28-نوفمبر-2021

في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

أفرزت النتائج الأولية للانتخابات المحلية الجزائرية، مشهدًا سياسيًا ضبابيًا، رغم تقدم العشرات من الشباب للترشّح في قوائم حزبية أو مستقلة، ورغم أن الموعد السياسي يأتي آخر محطة من استكمال المؤسسات السياسية في البلاد منذ الحراك الشعبي في الـ 22 شبّاط/فيفري 2019.

لمين عصماني: الأحزاب السياسة في الجزائر لم ترق بعد إلى مؤسسات حزبية نضالية تنتج الأفكار والحلول لانشغالات المواطنين

بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع الخاص بانتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية الذي جرى عبر كامل التراب الوطني 35.97 بالمائة عند غلق مراكز التصويت، بينما بلغت 34.39 بالمائة بالنسبة لانتخاب أعضاء المجالس الولائية، حسب ما أعلن عنه رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات المحلية.. نسبة المشاركة بلغت 35.97 %

في قراءة من زاوية الفِعل الحزبي في الجزائر، فإنّ المفاجآت لم تحدث فيما تعلّق بتصدّر الأحزاب التي اعتلت المشهد السياسي في الجزائر منذ عقدين من الزمن، في شاكلة حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وبأقل حضور جبهة المستقبل، التي تحسب في مجموعها على تيّار الموالاة، بينما ظهرت في الساحة القوائم المستقلة التي تبارزت في المعترك الانتخابي بشكلٍ لافت منذ فتح المجال للشباب للترشح، وتقديم ضمانات الممارسة السياسية لجيل الكفاءات في شتى المجالات.

غير أن السؤال الجوهري الذي يطرح بإلحاح في هذه المناسبة السّاخنة من ناحية التجربة الانتخابية المحلية هو: لماذا لا يمكن أن نقوم بتوقعات عن الفائزين في الانتخابات الجزائرية؟ أي تغيير سياسي نرجوه في ظلّ بقاء بعض المكونات السياسية هي من يتصدر المشهد؟ ولماذا تبقى المؤسّسة الحزبية بعيدة كلّ البعد عن النضال السياسي وتحمل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع في الجزائر؟

محطّة أولى

هي أسئلة حارقة وما سواها كثير؛ إذ يعتبرها البعض من المهتمين بالسياسة في الجزائر "سجلًا سياسيًا مناسباتيًا" يختفي بانتهاء "العرس الانتخابي"، ويظهر بظهور الحاجة الماسة إليه في عدة محطات سياسية واجتماعية.

المعركة الانتخابية للمحليات في الجزائر، كانت باردة جدًا مع برودة الطقس وبرودة الإقبال الجماهيري، وهي علامة من علامات فقدان الثقة في الكيانات السياسية التي تنشط في الساحة وبمختلف توجهاتها وخلفياتها، ومختلف أطرها المكونة لها، إضافة إلى كلّ هذا سجّلت بعض البلديات غياب مرشّحين أصلًا وهو ما يستدعي تدخّلًا قانونيًا لملء هذا الفراغ.

الملاحظة الأولى التي برزت في اليوم الانتخابي، عدم اكتراث المواطن للانتخابات، حتى وإن سجلت السلطة الوطنية للانتخابات نِسب مشاركة متفاوتة ونال كثير من المترشّحين حقّهم من الأصوات ممن تقدموا للانتخاب، وممارسة حقهم الدستوري لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية والولائية، فهي في حدّ ذاتها أرقام تحتاج للقراءة المتأنية، خصوصًا وأنّ البعض يرى هذه الأحزاب سجلًا سياسيًا يتخذه المرشحون وسيلة للوصول إلى منصب دون أن يكون المرشّح مناضلًا سابقًا ضمن توليفة الحزب المشكلة للتقدم للانتخابات.

منافسة استعجالية؟

حقيقة لا مرية فيها، أن بعض الأحزاب الموجودة في الساحة، وضعت قوائمها على عجل"، لتشكيل الأسماء المتقدّمة للمنافسة واللحاق بها في مواعيدها المحددة، بحسب تصريح الأستاذ في علم الاجتماع السياسي فريد علالي، لافتًا إلى أنه في المقابل من ذلك لم يشهد لها بالنضال السياسي سواء في دواليب الحزب المعني، أو لم يكن لها دور ملحوظ في الساحة من خلال جمعيات المجتمع المدني، أو تقديم برامج سياسية واجتماعية تحظى بثقة المواطن.

