09-ديسمبر-2019

رفض مثقفون جزائريون الانتخابات واعتبروها بلا شرعية (رويترز)

 تعالت أصوات عديدة داخل الوسط الثقافي والفني والأكاديمي الجزائري قبل بضعة أيام، معبرة عن موقفها من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم الثاني عشر من  كانون الأول/ديسمبر المقبل، ترفض فعل الانتخاب الذي اعتبرته في شكله وتوقيته هذا بعيدًا عن الشرعية، مطالبين السلطة بالالتزام بمطالب الحراك في إزالة ما أسموه برموز العصابة الحاكمة التي ما تزال نشيطة في المشهد السياسي، ومنها أسماء ترشحت فعلًا للرئاسيات، الأمر الذي اعتبره هؤلاء اختراقًا لمطالب الحراك السلمي المستمر منذ شباط/فيفري الفارط، والتي تنادي بإزالة كل رموز النظام السابق.

 تعالت أصوات عديدة داخل الوسط الثقافي والفني والأكاديمي الجزائري قبل بضعة أيام، معبرة عن موقفها من الانتخابات الرئاسية، ترفض فعل الانتخاب الذي اعتبرته في شكله وتوقيته هذا بعيدًا عن الشرعية

ورغم وجود بعض الاختلافات في الآراء والطرح خصوصًا مع بداية عملية الاقتراع في المهجر، وتعالي أصوات بعض المثقفين منادين باحترام حرية المصوتين الذين اختاروا الانتخاب، وعدم اعتراض سبيلهم نحو مكاتب الاقتراع، فقد وقَّعت بالفعل مجموعة كبيرة من المثقفين والأستاذة والصحفيين والعديد من الفاعلين الثقافيين والمواطنين من شتى الانتماءات، بيانًا يضمّون فيه صوتهم إلى صوت الشعب الذي هو حسبهم مصدر كل السلطات، حيث طالبوا فيه باحترام إرادته، معتبرين في بيانهم أن انتخابات 12 كانون الأول/ديسمبر هي نسخة كرنفالية، مكررة ورديئة، وعبروا عن رفضهم خيار الأمر الواقع، ودعوا إلى الحكمة والروية للخروج من هذا الوضع المتأزم، حسب البيان الذي وصل فيه عدد الموقعين إلى حوالي 115 موقعًا، وهو عدد مرشح للزيادة.

اقرأ/ي أيضًا: هل يفرض الحراك الشعبي منطقه على الجيش؟

المثقف وهاجس الانتخاب

يدرك المثقفون في الجزائر حسب الدكتور إسماعيل مهنانة أن هذه الانتخابات مجرّد ذريعة استعملها النظام لتجديد نفسه حتى يلتفّ على المطلب الحقيقي للحراك والمتمثّل في التغيير الجذري للنظام السائد منذ الاستقلال. ويضيف أن هذا هو  السبب في اصطفاف المثقفين مع الثورة، لأنهم بهذا يثبتون نصرهم لقناعاتهم العميقة.

أمّا أولئك الذين يدافعون عن الانتخابات الشكلية، واصطفّوا مع النظام، فأغلبهم مُستفيد من الريع الثقافي، بشكل أو بآخر حسب مهنانة.

ويتأسف مهنانة هنا لتخلّي المثقف الجزائري عن دوره الطليعي في تأطير الثورة، بوصفه قوّة اقتراح، حيث راح يبرر موقفه بكل الحجج والتبريرات، أهمّها حسبه، هي أن الشعب غير مهيّأ للديمقراطية، رغم ما أثبته الشّارع من وعي وسلمية وروح ديمقراطية طيلة الأشهر الفارطة.

