05-أغسطس-2022
مقطع من عمل "القهويين في الجزائر" (الصورة: يوتيوب)

مقطع من عمل "القهويين في الجزائر" (الصورة: يوتيوب)

لماذا امتعض كثيرون من فيديو الفنان أنس تينا الذي أطلق عليه "القهويين في الجزائر" والتي تعني اللون البني نسبة للون القهوة؟ ولماذا أثار الفيديو غضب كثيرين من رواد مواقع التواصل ووجّهت اتهامات لاذعة لصاحبه؟ في وقت يعتقد البعض أنه لفت الانتباه للواقع الجزائري المعاش لفئة محددة من الشباب، فيما أنكرها البعض الآخر بحجة أن محتوى الفيديو يسهم في شرخ كبير بين الجزائريين تحت عنصر" التّفرقة" ومعالم" العنصرية" التي تتفاقم كلما اتصلت بنوع أو لون أو عرق أو جهة.

ينبه بعض الأكاديميين إلى أن بعض الكلمات مثل وصف"القهويين" يجب الاحتراس في استعمالها حيث أن تكرارها يجعلها صفة لصيقة بذوي البشرة السمراء

يسجل الفيديو الساخر الذي سجّل الآلاف من المشاهدات نقاطًا مهمّة ولافتة، إذ تناول التصرفات الطائشة للشباب في الشواطئ الجزائرية، فهم غالبًا أي من وصفهم بـ "القهويين" ما يلفتون الانتباه لكل المصطافين، بصخبهم وضوضائهم واستقوائهم على الآخر، وقيامهم بتصرفات تجعل من العائلات تهابهم، في إشارة إلى أنهم لا يبالون بالأخلاق والأعراف والقواعد التي لا تنسجم مع عادات مجتمعنا، ومنها احترام الذوق في إشارة لرفع صوت الموسيقى الصاخبة والرقص أمام الملأ وترك القمامة في الشواطئ.

وتثير المشاهد في هذا لمحتوى الرقمي، الكثير من المحطات التي يتفنن فيها هذا النوع من الشباب،وهو ما يوسّع فيها حجم الهوة بين أفراد الشعب الواحد، في حين اقتصرت نظرة البعض على العنوان ووجهت الانتقادات حول استخدام هذه المصطلحات في انتقاد بعض السلوكات في الشارع.

في العموم يحاول تينا الذي لطالما كشف الستار عن بعض السلوكات التي نعيشها يومياً، وهي الحقيقة التي اتفق عليها الكثيرون من باب أن السلوكات لا يمكن المسك بها أو تأطيرها خصوصًا في الفضاءات العامة كالشارع والشواطئ،

هنا، تقول أستاذة اللغات بجامعة سطيف شرق الجزائر إكرام ضوايفية لـ" الترا جزائر"، إن محتوى الفيديو يكشف صورة الجزائر العميقة في بعض الأماكن، والتي نستهجنها كتصرفات الشباب في البحر، متسائلة: "من منّا لم يشاهد مجموعات من الشباب وهم يرقصون في الطريق السيار ويوقفون عجلة السير حتى، ويطلقون العنان للأغاني التي لازالت في بعض المناطق المحلية خطًا أحمر".

لا ترفض ضوايفية أن يتم تناول مثل هذه المواضيع للتنديد بها أو إصلاح ما يمكن إصلاحه في المجتمع، ولكن هناك كلمات وجب أن نحترس لاستعمالها، فتكرارها في فيديوهات متاحة للملايين تصبح صفة لصيقة بكلّ من لونه بني، على حدّ تعبيرها.

خطوط حمراء

الفيديو يحمل عدة إشارات ودلالات، فمن جهة يذهب بعيدًا في توصيف " القهويين" وهم في نظره أولئك الشباب الذين يمارسون تصرفات سيئة في الفضاءات العامة، ومن جهة يتلفظ بألفاظ سيئة للمرأة على سبيل المثال.

أصبحت هذه التصرفات طقوسًا أو عادات كل من يتشاركون في البشرة البنية، على حدّ تعبير إسلام سراي (29 سنة)، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر" أن المصطلح أو الكلمة انتشرت كثيرًا خلال السنتين الأخيرتين، وربما هنا أتذكر جيدًا أن "الحراك الشعبي أظهر العديد من المصطلحات التي تصف البعض بالخذلان والنكران للحريات"، أو ما يوصفون بـ" بوصبع" أي الذين انتخبوا وهم " القهويين" أيضا بحسب بعض مكونات المجتمع الجزائري التي رفضت وقتذاك تلك الانتخابات.

تطرق البعض ممن تحدثت إليهم "الترا جزائر" أننا ذاهبون إلى تفرقة عميقة لا يمكن حصر صداها مع مرور الوقت، خاصة وأن العنصرية والتفرقة والكراهية كلها عبارات ظهرت مع الأزمة السياسية خلال الحراك الشعبي، إذ بدى لنا أنّ المعارض غير وطني، وأن المساند للسلطة "بوصبع" و" بائع للذمة" و" قهوي" أي دائمًا يساند أي مسؤول.

