23-يناير-2022

عرفت الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر مقاطعة غير مسبوقة (تصوير: مصعب رويبي)

لم يدخل المشهد السياسي الجزائري في حالة من السكون والركود من قبل كما يعرفه واقع الحال اليوم؛ فالمشهد يكاد يخلو من النقاشات المفتوحة، وأصوات النخب والمحللين والمتابعين ترفض الإدلاء برأيها فيما يجري على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يبدو أن المردود الفعل السياسي في الجزائر في تراجع رغم تشبع الملفات التي تهم المواطن الجزائري، فما هي أسباب هذا الانسحاب؟ هل هو الضيق العام الذي تشعر به الأحزاب السياسية؟ أم أن حساسية المرحلة على الصعيد الإقليمي ركنت الأحزاب والشخصيات السياسية في قائمة الانتظار؟

عماد بوبكري: القمع والمتابعات القضائية للنشطاء والأحزاب السياسية يُعد عاملًا أساسيًا في تراجع التجنيد والنضال

الأسباب والدوافع

في سياق الموضوع، يؤكّد عماد بوبكري، إعلامي وناشط سياسي، أن الساحة السياسية تشهد ركودًا وتراجعًا في الديناميكية السياسية بعد حراك شعبي كبير، وفي تقدير بوبكري فإن القمع والمتابعات القضائية للنشطاء والأحزاب السياسية يُعد عاملًا أساسيًا في تراجع التجنيد والنضال، على حدّ قوله.

شاهد: تغطية لهذا الملف والملفات الإخبارية الراهنة عربيًا ودوليًا على شاشة التلفزيون العربي أخبار

يرى محدث "التر جزائر" أن التضييق في الساحة السياسية ناتج عن تنفيذ أجندة السلطة، والتي تريد أن تفرض أحاديه الرؤية والاتجاه، دون الانفتاح على المجتمع والفاعلين، وزاد أن "عدم تَوفر مساحات الحريةـ ونزاهة العملية الانتخابية تسببا في عزوف فئات مجتمعية عن الشأن السياسي".

يُشير عدد المعتقلين من الناشطين السياسيين والصحافيين في البلاد في السنتين الأخيريتين، إلى تراجع حرية الصحافة والرأي، ووتوجّه السلطة نحو مزيد من التصعيد ضدّ الاحتجاجات متحجّجة بالأزمات الخارجية والمؤامرات والتواترات الأمنية على حدود البلاد، هنا يقول بوبكري إن التصحّر الإعلامي وتراجع حرية الصحافة والضغوط التي تخضع لها وسائل الاعلام قيضت السجلات السياسية والنقاشات المضادة.

وبحسب المتحدث فإن تراجع الفضاء الحرياتي لا يلغي ضعف الطبقة السياسية والمجتمع المدني من ناحية التخطيط والاستشراف والقدرة على التجنيد، وبعث وخلق نقاشات عبر الاعلام البديل وفضاء سوشيل الميديا، على حدّ تعبيره.

ومن بين عوامل الركود المشهد السياسي، أفاد الناشط السياسي أن الأزمة الصحية ساهمت بقسطٍ كبيرٍ في تراجع النشاط الحزبي والسياسي، نظرًا لإجراءات الوقاية والحماية من "كوفيد 19"، موضّحًا أن المجتمع أصيب بالإحباط والخبيبة بسبب عدم تحقق مطالب الحراك الشعبي، وذكر بوبكري أن الدور السلبي للمعارضة والناشطين الموجودون بالخارج أدى إلى تلويث الساحة السياسية، وزاد من ضبابية المشهد السياسي مما تسبب في غياب الأفق السياسية.

يذهب عماد بوبكر إلى حدّ اعتبار أن عودة نقاشات التسعينيات في زمن العشرية السوداء، جعل جزءًا من الشعب يتوجس أكثر من خطاب المعارضة، الفاقد للمضمون السياسي المثمر والهادف، بحسب أقواله.