في ذات السياق، قال مهنانة إن المثقف هنا على ما يبدو لا يزال حبيس الكليشيهات القديمة حول المجتمع، وحبيس التعميم المخلّ بالحقيقة، بل إنه بهذا الموقف "الجبان"، راح يثبت الأحكام القاسية التي كان المجتمع يصدرها دومًا حول المثقف بوصفه "بورجوازيًا بائسًا" وخائنًا لدوره، أو ذلك الكائن المستعد لبيع رأيه لسيّد المرحلة.

الانتخابات هي الحل!

 اعتبر الإعلامي محمد علاوة حاجي في تدوينة مطولة على الفيسبوك أن الانتخابات في الحالة الجزائرية، لا تتوفر على الشروط المناسبة، بعد مُضيِّ قرابة تسعة أشهر على دفع بوتفليقة إلى الاستقالة في ما بدا للبعض لحظةَ انتصارٍ شعبي على منظومة حُكم فاسدةٍ، أتت على الأخضر واليابس، وأضاف حاجي أن الوقت سيثبُت أنه لم يكن سوى حلًّا تكتيكيًا لاستمرار المنظومة نفسها في البقاء.

يضيف محاجي أن الأمرُ شبيهٌ بأنْ يلجأ قائدُ سفينة قراصنة إلى إلقاء أثقلِهم وزنًا في عَرض البحر حين تواجهُها عاصفةٌ عاتية، حتّى يضمَن سلامتها (وسلامته)، حيث أُلقيَ في البحر بأثقل الركّاب عبئًا على سفينة السلطة التي تتقاذفها أمواج الحراك الشعبي منذ الثاني والعشرين من شباط/فيفري الماضي، ثُمَّ طُلب من بقية القراصنة الاستمرار في قيادتها.

ويضيف الإعلامي هنا أنه يجدر التذكيرُ مُجدَّدًا بأن الانتخابات تجري تحت إشرافٍ تامٍّ من منظومة بوتفليقة نفسها، حتّى وإنْ حاولت السلطةُ تغليفها بلجنةٍ صورية حسبه، وأنَّ مَن ترشّح لها هُم "أبناء" بوتفليقة أنفسهم، حتّى وإنْ حاول بعضهم التنصُّل من ماضيه، أو الادّعاء بأنه كان معارضًا "العصابةَ" أو ضحيّةً لها.

وأشار علاوة حاجي إلى أن أكثر ما يثير القلق هو أنَّ معتقَلي الرأي في كلّ ولايات البلاد يفوقون بشكلٍ لا يُقارَن بسجناء ما يُسمّى "العصابة"، والذين تحوّلت محاكمتهم إلى مجرّد ورقةٍ انتخابية، لا في يد مرشّحٍ بعينه، بل في يد السلطة التي لا يشغلها حسبه سؤال على مَن سيصوّت الجزائريّون؟ بما أنّها اختارت رئيسها "الصغير والمطيع"، بقدر ما يهمُّها أنْ يُصوّت الجزائريون. وحسب حاجي فإن الانتخابات هي الحل لكن بالنسبة للسلطة طبعًا!

مسرحي في قلب الحراك

في حديث لـ"الترا جزائر"، يقول الفنان المسرحي محمد عدلان بخوش إن رأيه في الانتخابات الرئاسية كفنان مرتبط دائمًا برأي الحراك الشعبي بصفته ناشطًا فيه منذ بداياته، ويعتبر الوقوف ضد الانتخابات التي تنظمها السلطة مقاومةً لا بد منها.

ويفضل عدلان بخوش هنا مصطلح "إسقاط الانتخابات" بدلًا من "مقاطعتها"، لأن أغلبية الشعب حسبه، كانت منذ البداية مقاطعة للسياسة عمومًا وللانتخابات خصوصًا. ويضيف عدلان بخوش أن هذه المقاطعة لم تزد "العصابة" إلا تهورًا، لأن الانتخابات حسبه ليست سوى معركة في حرب هوجاء بين شعب يريد التغيير الجذري وبين سلطة غير شرعية تريد المحافظة على مصالحها.