بالإضافة إلى مصطلح " القهوي" برزت عديد المصطلحات التي تستعمل في  الشارع الجزائري التي تصف الأشخاص القادمين من الريف نحو المدين أو " غير المتحضرين"، وهي حقيقة موجودة عبر عنها الناشط الحقوقي كريم خطابي بقوله لـ" الترا جزائر" : "نحن نظلم بعضنا البعض وكأننا ولدنا في بلد آخر، فكلنا قادمون من الريف أو أحد أجدادنا ولد في الريف وهذا أمر تاريخي، ولكن في المقابل لازلنا نصف كل من جاء من منطقة داخلية بأنه "كافي" أو نشير إليه بقولنا: "الطاكسي الصفراء، كابتك ولايتك" أي احمل حقيبتك وعد إلى بلدك.

وقال خطابي لـ" الترا جزائر" كلها عبارات تحتقرنا جميعًا، فرغم أن الفنان أنس تينا حاول أن يظهر السلوكات في محتوى تواصلي عبر الفضاء الافتراضي إلا أن سمة "لون البشرة" عنصرية مقيتة، فقد يكون صاحب تلك التصرفات بلون البشرة البيضاء، واستدرك محدث " الترا جزائر" أن هذه الظاهرة مردّها سياسة مقيتة وليس محتوى تربويًا، إذ هي نابعة من خلفية تاريخية استعمارية " سياسة فرق تسد".

تحذير

في علاقة مع وصف أحدنا للآخر بلون البشرة وهو ينذر بعنصرية مقيتة ومرفوضة، إذ حذّر أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور نور الدين بكيس من محاولة زرع العنصرية والكراهية من وراء هذا الفيديو، إذ "يمارس صاحبه التنمّر والاستعلاء على الغير بحجة انتقاد السلوكيات السيئة ولو كان ذلك بنية طيبة".وقال في تدوينة على موقع " فيسبوك" أن " القهوي" تسمية عنصرية لأنها صفة جسدية ملتصقة بالخصائص الفيزيولوجية للشخصية الجزائرية.

وأضاف بكيس وقعها أخطر بكثير من "الروجي" و"بوصبع" وأخواتها، إذ يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن الصفتين الأخيرتين برزتا خلال فترة الحراك الشعبي ووصفت كلّ المعارضين للحراك بأنهم "الروجي" و" بوصبع" أي في إشارة للبعض لكل من بصم وانتخب وشارك في مسارات السلطة وقتها.

مسؤولية وانتقاد مُحتوى

في هذا المضمار، ذهب البعض إلى انتقاد لمحتوى الرقمي" الذي بدا لهم نوعًا من أنواع التهجم على الملايين، إذ اعتبره خالد بن حمادي طالب الإعلام في سلك الدكتوراه بجامعة وهران غرب الجزائر بأنه "محتوى فارغ من حيث المغزى" إذ من واجب الفنان في رأيه أن ينشر "محتوى يربي المجتمع أما السلوكات يمكن علاجها بطريقة أخرى دون أن نخدش قلوب الكثيرين بسبب بشرتهم البنية".

وأضاف بن حمادي أن الجزائريين متعطشون إلى محتويات تناقش أفكار. تأتينا بحلول وابتكارات لهذا البلد المسكين، لافتًا إلى مقولة الرئيس المجاهد الراحل محمد بوضياف:" الدول التي تقدمت هي من تقدمت بالعلم".

بالحديث عن المحتوى، فإن وسائل التواصل الاجتماعي عرت العديد من السلوكات والعديد من الأوصاف التي تنم عن التنمر أولا والعنصرية ثانيًا، كما عرجت الباحثة الاجتماعية كريمة مراح في تعبيرها أن كلمة " القهوي" هي وصم اجتماعي يراد به إلصاق " تهمة العار"، موضحة أن "محتوى وسائل التواصل الاجتماعي بات أخطر بكثير من تلك السلوكات، ففيها وصف بالسوء والشتم والعار والتأنيب وهذا كله بنظرها لن يزيد إلا في التفرقة وتجاوز أخلاقيات مجتمع بأكمله، يعاقب عليها القانون، على حد تعبيرها

كريمة مراح: بعض المحتويات على مواقع التواصل الاجتماعي باتت أخطر من الظواهر الموجودة في المجتمع

وختمتالمتحدثة، أنه مهما كانت الأهداف والغايات من وراء هذا الفيديو وفيديوهات أخرى، فهناك مسؤولية الفنان الاجتماعية التي تقيده نحو صناعة محتوى يحارب به السلوكات المشينة بطريقة يمكن أن تصل إلى الملايين دون تجريح أو قدح أو حتى تنابز بالألقاب، دون أن ننسى أنه حتى وإن " كانت سلوكات موجودة ويسعى الكثيرون إلى محاربتها وتغيير الذهنيات التي تتعامل بتلك الطريقة، ولكن ليس بنشرها عن طريق كلمات مسيئة يزيد من حدتها".