في هذا المنحى يعتقد الأستاذ لعلالي في حديثه لـ" الترا جزائر" أن الحزب السياسي هو عبارة عن "مدرسة للتكوين والتنشئة السياسية والمشاركة في تحمل المسؤولية الاجتماعية لأوضاع البلاد، ومراقبة عمل الحكومة، وليس للتزكية والتنويه والتثمين فقط"، على حدّ قوله.

ومن هذه الرؤية، قال المتحدّث إنّ "المجتمع برمته هو خزّان لتشكيل النخب السياسية التي تضمن العمل السياسي وتموين مؤسسات الدلة بالكوادر التي تسهر على تسيير الشأن العام في المجتمع".

وواصل أن الحزب السياسي من شأنه أيضًا "ترسيخ المشاركة السياسية لدى المواطنين من خلال اختيار ممثليهم في الاستحقاقات الانتخابية"، غير أن الفيصل هاهنا هو "التنافس حول الأفكار والبرامج"، كما قال.

الغائب الأكبر

في جولة عامة، خلال الحملة الانتخابية، وتسجيل بعض تدخّلات رؤساء الأحزاب والمرشحين الأحرار، حضرت الوجوه والقوائم والبرامج المستعجلة، وغابت الرؤية الفعلية، هكذا وصف بعض المتابعين لتدخلات المرشّحين عبر مختلف القنوات الإعلامية سواء في التلفزيونات والإذاعات ووسائط التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى القنوات الاتصالية الجماهرية عبر التجمعات والفعاليات الشعبية.

إن كانت الانتخابات هي الوسيلة الأساسية للتعبير عن سيادة الشعب، فإن الأحزاب السياسية في الجزائرية تعيش موجة اهتزاز كبرى، خصوصًا بعدما فقدت واجهاتها السابقة من وجوه كانت في دواليب الحكم، سواء في الحكومة أو في مناصب عليا في الدولة.

ومن خلال هذه الصورة، يبدو أن المظهر الذي سيسطر على الأحزاب الناشطة في الساحة هو إعادة ترتيب بيتها من الداخل واستقطاب مناضلين جدد، وتقديم رؤى واضحة لتهيئة الظروف السياسية والاجتماعية، والتمكن من إقناع المواطن بالتغيير.

هنا، اعتبر رئيس حزب "صوت الشعب" لمين عصماني أن الأحزاب السياسة في الجزائر لم ترق بعد إلى مؤسسات حزبية نضالية تنتج الأفكار والحلول لانشغالات المواطنين، لافتًا إلى أن الحزب السياسي في الجزائر ما زال في سنّ المراهقة أو بالأحرى يحاول التموقع في الميدان، على حدّ قوله.

وقال عصماني في حديث لـ"الترا جزائر" في خضم مجريات الانتخابات المحلية أن المواعيد السياسية هي من تحكم على مدى قوة وتموقع الحزب السياسي في الساحة، لكن في التجربة الجزائرية لا زلنا بعيدين كلّ البعد عن ذلك.

وفي هذا المضمار، يرى عبد الله سلام العضو في حزب "الفجر الجديد" أن الأحزاب السياسية لم تتمكّن بعد من تشكيل كتلة ناخبة صلبة بإمكانها أن تنتخب على البرامج وليس على الولاءات ومنطق العشيرة"، على حدّ قوله.

انحصرت مطالب الأحزاب حول عملية تعديل قانون البلدية وتوسيع صلاحيات المنتخب المحلي

قد تفسر العملية الانتخابية الأخيرة في بناء المؤسسات الجزائرية، على كونها تأتي في ظروف التغيير التي يطمح إليه الجميع، غير أنها رغم ذلك، تعطي عديد المؤشرات على العودة إلى أحزاب الواجهات في المناسبات الانتخابية، إذ لم نشهد تدافع في الأفكار والبرامج وتقديم للحلول لعديد المشكلات التي يتخبط فيها المواطن، بل انحصرت مطالب الأحزاب حول عملية تعديل قانون البلدية وتوسيع صلاحيات المنتخب المحلي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المحليّات.. عراقيل التنمية في البلديات رهينة "صلاحيات" المنتخبين

لعمامرة: تاريخ الـ27 نوفمبر يومٌ مهمٌ في حياتنا السياسية