في السياق ذاته، قال الفنان إن الشعب إذا ما أسقط هذه الانتخابات، فإنه سيقطع شوطًا لابأس به نحو هدفه المنشود، أما نجاح الانتخابات فهو نجاح للعصابة التي لطالما كانت مشاريعها شبيهة (بترشيح رجل مريض للرئاسة).

في سؤال عن الحلول التي يمكن أن يقترحها الحراك، قال عدلان إن هناك  العشرات من الحلول والخرائط المقترحة، ولكنها حسبه لا تساوي شيئًا أمام تعنت السلطة الفعلية المتمثلة في قيادة الجيش، حيث لن يكون هناك حل دون أن تأخذ هذه المؤسسة مطالب الحراك بجدية. وأضاف أن الحراك ليس حزبًا أو مؤسسة حتى يعتبر قائدًا للشعب، إنما هو انتفاضة شعب بأكمله دون قيادة جلية. أمًا تقنيًا فهو وسيلة ضغط لا غير، والحراك غير ملزم بإيجاد حلول ما دامت السلطة الفعلية ليست بيده.

 ديموقراطية الواجهة

بدوره، اعتبر الشاعر عادل بلغيث عبر تدوينة في صفحته في فيسبوك أن فعل "الانتخابوية" هو عملية تجديد للنظام السياسي على طريقة قذف أكياس الرمل من المنطاد ليعلو مرة أخرى، وهو الحنكة السياسية في التغذي بالأزمات. وقال إن الشعب الجزائري قد قام بشيء رائع، لأنه حقق تلك "اللا الجماعية" للظلم والفساد.

يضيف الشاعر الجزائري أن الطريق ما زال طويلًا جدًا،  ليس فقط بـ(لاء الجماعة) بل بإنزال هذه "اللاءات" إلى المستوى الفردي، بتبني القيم الأخلاقية التي اعتبر غيابها إلى حد الآن مقتصرًا على المستوى السلطوي، لذا فيجب استحضارها على مستوى ممارساتنا للوعي، للمسؤولية، وللحياة بشكل عام.

إن المعركة الديموقراطية في نظر عادل بلغيث هي معركة تنظيم، من يكسب التنظيم يكسب الريادة، فالحراك بلا ورقة عمل، وبتقديم عامته على خاصته، وأهازيجه على أفكاره، يبقى حراكًا غير ناضج. والحراك  حسب بلغيث هو خطوة كبيرة لا بد أن تتلوها خطوات أكبر وفق مسار متحضر، لا نفقد فيه أخوتنا من أجل اختلافنا.

الرفض باعتباره ولادة

يرى بعض الفنانين الجزائريين  أن النظام ما زال هو نفسه الذي حارب الفن والفنانين طيلة عقود في الجزائر، وأن انتخابات الثاني عشر من الشهر الجاري هي فرصة لبقايا النظام لإعادة رسكلة وجوه جديدة هي من رحم هذه "العصابة الحاكمة" ولا يمكن أن تخرج عن طوعها.

 يعبر الفنان التشكيلي كمال نزار في تصريح لـ"الترا جزائر" عن موقف رافض للانتخابات بشدة، حيث قال بأنه كفنان غير موجود أصلًا في هذه الدولة، وأضاف بأن الفنانين عمومًا وخاصة التشكيليين منهم مرفوضون في الجزائر ومحارَبون، وبالتالي هم أيضًا يرفضون بدورهم هذه السلطة التي تحارب الفن.

طالب مثقفون السلطة بالالتزام بمطالب الحراك في إزالة ما أسموه برموز العصابة الحاكمة التي ما تزال نشيطة في المشهد السياسي، ومنها أسماء ترشحت فعلًا للرئاسيات

في السياق ذاته، اعتبر نزار هذه القضية مسألة قديمة، أي بتعبير آخر كما قال: "نحن حراكيون ورافضون منذ الولادة، الولادة الفنية على الأقل لكل مؤمن بهذا الاتجاه".