة 1989".

ويرى طيفور أن وقوف الجزائر على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية يؤهّلها للقيام بأدوار ريادية في معالجة إشكالية الانقسام في الصف الفلسطيني "وهي عوامل مهمة تساعد على تحقيق الحد الأدنى من المشترك الفلسطيني الذي جرفته الأجندات الخارجية التي كانت تتحكم في الحوارات السابقة ".

من جهته قال الصحفي الفلسطيني يوسف أبو وطفة لـ "الترا جزائر" إن امتلاك الجزائر "علاقات متوازنة" مع الفصائل الفلسطينية سيسهل عليها فرصة جمع الفصائل، خصوصًا وأن جميع القوى الفلسطينية رحبت بهذه الدعوة خصوصًا حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة لحركة فتح وقوى اليسار الفلسطيني.

رهان

غير أن فاروق طيفور الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية يوضح في حديثه مع "الترا جزائر" أن الرهان الأول لعقد هذا اللقاء هو "مدى استقلالية قرار الفصائل الفلسطينية وحصول إرادة مشتركة لتحقيق هذا الإنجاز" .

وبدوره، يؤكّد يوسف أبو وطفة أن "الإشكالية الكبرى ليست في عقد اللقاء، فالفصائل اجتمعت في القاهرة ومكة وموسكو والدوحة وبيروت ورام الله وغزة، ولم تتوصل لأيّة اتفاقيات حقيقة.

وتوقع أبو وطفة أنه في حال استمرار هذا الخلاف سيغلب على اللقاء المرتقب "الطابع البروتوكولي أكثر"، وهو ما لا تريد الجزائر أن يحدث.

هنا، لا يستبعد يوسف أبو وطفة أن تقوم دول عربية بعرقلة المبادرة الجزائرية لجمع الفصائل الفلسطينية، بالنظر إلى أن هذه القضية صارت عند البعض ورقة للمساومة والضغط، على حدّ تعبيره.

يستطرد أبو وطفة "مما لا شكّ فيه أن سيطرة مصر على الملف الفلسطيني حصرًا طوال السنوات الماضية مع حضور قطر بحكم علاقتها القوية بحماس، يجعل الأولى تخشى دخول أيّة دولة عربية على خط الوساطة، إضافة لدول مثل الإمارات".

وكشفت مصادر في وقت سابق أن الرئيس تبون سيقوم في الأشهر القادمة بزيارة إلى مصر، ومن المؤكّد أن القضية الفلسطينية ستكون ضمن المشاورات التي ستجري بين مسؤولي البلدين.

ويلفت الدكتور فاروق طيفور، إلى أن نجاح اللقاء المرتقب في الجزائر سيرتبط بـ "إدراك الأسباب الحقيقية التي كانت تقف وراء فشل الحوارات السابقة، وهل هي متعلقة بمواقف الفصائل الفلسطينية أم هي إرادة خارجية وتذليل العراقيل البينية بين الفصائل وخاصة فتح وحماس، وتجميع أكبر عدد ممكن من الأطراف والفواعل المؤثّرة في المشهد الفلسطيني، سواءً في الداخل أو الخارج وحتى في أراضي 48".

ودعا طيفور إلى العمل على "الوصول إلى ضمان حدٍّ أدنى من الالتزام بالقرارات المتفق عليها وتجريم الخروج عنها مهما كانت الأسباب، وإلزام السلطة الفلسطينية بهذه القرارات وفك الاشتباك والغموض في ملف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ومتابعة المناضلين في الضفة والقطاع، وإقناع أطراف الحوار بضرورة الخروج بنتائج في مستوى تطلعات الشعب الفلسطيني تكون مشفوعة بأجندة ورزنامة واضحة لتجسيد القرارات والإجراءات العملية".

سيكون على الجزائر القيام بتحركات واسعة تجعل هذه الفصائل ترمي بكل تبايناتها وراءها 

ومع استمرار الخلاف بين مختلف الفصائل الفلسطينية، خاصّة بعد اللقاء الذي جمع الثلاثاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير دفاع الكيان الصهيوني، سيكون على الجزائر القيام بتحركات واسعة تجعل هذه الفصائل ترمي بكل تبايناتها وراءها وتجعل هم الشعب الفلسطيني ونضاله لتحقيق الاستقلال شغلها الشاغل الذي تسعى لتحقيقه اليوم قبل الغد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخارجية: الإصرار على عضوية إسرائيل قد يؤدي إلى تقسيم الاتحاد الأفريقي

تقدير موقف| إسرائيل بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي: كيف حصل الاختراق؟ ولماذا؟