16-أغسطس-2020

إيميل نولدي/ ألمانيا

 

لم تخلُ حياة الأستاذ الطّاهر وطّار من الأضواء. لكن الفيلم الوثائقي الذي أنجزه عنه الأستاذ محمد الزاوي قبيل وفاته في باريس؛ تحت عنوان "الكلام الأخير"؛ فنال عنه جوائز في بعض المهرجانات، وقام ببثه التّلفزيون الجزائريّ في ذكرى وفاته العاشرة، والكتاب الذي جمع فيه الأستاذ علي ملاحي حواراته وما كُتب عنه؛ ساهما في الحفاظ على ذاكرته أكثر من الجهود الأخرى. 
لماذا لا تتبنى مديريات الثقافة مشروع التوثيق لحيوات المثقفين والمبدعين الذين ينتمون إلى نطاقها الجغرافي
لقد وجدنا من خلال الفيلم والكتاب معًا، الطاهر وطار كما نعرف ولا نعرف. إنسانًا وفنانًا وناشطًا ثقافيًا وسياسيًا وإعلاميًا، فهزّ الحنين من يعرفونه، فيما هزّ الفضول من يجهلونه؛ فراح قطاع واسع منهم يبحثون عن رواياته وكتبه ومقالاته.
هنا نطرح هذا السؤال: ما يمنع من أن يصبح ما أقدم عليه الأستاذان الزاوي محمد وملاحي علي ثقافة عامة في حياتنا الثقافية الجزائرية؟ خاصة في ظل توفر المعطيات والامكانيات التي توفرها التكنولوجيات الحديثة؟ 
لماذا لا تتبنى مديريات الثقافة مشروع التوثيق لحيوات المثقفين والمبدعين الذين ينتمون إلى نطاقها الجغرافي؛ فتتركهم يرحلون معزولين وعُزلًا من التوثيق، لتكتفي بتعزيات جاهزة لا تغيّر فيها إلا اسم الفقيد الجديد؟ والحديث قياس على الجمعيات الثقافية ومعاهد الأدب والإذاعات المحلّية في كلّ ولاية. 
كم سيكلفها الأمر؟ ثم لماذا نتحدث عن التكلفة المالية، في ظلّ الملايير التي تنفقها على نشاطات تقام في الليل فيمحوها الصباح؟ فقد أتى علينا حين من الدهر بلغ فيه عدد مهرجاناتنا مئتي مهرجان، معظمها متشابه مثل بقر بني إسرائيل؛ لأنها وجدت أصلًا لتبييض الأموال لا لتثمين الإبداع.
لو تولّت إدارة كل مهرجان من تلك المهرجانات مهمة توثيق حيوات عشرة مبدعين في كل دورة لتوفر لنا ألفا عمل في السنة الواحدة. وعشرين ألف عمل في عشر سنوات. 
إنه لم يمرّ أسبوع على رحيل نوريّة ربي يرحمها ويوسّع عليها. فهل يجد الراغب في أن يبحث في رصيدها عملا توثيقيًا ثريًا أو كتابًا غنيًا عنها؟ 
إن المرأة باشرت التمثيل، حين كان المخرج المسرحي الجزائري يبحث عن ممثلة ولا يجدها؛ فيلجأ إلى الاستعانة بالرجال لتجسيد أدوار النساء. 
أين كانت المؤسسات المعنية بإنجاز ذلك؟ والحديث قياس على عشرات المبدعين في مختلف المجالات والحقول. 
لقد حان الوقت لأن نلوم من ساهم في دفن المبدع بالإهمال؛ من النشطاء والباحثين والإعلاميين والمشرفين على المؤسسات المعنية المختلفة، عوضًا عن الاقتصار على لوم المسؤول الحكوميّ الذي فاته أن يحضر عملية الدفن بالتراب.  
أعلم أنها فقرة مكرّرة، لكن هل يبقى لمديرية الثقافة، في ولاية من الولايات؛ أو للجمعية الثقافية؛ أو للإذاعة المحلية؛ أو لمعهد الأدب والفنون في الجامعة؛ معنى أو قيمة أو مبرر وجود؛ في ظلّ ترك قامات إبداعية ترحل من غير توثيق يليق بأرصدتها وبحاجة الأجيال القادمة إليها؟ 
لماذا نحن ساديون في التعامل مع ذاكراتنا؟ هل نخاف منها أم نغار؟ فحتى على المستوى الشعبي لا نهتم بالتوثيق. 
كان جار لي مصدومًا برحيل جدته المولودة عام 1938، فصدمتُه أيضًا بهذا السؤال: أنت تملك هاتفًا ذكيًا منذ خمس سنوات على الأقل؛ فلماذا لم تستغلّه في توثيق ذاكرة جدتك؛ ليكون ذلك ضمن أرشيف العائلة؟
أدعو المركز الثقافي الفرنسي بفروعه السبعة إلى أن يتولى مشروع توثيق حيوات بقايا مثقفينا وفنانينا ومبدعينا
أدعو المركز الثقافي الفرنسي بفروعه السبعة إلى أن يتولى مشروع توثيق حيوات بقايا مثقفينا وفنانينا ومبدعينا. فلعله إن فعل؛ تتحرك الحمّيّة في كياناتنا الثقافية؛ فتقوم بواجبها في هذا الباب.
 
اقرأ/ي أيضًا: