14-يونيو-2018

المطبات في الجزائر، في الشوارع والواقع الثقافي والفني (مواقع التواصل الاجتماعي)

حين اهتدى مهندسو الأشغال العمومية في أوروبا والدّول المتقدّمة بلغة عادل إمام في فيلمه "الإرهاب والكباب" إلى وضع ممهّلات (مطبات) في الطّرق السّريعة والبطيئة، وفق مقاييس دقيقة جدًّا؛ كانوا يهدفون إلى تيسير السّير وتسييره بما يحفظ أعصاب الساّئق والمارّة والمركبة معًا. للمركبة أعصاب يجب أن تُراعي أيضًا. لكنّ المتأمّل للمعايير، التي وُضعت على أساسها الممهّلات في طرقات الجزائر، لا يستطيع أن يقول إنّ هدف واضعيها هو ما ذُكر سابقًا.

ترتبط المطبات في أذهان الجزائريين بالعرقلة والتثبيط، لا بحماية المارة، فـ70% منها لا يتوافق والمعايير العالمية بل الإنسانية أصلًا

لقد أكّد مختصّون أنّ ما نسبته 70% منها لا يستجيب للمقاييس العالمية ومنها الإنسانية بالضّرورة. وعليه فإنّ الممهلات باتت مرتبطةً في أذهان الجزائريين بالعرقلة والتثبيط لا بحماية المارّة.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة "من أجل حي نظيف" تعيد الحياة لمدن جزائرية

ورغم أنّ وزارة الأشغال العمومية، أصدرت مرسومًا عام 2006، تضمّن المعايير والمواصفات، التي يجب أن تُعتمد في إنجاز المطب في بقعة ما، إلا أن الأمر بقي حبرًا على ورق في أماكن كثيرة، ذلك أنّ المؤسّسات البلدية الجزائرية لا تؤمن باستشارة العلم والفن في ما تنجزه، فهي لا تستند إلى مواصفات الممهّل في هذا المرسوم، بل إلى مواصفاته في رؤوس عمّالها غير المكوّنين، فيطلع الممهل كأنّه وضع لفيل لا لسيّارة دفع صاحبها من أجلها "دم فؤاده".

سألت مرّة صديقًا يملك محلًّا في بيع قطع غيار السيارات، عن مدى مساهمة توسّع الحظيرة الوطنية للسّيارات، بسبب تزايد عدد السكّان وانتشار ثقافة القروض البنكية -إذ باتت تتوفّر الجزائر على خمسة ملايين سيارة- في انتعاش تجارة قطع الغيار، ففاجأني بكون مساهمة الممهّلات غير المحترفة في هذا الانتعاش تتفوّق على مساهمة تزايد عدد السّيّارات.

إذا قسنا هذا الواقع في طرقاتنا على واقعنا الثقافي والفنّي بكل ملامحه، فكم ممهل/مطب معيق سنجد في طريق الشّباب الجزائري، الذي يريد أن يخوض غمار الفعل الإبداعي والثقافي؟ يحتاج الأمر طبعًا إلى دراسة دقيقة من جهة مختصّة ونزيهة، لكن قليلًا من تأمّل الواقع يجعلنا نقول إنّ إثبات الذّات ثقافيًا في المشهد الجزائري يستنزف صاحبه بشكل يجعله يرفع الرّاية البيضاء في البداية قبل النّهاية، فيغيّرَ وجهة طموحه من الثقافة إلى غيرها.

 هنا، علينا أن ننتبه إلى معطى مهم، هو أنّ المؤسّسة العسكرية باتت تستقطب كثيرًا من الشّباب المبدع، الذي فشل في المشهد الثقافي، لا لأنّه غير موهوب بل لأنّه مشهد مفخّخ بـ"الممهّلات" المتعسفة.

من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أنّ قطاعًا واسًعا من الموظّفين في المؤسّسات الثقافية والفنّية، التي تقول الحكومة إنّها أنجزتها وخصّصت لها ميزانيةً مُمَلْيَرَةً لتستوعب المواهب الشّابّة، لا يملكون الحسّ الفنّي الذي يؤهّلهم لأن يكونوا في خدمة هذه المهمّة. إذ يبدأ إحساس الشّابّ الموهوب بكونه غير مرحّب به انطلاقًا من مقصورة الاستقبال. فالسّائد في المؤسّسة الثّقافية الجزائرية أن بوّابها أكثر سلطة ونفوذًا وسيطرةً داخلها من الفنّان، الذي وجدت من أجله.

أمّا مكاتب الإدارة الفنّية والمالية للمؤسّسة الثقافية الجزائرية، فإنّ وصول الفنّان الشّابّ إلى إدارة سجن أو ثكنة عسكرية، بكلّ ما تتميّز به من إجراءات صارمة، أيسر له من الوصول إليها. كيف لا ومعظم المشرفين عليها يحمون مناصبهم ومصالحهم بالإقصاء لا بالالتقاء وبالاستبعاد لا بالاحتضان؟ مع عملهم على خلق الفتنة بين النّشطاء المختلفين من خلال تقريب المستعدّين منهم للتّواطؤ وتبرير الغشّ وتهميش المبدعين النّزهاء.

السّائد في المؤسّسة الثّقافية الجزائرية أن بوّابها أكثر سلطة ونفوذًا وسيطرةً داخلها من الفنّان، الذي وجدت من أجله!

ليس المشهد الثقافي في الجزائر إلا صورة مستنسخة عن المشهد السّياسي، الذي يُعدّ متوسّط عمر وجوهه الرّسمية الأربعة الأولى 76 عامًا، بعد 60 سنة من الاستقلال الوطني، في ظلّ مشهد فرنسيّ وصل فيه شابّ لم يبلغ الأربعين إلى كرسيّ الرّئاسة، بما يُعطينا الحقّ في القول إنّ التّثبيط بات سياسة ممنهجة في الجزائر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يحمي الجزائر من سياسة الترقيع؟

الشارع الجزائري.. قاموس مفخخ بالبذاءة