25-سبتمبر-2022

(الصورة: العربي الجديد)

لم يعد يفصلنا اليوم عن موعد القمة العربية بالجزائر إلا بضعة أسابيع، حيث تقرر رسميًا أن يلتئم العرب على طاولة جزائرية يومي 1 و2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، رغم كل المنغصات وكافة محاولات التأجيل والإشاعات التي أحاطت بهذا الحدث الهام منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه.

الأكاديمي إسماعيل دبش: كانت هنام محاولات لعرقلة انقعاد القمة العربية في الجزائر ولكنها فشلت 

وبسرعة قياسية، أنهى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الجدل، بإعلانه أنه اتفق بشكل نهائي، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي عقد بتاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2022، على عقد القمة العربية المقبلة في الجزائر يومي 1 و2 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وصرح أبو الغيط أنه "لا صحة للحديث عن احتمالات لتأجيل قمة العربية أو نقلها أو غيره".

ومن جهتها، قطعت الجزائر الشك باليقين، وأكدت رسميًا أنها جاهزة لعقد هذا الموعد الهام، ولكن بدون حضور سوريا، تفاديًا للخلاف حول هذا الملف.

وبعيدًا عن أيّة مغالطات، صرح وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند افتتاح الدورة البرلمانية بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر للصحافة قائلًا: "الجزائر جاهزة والقمة ستعقد في موعدها والتحضيرات جارية والحكومة متأهبة لاستقبال الوفود".

ومباشرة في أعقاب ذلك، شرعت الجزائر في إرسال الدعوات رسميًا للدول العربية بتاريخ أيلول/سبتمبر، تأكيدًا منها أن القمة العربية التي تم الحديث عن تأجيلها عدة مرات قد باتت أمرًا واقعًا، فإضافة إلى مصر وفلسطين ودول أخرى، وجهت السلطات الجزائرية عبر وزير العدل عبد الرشيد طبي دعوة رسمية للمغرب للمشاركة في القمة التي يبدو أنه لن يتغيب عنها.

ولم يعد خفيًا اليوم حتى جدول أعمال هذا الموعد، والذي يتضمن بندًا حول الشؤون العربية والأمن القومي، وعدد معتبر من المواضيع المتعلقة بالتضامن مع لبنان، وتطورات الوضع في سوريا وليبيا واليمن، وأمن الملاحة وإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي.

إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحًا اليوم: هل أنهت الجزائر عبر كافة هذه الخطوات مخاوف تأجيل موعد الاجتماع العربي؟ وهل ستنجح الدبلوماسية الجزائرية في أول امتحان صعب بعد التعديل الحكومي؟

صفعة للمعرقلين

ولا يختلف اثنان على أن تحديد موعد القمة العربية يعتبر صفعة قوية للمعرقلين الذين كانوا يعولون على إفشال موعد الجزائر، حيث يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إسماعيل دبش في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن انعقاد مجلس الوزارء العرب ما هو إلا إيذان رسمي بأن القمة ستنعقد في الجزائر وفي موعدها، حيث حضر الاجتماع لأول مرة 20 وزيرًا للخارجية من الدول العربية، وتم التأكيد أن الموعد سيكون في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

ويقول أستاذ العلوم السياسية أن المحاولات التي قادتها بعض الأطراف خلال الأشهر الماضية، للتشويش على القمة فشلت خاصّة وأن بعض الدول التي حاولت استغلال الخلافات الثنائية والصراعات الهامشية للاتفاق على تأجيل عقد قمة الجزائر، لم تستطع أن تحرك ساكنًا، رغم اعتراف الجميع أن هذا التشويش كان أحد أهم المشاكل التي واجهت الموعد العربي.

وحسب المتحدث فحتى ملف القضية الفلسطينية ومسألة التطبيع، التي يمكن أن يستغلها البعض لوأد اجتماع تشرين، هي نقاط تم الاتفاق عليها مسبقًا، فموضوع التطبيع تم حسمه ولن يكون على حساب قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن التحديات الدولية التي سيتم معالجتها في هذه القمة هي قضية الغذاء والطاقة والأزمة الروسية الأوكرانية والصراع بين روسيا والغرب، حتى لا يكون العرب طرفًا في هذه الحرب.

ويشدد دبش على أن الجزائر لحد الآن نجحت بقوة في توجيه العمل العربي المشترك، مضيفًا: "أعتقد أن  هذا اللقاء سيكون مميزًا، حيث سيجتمع العرب لأول مرة على رؤية موحدة في القضايا الدولية"، فالجزائر حسبه، تركز اليوم على معالجة الخلافات الثنائية أكثر من أي ملف آخر، وهي نقطة القوة التي ستستند عليها في هذه القمة.

