المرأة في الأعمال الدرامية الجزائرية.. كيف نكسِر القوالب النّمطية؟
15 مارس 2025
تتعاقب المواسم الرّمضانية، وتتوالى الإنتاجات الدّرامية المختلفة على الشاشات التلفزيونية عاماً بعد عام، وفي كلّ سنة تصعد إلى السّطح نِقاشات كثيرة متكرّرة ومكرّرة، وخلافات حول جودة ما يتمّ تقديمه للمُشاهد، إضافة إلى انتقادات تطال مستويات التّمثيل والإخراج، كتابة السّيناريوهات والحوارات ومشاكل الإنتاج.
كنزة خاطو: على عكس السنوات الماضية لم تعد النساء محصورات في أدوار الأم المضحّية، الزّوجة المُعنّفة، أو الفتاة المتمرّدة ذات النهاية المأساوية
في قلب كلّ ذلك، يبقى تمثيل أدوار المرأة في هذه الأعمال من أكثر القضايا إثارة للجدل بين المتابعين، لتصبح من بين أكثر العناصر تعرُّضاً للإنتقاد، في التجمعات العائلية، المقاهي، في الشارع، أو على مختلف مواقع التواصل.
من خلال متابعة هذه الأعمال، يبدو جليّاً أنّ أدوار المرأة على كثرتها واختلافها، ما تزال محصورة في زوايا ضيقة تصنعها العديد من الأحكام المجتمعية التي تفرضها تقاليد عتيقة وأحكام دينية دخيلة وذاتية، تُطلقها فئات مختلفة من المواطنين، سواء حول أدوارها في السينما بشكل عام (وبنسبة أقل)، أو في الدّراما بشكل خاص، بما أن المسلسلات تدخل بيوت الجزائريين بشكل أسهل من الأفلام عبر قنوات التلفزيون.
تُعامَلُ المرأة على أنّها الحلقة الأضعف في القصّة، وما تزال تخضع إلى من يحدّد مصيرها في مختلف القصص والحوارات التي تعالجها أعمالنا الدّرامية، فهي الزّوجة المُعنّفة (قليلة الحيلة) التي لا تملك القرار في علاقتها الزّوجية ولا في منزلها، وهي الفتاة التي تُجبر على الزّواج أو على المكوث في البيت او الاعتماد على رجل للعيش، إن أخطأت أو لم تُخطئ، فقط لأنها قد -تجلب العار-
تتعرّض المرأة في هذه الصّور المجسّدة للتّعنيف بسبب ودون سبب، فتُصوَّر مثلاً على أنّها قد تضع الحجاب كنوع من العقاب والإخفاء، لِتُحاكَم عليه بعدها لأنّها تسيء له -حسب المنظّرين- إن هي ارتكبت خطأ ما وهي ترتديه.
وكما تُصوّرها مختلف المسلسلات المقدّمة منذ سنوات طويلة؛ تُحشر المرأة في بقعة مُظلمة أو قليلة الضّوء كفرد خاضع لأحكام العائلة والمجتمع والدّين والذّكورية الّتي تهيمن على المجتمع، حتّى لو ظهرت مؤخرا في أعمال جديدة (على قلّتها) لتمنحها - على استحياء-صوتاً واستقلالية وتقديراً، وبعض الإشارات الخجولة، من خلال شخصيات تمرّدت على السّلطة الأبوية ومحرّمات المجتمع، لتُنتقد في الأخير من قِبَل المُشاهد، وتصوّر على أنّها عُنصر مؤامرة على قيمه وتقاليده.

أسئلة.. المرأة في مرآة السينما
ما العمل إذن؟ كيف يمكن توجيه هذه الأعمال إلى زوايا أكثر انفتاحاً نحو كينونة المرأة الحقيقية ودعم دورها الكبير في المجتمع؟ كيف يُمكن ترسيخ فكر مجتمعي مختلف يحترم صورة المرأة ولا يسجنها في قالب دونيّ؟ فكرٍ يروّج لصورة أكثرَ إشراقا من خلال كتابات جادّة تتوقّف عن تقزيم دورها وتشويهها وحصرها في أدوار تسيء لها، وترسّخ صورة نمطية لدى الأجيال لعنصر هامشيّ ضعيف بلا حيلة؟
هل علينا تكوين المخرجين وكتّاب الدّراما ليكونوا أكثر فطنة وذكاء في كتابة وتجسيد سيناريوهات وأدوار أكثر وعي وأكثر تقدير للمرأة؟ أم أننا بحاجة إلى تثقيف الممثّلات والممثّلين وتوعيتهم تجاه خياراتهم للأدوار؟ أو ربّما العمل على زيادة وعي المشاهد الجزائري ليطالب بذلك؟
لم لا نُطالب بمساهمة الجهات الرّسمية المعنية في طرح هذا الفكر شيئاً فشيئاً من خلال تحرير الإنتاج الدرامية والسينمائيّ المقدَّم، وعدم رفع سيف سُلطة الضّبط في وجه هذه المحاولات، ودعم حرية الإبداع والابتعاد قليلاً عن تمجيد ممارسات الماضي والترويج لها والتبرّك بها؟!
كيف يمكننا الوصول إلى أعمال فنية ناضجة ومختلفة تفي المرأة حقّها في تركيبة مجتمعية مبهمة الملامح، بعيدا عن ملاحقة نسب المشاهدات على حساب كرامتها وكينونتها؟

