30-يونيو-2022
(الأناضول/Getty)

(الأناضول/Getty)

تمكّنت الجزائر من إبراز تنوّعها الثّقافي وإظهار زخمها التقليدي إلى العالم، من خلال الألبسة التّقليدية ارتداها مرافقون للوفود المشاركة في الحفل الافتتاحي للدورة الـ 19 من الألعاب البحر المتوّسط بمدينة وهران غربي العاصمة الجزائرية، إذ رسمت معالم هذا التنوع الجزائري داخل الجغرافيا الواحدة وكان صورة البلد التي شاهدها العالم بعد سنوات من الغِياب.

على غرار مختلف المناطق الجزائرية اشتهرت مدينة وهران بـ"البلوزة الوهرانية " التي تشكل جزءًا من ثقافتها وتاريخها الممتدّ على مدى قرنين من الزّمن

صنع اللّباس التّقليدي الجزائري التميز في تلك الاحتفالية حدثًا موازيًا للتظاهرة،وعاد للواجهة خلال العرض الفني الراقص لمجموعة من الفتيات والشباب بلباس تقليدي جمع بين " البلوزة الوهرانية" بالنسبة للنساء و" الحطة البدوي" بالنسبة للرجال، بينما رافق كل ثلاثة أطفال يرتدون أيضًا ملابس تقليدية كل وفد من الوفود المشاركة في التظاهرة.

كما احتلّ اللباس التقليدي انتباه الحضور من المشاركين والجمهور، وصنع الفرجة والخصوصية أيضًا لالتزام الجهة المنظمة بأن يكون اللباس التقليدي حاضرًا أثناء توزيع الميداليات على الفائزين.

علامة خاصّة

إبراز الألبسة التقليدية الجزائرية من بوابة التظاهرة الرياضية فعل ثقافي ضروري مرافق لمثل هذه التظاهرات، إذ أن لهذه الألبسة جذور تاريخية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبيئة المحلية لكلّ منطقةوحالة سكانها وتحولاتها المختلفة عبر الزمن، رغم اختلافها من حيث القماش والشكل والطّرز وطريقة اللبس، فضلًا عن الأكسسوارات المصاحبة لها.

وبذلك تختلف الألبسة بين النساء الجزائريات وحتى الرجال، من وهران إلى تلمسان إلى أدرار والجلفة والجزائر العاصمة وسطيف   وبجاية وقسنطينة وباتنة وتمنراست وورقة وتندوف ووادي سوف، وغيرها من المدن الجزائرية التي تحتفي فيها العائلات بالألبسة وتضع لها مكانة عالية وغالية أيضًا. 

هذا التنوّع لفت الجزائريين واستحسنوه كثيرًا، هنا، ذكرت الناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي، أمينة الطاهر بوعامر، عبر تدوينة في موقع فيسبوك أن: "أحسن شيء حفل في الافتتاح، حضور اللباس التقليدي الجزائري، خلال السهرة، إذ شاهد كل العالم تقاليدنا من بوابة اللّباس".

تاريخ وموضة

على غرار مختلف المناطق الجزائرية، اشتهرت مدينة وهران بـ"البلوزة الوهرانية " التي تشكل جزءًا من ثقافتها وتاريخها الممتدّ على مدى قرنين من الزّمن، وهي عبارة عن فستان طويل من قماش حريري وبأكمام قصيرة، يتمّ تزينه بحبيبات برّاقة تعطيه جاذبية، تلسبه النساء في المناسبات والأفراح، لكنه صار اليوم موضة تتميز بالتنوع.

منذ القرن التاسع عشر، عرفت "البلوزة الوهرانية "أو " القندورة" تطوّرًا كبيرًا من حيث الشّكل والألوان، كما أكدت الباحثة في التراث اللامادي في الجزائر كريمة قراط موضحة أنّ هناك عشرة أنواع من هذا الفستان العريق ونماذج تختلف عن بعضها البعض.

وأردفت الأستاذة قراط في حديثها لـ"الترا جزائر" أن الفستان الوهراني الخاص بالمناسبات مثله مثل كل التراث اللامادي الذي شهد تغيرات عبر الزمن والسنوات، إذ أبدع الخياطون في إعادة تفصيلها تلبية لأذواق النساء وتماشيًا مع الموضة خاصة منها الألوان.

ففي البدايات كانت عبارة عن فستان عريض وفضفاض ولها جيوب، لكنها مع الوقت أضيف لها ما يسمى بـ"التعميرة" أي مجموعة من التحسينات على مستوى الجزء العلوي من الفستان، بناءً على البيئة الوهرانية.

 

احسن شيء حفل في الافتتاح، تواجد اللباس التقليدي الجزائري ، خلال سهرة كل العالم شاهد تقاليدنا في اللباس ، شيء حقا جميل انا عن نفسي اعجبني دخلوهم بلباس تقليدي ، كان رائع في هذا الافتتاح

Posted by ‎أمينة الطاهر بوعامر‎ on Saturday, June 25, 2022

لم يتأثّر بالزّمن

عرفت الألبسة التقليدية الجزائرية مثل "الملحفة الشاوية" و"اللباس العربي الجلفاوي" و"الكاراكو العصامي" و" الجبّة القبائلية" و"التسيغنس" التارقي و" القندورة القسنيطنية" و"البرنوس الرجالي العربي" عدّ تغييرات وحاز على مكانة مهمة بين مختلف الألبسة النّسوية ومن الموروث الشعبي الجزائري الذي تفتخر به المرأة الجزائرية ويضفي عليها سحرًا خاصًا.