الجزائر أمام تحدي تفكيك أزمات عربية _ عربية

من جهته يؤكد المحلل السياسي توفيق بوقاعدة أن العلاقات العربية _ العربية كلها متأزمة، سواءً البينية بين الدول أو في التصورات التي تحملها هذه الدول للجامعة العربية ومهامها التي يريد كل طرف أن يوجهها لخدمته، مردفًا: "هناك اختلافات طفت إلى السطح في العشرية الأخيرة أي منذ بداية الربيع العربي، حيث برزت هوة كبيرة بين الدول العربية، التي جعلت من العمل العربي المشترك مستحيلا في ظلّ تباين الرؤى واختلاف المصالح وتحالفات الخارج خارج جسم الجامعة العربي".

محدث "الترا جزائر" يؤكّد أن انعقاد القمة أصبح شكليًا أكثر منه تطوير العمل العربي المشترك، وهو ما عقد من مهمة الجزائر أكثر، لذلك فإن أحد أهم العوائق التي كانت تقف دون اجتماع العرب، باستثناء كورونا  هو الهدف من القمة العربية في حد ذاتها، إذ وضعت الجزائر هدفا نصب عينيها، وهو جعل القمة جامعة، تخدم القضية الفلسطينية وعودة سوريا لأحضان الجامعة وأيضًا قمة لإصلاح الوحدة العربية وتحديث آليات الجامعة ولم الشمل.

ويجزم بوقاعدة أن هذه الأهداف بدأت في التقلص تدريجيا في ظل الصعوبات التي اصطدمت بها الدبلوماسية الجزائرية، منها تعذر حضور سوريا، وعدم وجود توافق على دور الجامعة في كيفية دعم القضية الفلسطينية، فالكثير من الدول طبعت علاقاتها مع إسرائيل وبالتالي أصبحت القضية الفلسطينية التي طالما شكلت قضية محورية مجرد قضية هامشية، إلا أن أهم صعوبة تواجه اليوم القمة هي شبه إجماع على أن العمل العربي بات بعيدا عن الواقع.

فلا وجود لتوافق عربي ولا رؤية لإصلاح الجامعة، ولا مشاربع مشتركة تحظى بالإجماع عليها ولا نوايا لحلحلة المشاكل محل الصراع في ليبيا وسوريا اليمن.

ماذا ستجني الجزائر من القمة العربية؟

ويعدد متابعون للشأن العربي والسياسي مكاسب عديدة للقمة العربية في الجزائر، أولها المساهمة في وحدة الصف العربي لمواجهة مختلف المشكلات الأمنية والسياسية التي قد تواجهها المنطقة لاسيما المسالة الليبية، حيث تعمل الجزائر على أن تكون قاطرة تقود البيت العربي لمواجهة مختلف المعضلات.

ويشدد بوقاعدة على أن نجاح الجزائر في عقد القمة هو نجاح للدبلوماسية الجزائرية في لعب دروها في المنطقة العربية وأفريقيا، وهو رهان من أجل اسماع صوت الجزائر.

أما العرب، يضيف المتحدث: "في اعتقادي لا توجد لديهم  أهداف مشتركة، كل دولة تسعى لتحقيق أهدافها من التئام القمة سواء من خلال النقاشات أو اللقاءات الثنائية التي تعقد والمشاورات التي قد تفتح على الهامش".

وأردف المتحدث قائلًا "يمكن القول أن هذه القمة ستكون قمة استفاقة، خاصّة في ظل التحديات الدولية الراهنة، أولها الحرب الروسية الأوكرانية التي أثبتت ان كل دولة مطالبة بالاعتماد على ذاتها في التموين بالغذاء والطاقة، فالظرفية الزمنية الراهنة تؤكد أن العمل العربي المشترك حتمية وضرورة وجب على الجميع السعي إلى تحقيقها".

أما المحلل السياسي عبد الرحمان بن شريط، فيؤكّد في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن ما تريد  الجزائر أن تحققه من هذه القمة، تحدٍّ كبير، وهو أن لا تكون هذه القمة شكلية فقط، وإنما اجتماع ناجح يخرج بقرارات مهمة.

فالصعوبات التي واجهت الجزائر هو التحدي الكبير الذي رفعته الدبلوماسية التي لم تقف مكتوفة الأيدي إلى غاية انعقاد القمة، وبرز الأمر بوضوح خلال الجولات المكوكية التي قادت وزير الخارجية لعدة دول قبل وصول الموعد المنتظر.

المحلل السياسي توفيق بوقاعدة: انعقاد القمة العربية أصبح شكليًا

وفي النهاية، يبقى التحدي الأكبر الذي لا يزال يواجه الجزائر هو أن تسعى لأن تكون القمة أكثر نجاحًا، توحد العرب ولا تفرقهم، عكس القمم السابقة التي تخرج دائمًا بخلافات ثنائية.