أدوار المرأة الدّرامية تحت الضّوء
تقول الصحفية والنّاشطة النّسوية كنزة خاطو في تصريح لـ" الترا جزائر" إنّها لاحظت من خلال متابعتها لبعض الإنتاجات الرمضانية نوعًا من التقدّم في تمثيل النّساء، وهو ما يتجلّى في الأدوار التي قدّمنها، وعلى عكس السّنوات الماضية، تلاحظ المتحدّثة وجود شخصيّات نسائية بعيدات عن الأدوار النّمطية التقليدية التي غالبًا ما تحصر النّساء في صور الأمّ المضحّية أو الزّوجة المُعنَّفة أو الفتاة المتمرّدة التي تكون نهايتها مأساوية.
وكأمثلة عن بعض الأعمال حسب كنزة خاطو؛ مسلسل "طيموشة" (الجزء الثالث)، حيث تُجسّد الممثلة "مينة لشطر" فيه دور مديرة عامة لشركة إنتاج واتصال (فاطمة الزهراء عنباوي)، وتعمل إلى جانب زميلتيها نوميديا لزول (كاميليا) وياسمينة عبد المومن (نفيسة)، ما يعكِس صورة جيٌدة للمرأة الناجحة في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، تُشير المتحدثة إلى مظاهر التّضامن النّسائي و"الأُختية" خلال أحداث المسلسل، وهو عنصر نادر في الدراما الجزائرية، لكنّه ضروريّ حسبها، لمواجهة الصّور النّمطية التي تصور علاقات بين النساء مبنية فقط على الغيرة والصراعات مثلاً.
من جهة أخرى، تُذكّر كنزة خاطو أيضا مسلسل "الأرض"، حيث تؤدّي نوميديا لزول دور صحفية، وهو -حسبها- تمثيل مهم للنساء العاملات في المجال الإعلامي، حيث نجد مشهد رمزي جدًا تتخلى فيه الصحفية عن فكرة الزواج على حساب مهنتها، وهي رسالة قوية تعكس التّحديات التي تواجهها النّساء عند اتّخاذ قرارات مرتبطة بحياتهنّ المهنية والشّخصية.
يعكِس مسلسل "طيموشة" (الجزء الثالث) صورة جيِّدة للمرأة الناجحة في المجتمع.
أمّا في مسلسل "لي فات مات، نقطة فاصلة" للمخرج كريم موساوي وقصة الإعلامية ياسمين مسوس، فقد تمّت معالجة قضايا حساسة، ومحاولة لكسر طابوهات مجتمعية مثل معاناة النساء خلال العشرية السوداء حسب المتحدّثة.
تُذكّر النّاشطة أيضاً شخصية نعيمة التي أدّتها "مونية بن فغول" وهي خريجة من الجامعة لكنّها ماكثة في البيت بسبب تحكم زوجها، وتُحاول شخصيتها تغيير الأمور وفرض قرارها في البحث عن العمل، في رسالة واضحة حول أهمية تمكين النساء من حقوقهن الأساسية.
إضافة إلى ذلك، تؤكد كنزة أنها تشاهد لأوّل مرة مسلسلاً يوجّه رسالة مباشرة إلى ضحايا العنف والاغتصاب في إحدى حلقاته، وتحديدًا في اليوم العالمي لحقوق النساء (8 مارس)، حيث كتب المخرج كريم موساوي في جنريك النهاية: "إلى كلّ امرأة سُلِبَ صوتُها، نحن نسمعكِ ونناضل من أجلكِ"، وذلك بعد مشهد يُفهم أنّه تعرّض امرأةٍ لعنف جنسي أو اغتصاب.