مسؤولية الأحزاب السياسية

من جهته، تأسف عادل أورابح، المحلّل السياسي في حديث إلى "التر جزائر" من أن الديناميكية السياسية التي صنعها الحراك الشعبي طيلة عامين، لم تُترجم بشكلٍ فعال على مستوى الأداء السياسي والممارسة الحزبية، وتعود الأسباب في نظر محدثنا إلى التأطير الأمني للمجتمع، موضحًا أن تقلص مساحات الحريات الفردية والجماعية أثّر بشكل كبير في احتضار المشهد السياسي.

التأطير الأمني، بحسب ورابح، انعكس سلبًا على أداء المجتمع المدني والمؤسّسة السياسية، اللذان يعملان على خلق نوع من الاهتمام بالشأن العام والتأطير الجماهيري المقنن والمنظم، مستطردًا أن العوامل المذكورة لا تُقلل من مسؤولية الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، وأشار أن نشاطها بات محصورًا في المواعيد الانتخابية، والتي أثبت فشلها في مصالحة الجزائريين مع الشأن السياسي، برغم من تراجع أشكال التزوير التقليدية، على حدّ قوله.

وفي تقدير المحلل السياسي، فإن مستقبل الحياة السياسية سيبقى راكدًا على الأقل إلى غاية نهاية العهدة الرئاسية الحالية، موضحًا أن فشل الأحزاب السياسية في لإفراز تمثيل سياسي واسع في المواعد الانتخابية دليل أن الجمود سيطول لزمن طويل.

إجراء حل الأحزاب السياسية

تجدر الإشارة أن وزارة الداخلية لجأت في الفترة الأخيرة إلى القضاء لمباشرة حل أحزاب سياسية وجمعيات مدنية معارضة، بدعوى مخالفتها للقوانين والتشريعات السارية، ويتعلق الأمر بـ "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" التي تقوده القاضي السابقة زبيدة عسول و"حزب العمال الاشتراكي" وجمعية "تجتمع وعمل شبيبة" القريبة من "جبهة القوى الاشتراكية".

كما راسلت وزارة الداخلية مراسلة إلى حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مهددة بإحالة ملفه على القضاء، بسبب ممارسة أنشطة مخالفة للتشريعات واحتضان تجمعات غير مرخصة.

في سياق الموضوع، رفض مجلس الدولة يوم الخميس الفارط، طلب وزارة الداخلية بوقف نشاط حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" بقيادة زبيدة عسول، وعلّقت رئيسة الحزب إن مجلس الدولة رفض مؤقتًا دعوى وزارة الداخلية الاستعجالية بسبب عدم التأسيس اليوم 20 كانون الثاني/جانفي 2022، مشيرةً أن السلطة تعمل على تصفية حساباتها مع كل الأصوات المعارضة في البلاد، مؤكدة أن حزبها يدفع ثمن مواقفه ثابتة.

في مقابل ذلك، قرر مجلس الدولة  تجميد نشاط حزب العمال الاشتراكي وغلق مقراته مؤقتًا.

 أدان حزب العمال التي ترأسه لوزيرة حنون استخدام السلطات القضاء من أجل حل الأحزاب السياسية

في هذا السياق، أدان حزب العمال التي ترأسه لوزيرة حنون استخدام السلطات القضاء من أجل حل الأحزاب السياسية، وتوظيف العدالة في سجن رئيس حزب سياسي، وذكرت أن هذا المسعى غير مقبول.

وفي ظلّ المنظومة السياسية الحالية، لابد على المؤسسات الحزبية الانطلاق نحو التجديد وتعزيز التكوين السياسي والاستثمارات في المكتسبات مع مراعاة الظروف الإقليمية والدولية والتدرج في المطالبة والمغالبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية حلّ حزب عسول مؤجلة إلى تاريخ غير معلوم

حوار | زبيدة عسول: الانتخابات لن تحل الأزمة وشرعية الرئيس ستكون مهزوزة