ورغم تقلبات الزمن بفعل الموضة إلا أنها حافظت على شكلها، إذ كشفت المتخصّصة في الأزياء التقليدية بمدينة غليزان غرب الجزائر فريدة حساني لـ" الترا جزائر" أن " البلوزة الوهرانية" مفخرة كلّ نساء الغرب الجزائر، منها ما هو للاستعمال اليومي ومنها ما هو خاص بالأعراس والمناسبات والأعياد والاحتفالات.

وأَضافت السيدة حسّاني بأن المرأة الجزائرية تحرص على اقتناء "لباسٍ تقليديٍ خاص بمنطقها فضلًا عن ألبسة تقليدية أخرى" لما لها من جمال وبساطة، وهنا مربط الفرس على حدّ تعبيرها: "بساطة اللباس هو عنوان لأناقة المرأة الجزائرية".

لم يتخلّ الجزائريون عن اللباس التقليدي في أعراسهم واحتفالاتهم، فرغم انتشار الألبسة العصرية وغزوها للمحلات والمتاجر، إلا أن اللباس التقليدي لم يتزحزح من مكانه، إذ هو وجه من أوجه التقاليد وعنوان للتنوع والثراء الاجتماعي.

من حفل افتتاح الألعاب المتوسطية بوهران

تلتزم الفتيات في عديد المدن الجزائرية بأن تكون أحد الألبسة التقليدية أهم قطعة من الملابس التي تأخذها بين أغراضها الشخصية في حفلات الزفاف أو كما يسمى بـ"جهاز العروس"، إذ لا تندثر قيمته بين مختلف الألبسة العصرية، وتتماشى مع كل زمان.

تعمل الكثير من محلاّت الخياطة للألبسة التّقليدية على إدخال لمسات على مختلف الألبسة موازاة مع الموضة، إذ تكتسي بزيّ متجدد يتماشى مع الإطلالات التي تشهد تقدما سريعًا في سوق الألبسة عموما، ومحاولة البعض على الثبات عليها والإبقاء على حلتها.

وأدخلت العديد من الحرفيات تعديلات على الألبسة التقليدية حتى تعطيها زخما وتخرجها من حالة النموذج الواحد إلى نماذج مختلفة لكل واحد منها خصوصيته مع الحفاظ على الشكل العام لها.

تختلف الخامات الخاصة بالألبسة، إذ أًصبح المنتوج في متناول النساء، كما قالت الخياطة فريدة لعرايبي، إذ يتراوح سعرها ما بين 6 آلاف دينار جزائري إلى 12 ألف دينار جزائري أي ما يعادل ما بين (27 يورو إلى 50 يورو)، بينما تتراوح أسعار بعض الألبسة من 15 ألف دينار جزائري إلى 50 ألف دينار أي ما يعادل (90 يورو إلى 300 يورو).

ودعت محدثة "الترا جزائر" إلى ضرورة نقل هذه الحرفة من جيل إلى جيل بهدف الحفاظ على التراث إضافة إلى تنظيم تظاهرات ثقافية للأزياء التقليدية التي تشتهر بها مختلف مناطق الجزائر بل هناك منها من سافر خارج الوطن.

من حفل افتتاح الألعاب المتوسطية بوهران

ما بعد الرياضة ..الواجِهة

كلّ تظاهرة عابرة للحدود الجغرافية، هي ترويج للسياحة وتسويق لتاريخ وثقافة الشعوب، وتتفق في هذا الأمر الإعلامية والأستاذة صباح بودراس مع هذا الطرح، إذ رأت أن ألعاب البحر المتوسط فرصة من ذهب للخروج من عزلة دولية عرفتها الجزائر بعد العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، إذ لم تحتضن الجزائر مثل هذه التظاهرات منذ الأزمة الأمنية في سنوات التسعينيات.

وأضافت بودراس وهي من منطقة "الأوراس " في أقصى الشّرق الجزائري لـ" الترا جزائر" أن الفعاليات الرياضية هي خطوة نحو التعريف بثراء الجزائر الثقافي والاجتماعي، لافتة إلى أن العرس الرياضي الذي ستحتضنه وهران لن يكون مقتصرا على مدينة واحدة بل على عديد المدن المتاخمة لعاصمة الغرب الجزائري، وهو ما يسمح بأن تكشف تلك المدن عن غنى حضاري وإنساني وسياحي لكلّ المشاركين وللعالم أجمع.

وفي سياق متّصل، أعدت الجزائر فضاء خاصًّا باللّباس التقليدي الجزائري، ضمن المسار السياحي تحتضنه بقلعة " المشوّر" بوسط مدينة تلمسان، على هامش فعاليات أنشطة الطبعة الـ 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط.

تهدف الجهات المنظمة للتظاهرة الرياضية من وراء عرض الأزياء التقليدية إلى التعريف بخصوصيات الجزائريين

وتهدف الجهات المنظمة للتظاهرة الرياضية من وراء ذلك إلى التعريف بخصوصيات الجزائريين وفرصة للوفود المشاركة في التظاهرة الرياضية اكتشاف التّراث الجزائري وطقوس الاحتفالات المحلية، من خلال اللباس التقليدي الخاص بالأعياد والعادات والممارسات الاجتماعية.