إيجابياتٌ غير كافية
إجمالًا، ترى النّاشطة والصحفية كنزة خاطو أنّ "هناك تحرّكًا إيجابيًا نحو كسر الطّابوهات وإدراج قضايا العنف ضدّ النّساء وتمكينهنّ داخل الأعمال الدرامية الرمضانية. صحيح أنّ التقدّم لا يزال بطيئًا، لكنه ملموس مقارنة بالسنوات السابقة". ومع ذلك، لا تزال الحاجة قائمة لمعالجة هذه القضايا بعمق أكبر وعدم الاكتفاء بطرحها بشكل سطحي أو رمزي.
إشكاليات أدوار المرأة في الأعمال الدرامية
في سياق آخر، تُشير النّاشطة كنزة خاطو إلى أنّ أكبر إشكالية تواجه تمثيل النّساء في الدراما الرمضانية الجزائرية هي إعادة إنتاج العنف داخل الأعمال الفنية، سواء في المسلسلات، الكاميرات الخفية، أو حتى الإشهار، إذ في كثير من الأحيان، يتمّ التطبيع مع العُنف ضدّ النّساء في هذه الانتاجات، كما يستخدم لإضافة الإثارة بدل أن يكون طرحًا نقديًا حقيقيًا لهذه الظاهرة.
هناك تحرّكًا إيجابيًا نحو كسر الطّابوهات وإدراج قضايا العنف ضدّ النّساء وتمكينهنّ داخل الأعمال الدرامية الرمضانية
تُضيف المتحدّثة، أنهنّ كناشطات وصحفيات نسويات، لطالما ندّدن بذلك، لأن العنف، حتى لو كان "تمثيلًا"، عندما يُعرض بشكل مُتكرّر دون تفكيك أسبابه وتقديم حلول له، يساهم في تكريسه داخل المجتمع.
من جهة أخرى، فإنّ المُمثّلات اللّواتي يقدّمن أدوارًا نسائية قوية وغير نمطية يتعرّضن بدورهنّ لهجمات على مواقع التّواصل الاجتماعي، حيث يتمّ استهدافهنّ شخصيًا بسبب أدوارهن.
على سبيل المثال، في مسلسل "لي فات مات، نقطة فاصلة"، تعرّضت الممثلة "مريم آيت الحاج" لهُجوم إلكتروني بسبب مشهد اشترت فيه كاشف حمل لابنة عمها، حيث تمّ اعتبار ذلك "غير مقبول أخلاقيًا" من طرف بعض المتابعين، مما يعكِس "استمرار الذهنية الذكورية التي تراقب حتى ما يُعرض في الأعمال الخيالية"، وقد تعرّضت أيضا الممثلة عديلة بن ديمراد لهجوم آخر بسبب مشاركتها في مسلسل "الأرض"، حيث ربط البعض بين شخصيتها في العمل ومواقفها الحقيقية كمُدافعة عن حقوق النساء.
تقول المتحدثة هنا أنّ بعض الأعمال لا تزال تُرسِّخ الصورة النمطية للمرأة إذا نظرنا إلى بعض الشخصيات النسائية، "حتى عندما تُحاول هذه الأعمال تقديم شخصيات نسائية قوية، فغالبًا ما تُصوَّر في إطار مُحدّد يُرضي التصورات الذّكورية للمجتمع"، مثلًا أن تكون ناجحة ولكن في النهاية تبحث عن الاستقرار عبر الزواج.. أيضًا، هناك تركيز كبير على جمال المرأة وشكلها الخارجي، بالإضافة إلى تصويرها في بعض الأحيان كضحية تحتاج إلى إنقاذ.
لذلك، رغم وجود تقدّم، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى أعمال درامية أكثر جرأة في تقديم شخصيات نسائية قوية ومستقلة دون التقيّد بالنظرة النمطية التي يريدها المجتمع الذكوري.
هامشيّة وعنصر جمالي سطحيّ
من جهته، يقول المدون المختص في الشّأن الاجتماعي والسياسي رمزي بودن أنّ صورة المرأة في الدراما الجزائرية بقيت كما كانت دوما، هامشية ونمطية مُتكرّرة لا تتوافق مع دورها في الواقع المجتمعي الذي كان من المفروض أن تقوم الدراما بتمثيله.
رغم بعض التقدم لا تزال هناك حاجة ماسة إلى أعمال درامية أكثر جرأة تقدم شخصيات نسائية قوية ومستقلة بعيدًا عن النظرة النمطية
والملاحظ أنّه لا يتمّ التعامل معها كشريك حقيقي، بل كعنصر جمالي سطحي لا دور له غير تزيين الحبكة دون تأثير أساسيّ على مسار الأحداث في كلّ الأعمال دون استثناء واحد وهذا له من الأسباب ما يطول شرحه.
يضيف رمزي بودن في السياق ذاته أنّ النزعة الذكورية المهيمنة على مجال الانتاج الدرامي، ومن دون شك، هي سبب رئيس رغم أنّها ليست سوى نتيجة للهيمنة الذّكورية على المؤسّسات والمجتمع، وهذا ما ساهم في إسقاط التّصورات التّقليدية نفسها على الأدوار الأنثوية باعتبارها أدواراً عاطفية مبالغ فيها ولا تخرج في مجملها عن نطاق المظلومية والخُضوع والتّنازل، لتنتهي بالتحول إلى مادة دسمة للتّنمر على مُختلف وسائط التواصل.
مُحاباة الحساسية الشّعبية
يلمس رمزي بودن ذلك الخوف من أيّ طرح جريء للمرأة من طرف المخرجين وكتّاب السّيناريو بسبب الحساسية الشعبية من جهة والرّقابة المؤسسية من سلطة الإعلام أو المعنوية من طرف التيارات الفكرية والسياسية المحافظة من جهة أخرى.
رمزي بودن لـ" الترا جزائر": من الضروري فتح حوار مجتمعي جادّ ومُقنع تقُوده نخب ثقافية وفنية وسياسية ثم يجهّز الجُمهور لأعمال درامية تكسر القوالب النّمطية للمرأة
كما أنّ المنتجين -حسبه- لا يفضّلون المخاطرة الفنية في خضم هذا الجوّ الخانق في ظلّ تهرّبت المنظومة السياسية من واجبابتها في حماية الحرية الابداعية باعتبارها الباب الأول نحو نقد ومراجعة الواقع المجتمعيّ بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية.
بالنهاية، يرى المتحدث أنّ تغيير هذا الواقع صعب جدا بالنّظر للظروف المحيطة، لكنّه ينطلق أولا من تعزيز وجود المرأة في الصّناعة التّرفيهية بدء من الكتابة حتى الإخراج وليس فقط على الدّيكور والأزياء، وفتح حوار مجتمعي جادّ تقوده نخب ثقافية وسياسية وفنية يُقنع ثم يجهّز الجمهور لأعمال درامية تكسر القوالب النمطية للمرأة، ثم تخفيف الرقابة السلبية بشكليها المؤسسي والمعنوي والتي لا تكون سوى بحماية مشاريع الإبداع الفني باعتبارها مجدّدة ذات رسالة نقدية يجب الالتفات إليها.
يؤكّد رمزي بودن أنّ كلّ هذا لا يتم دون الإرادة السياسية لأنها الوحيدة القادرة على تغيير العقليات المتحجّرة التي ترفض بحساسية مفرطة وبإنكار لا مبرّر له كلّ عمل يحاول طرح مشاكل المرأة في المجتمع الجزائري، وما أكثرها، فهم لم يكتفوا برسم الحدود للمرأة في الواقع بل ويريدون ذلك أيضا في التلفزيون!.
الكلمات المفتاحية

حيوانات صحراوية نادِرة تكشف أسرارها في فيلم "السّاورة"
لو سألت الجزائريين عن موقع منطقة "السّاورة" ومُميزاتها، فستُفاجَأ بتعدُّد الرُّدود وتنوُّع الأجوبة، غير أنّ أغلبها سيرُكّز على كونها منطقة صحراوية، ممّا يعكِس الصورة النّمطية السائدة لدى الكثيرين عن الصحراء بشكل عام.

"كنابست" تستنكر تواصل خصم أجور وتجميد مِنح الأساتذة بعدد من الولايات
أكدت نقابة "كنابست" أنّ وزارة التربية الوطنية "أخلت" بالتزاماتها بشأن رفع التجميد عن منحة الأداء التربوي (المردودية) وإرجاع أيام الخصم بدءًا من شهر آذار/مارس الماضي.

طقس الجزائر.. أمطار ورياح عاتية عبر 13 ولاية
حذّر الديوان الوطني للأرصاد الجوية، اليوم الاثنين، من تساقط أمطار رعدية غزيرة ورياح قوية على عدّة ولايات من الوطن.

حوار| المُؤرّخ الفرنسي كريستوف لافاي: المُصارحة حول الجرائم الاستعمارية أساس المُصالحة بين الجزائر وفرنسا
يستعرِض المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة "بورغون" الفرنسية، تجربته الاستقصائية في البحث التاريخي حول الجرائم الاستعمارية التي ارتُكبت في الجزائر خلال الثورة التحريرية. وقد مرّ لافاي بمسار وتحوّل كبير، إذ ترك خلفه 12 عاماً قضّاها ضابطًا في الجيش الفرنسي، ليكرّس حياته لاحقًا للبحث العلمي الرصين.

رغم الفوز.. شباب قسنطينة يغادر كأس "كاف" من الدور نصف النهائي
أقصي شباب قسنطينة في الدور نصف النهائي لكأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، رغم فوزه يوم الأحد، في مباراة الإياب أمام نهضة بركان بنتيجة 1-0 ، بملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة.