أظهرت نتائج الاستفتاء على تعديل الدستور، أن أكثر من ثلاثة أرباع الجزائريين الناخبين قد عارضوا مشروع السلطة التي وجدت نفسها في وضع لم تعشه من قبل، وهو الحال الذي قد يكون فرصة للمعارضة للاستثمار في هذه الحالة السياسية، وإعادة فرضها كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزها في قرارات تتعلق بمصير البلاد.
دعوات التوافق كثيرًا ما كانت للاستهلاك الإعلامي ولا تعبّر عن قناعات التشكيلات السياسية
غير أن الوصول إلى قوة تستطيع أن تفرض وجودها وتحتمّ على الحكومة الرضوخ والجلوس إلى طاولة المشاورات، والنقاش يتطلب تنسيقًا ورصًا للجهود بين مختلف أطياف المعارضة، فهل هذه الأخيرة قادرة على التخلّص من مناكفاتها والتوجّه لاستغلال هذه السانحة السياسية للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: عودة مبادرات الحوار الوطني.. 3 أوراق في يد الأحزاب السياسية
دعوات المعارضة
فور صدور أرقام الاستفتاء الدستوري، سارعت "حركة مجتمع السلم" التي شاركت في استحقاق الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر بالتصويت بـ"لا"، لدعوة معسكر المعارضة إلى توحيد الصفوف وإحداث تغيير حقيقي.
وقال رئيس "حمس" عبد الرزاق مقري إنّ حزبه يعتبر أن "جبهة الرفض جبهة واحدة وهي جبهة واسعة جدا فاقت 85 % في هذا الاستفتاء، وهي مدعوة بمختلف تنوع تعبيرها ومواقفها إلى العمل معًا من أجل التغيير السياسي السلمي الفاعل".
وبعد أن اعتبرت نتيجة الاستفتاء دليلًا على "فشل مشاريع السلطة الحاكمة، وعلى عدم قدرتها على تحقيق التوافق الوطني حول الدستور"، حيث دعت "حمس" الجميع إلى القراءة الصحيحة للنتائج المعلنة وآثارها على استقرار البلد والتأمّل في خطورة الوضع والسعي الجاد إلى بناء الثقة وتجسيد الإرادة الشعبية الفعلية".
في هذا السياق، ترى حركة "حمس"، أن تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، يمرّ "عبر توافقٍ وطنيٍّ جامعٍ يجنّب البلاد المخاطر، ويحمي الوحدة الوطنية ويضمن الاستقرار والتنمية والازدهار".
بدورها، اعتبرت "جبهة القوى الاشتراكية" أن المقاطعة التي عرفها استفتاء التعديل الدستوري تتطلّب البحث عن توافق سياسي على الأقلّ في قطب المعارضة، ووعدت بالإعلان عن تكتّل سياسي جديد الشهر المُقبل.
وطالب الأمين الوطني الأول لـ "الأفافاس" يوسف أوشيش، بفتح حركية سياسية دون تأخيرٍ لتحويل حراك 22 شباط/فيفري 2019، إلى مشروع سياسي من شأنه الإفضاء لـ "مسار سياسي يحفظ الوحدة الوطنية ويكرس السيادة الشعبية".
خلافات وشروط
غير أن هذه الدعوات كثيرًا ما كانت للاستهلاك السياسي فقط ولا تعبّر عن حقيقة صادقة نابعة من قناعات مختلف التشكيلات، بالنظر إلى أن أغلب الأحزاب لا تستطيع في غالب الأحيان الخروج عن نطاقها الأيديولوجي والمصلحي، فعلى سبيل المثال عبد الرزاق مقري الذي يُرافع في كل خطاب له للذهاب إلى توافق سياسي، لم يتردّد في التصريح برفضه لأيّ تحالف مع قوى البديل الديمقراطي.
وقال مقري في مقابلة مع صحيفة "الخبر" نشرت إن "قطب البديل الديمقراطي ليس قطبًا سياسيًا، ولكن اجتماعه على أساس أيديولوجي، وبعض مكوّناته لا انتشار لهم على الأرض ومع ذلك يرفضون وجودنا أصلًا في الساحة السياسية"، وحتى حزب "الأفافاس" الذي قد تتعارض رؤاه مع هذا القطب، قد أعلن هو الآخر الانسحاب من تكتل قوى البديل الديمقراطي، بحجّة أنه صار غير فعال.
لكن وإن حمل قرار حزب الراحل حسين آيت أحمد جانبًا من الواقع، إلا أن إعلانه عن تأسيس تكتل جديد الشهر القادم، قد يشي بأن سبب الانسحاب حسابات أخرى، وقد يكون مبررًا لعدم استجابة باقي الأحزاب للانضمام لمبادرته الجديدة لأنها قد تحمل في طياتها هي الأخرى أسباب فشلها، بالنظر إلى أن الحزب الذي صار اليوم غير قادر حتى على معالجة مشاكله الداخلية من غير الممكن أن يكون جسرًا لتحقيق توافق وطني للمعارضة.
في هذا السياق، أثبتت تجارب المعارضة في تكتلات الانتقال الديمقراطي والأحزاب الإسلامية، ومجموعة الستة وغيرها، فشلها في الخروج بقرارات ميدانية حقيقية، بسبب خلافاتها الكبيرة أو بتدخّل غير مباشر من السلطة، التي حرصت خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على ضمان أن يكون مصير أيّة مبادرة مناوئة لها الإخفاق، سواءً باستعمال سيف الإدارة والعدالة أو بشراء بعض الذمم.
مواعيد قادمة
إن فشل المعارضة حتى الآن في تقديم مبادرة من شأنها الاستثمار في الرفض الشعبي لمشاريع السلطة الذي أظهره الاستفتاء الدستوري الأخير، يعطي للحكومة مجالًا جديدًا لتنفيذ مشاريعها و،إظهار الطرف الآخر على أنه عاجز في أن يكون البديل الذي يحقق آمال المقاطعين والرافضين.
وتشكّل الانتخابات المحليّة والتشريعية التي ينتظر أن تكون في الأشهر المقبلة أهمّ اختبارٍ قادم للمعارضة، والتي كان من الممكن أن يحدّد موعدها قبل نهاية العام الجاري لو لم يتعرّض الرئيس عبد المجيد تبون لطارئ صحي استدعى نقله إلى ألمانيا، بالنظر إلى أنه كان قد وعد باحتمال تنظيمها قبل دخول 2021.
ورغم رفض المعارضة ومن ينتمون إلى الحراك الشعبي للظروف التي قد تجرى فيها الانتخابات التشريعية، إلا أن الحضور في البرلمان القادم أكثر من ضروري، بالنظر إلى أن الهيئة التشريعية رغم العيوب التي وجّهت لها ظلت المنبر الذي يسمح للمعارضة بالتعبير عن أرائها دون قيود، كما أن الدستور الجديد يسمح للحزب الفائز بأغلبية البرلمان بأن تكون له فرص أكثر في تشكيل رئيس الحُكومة المقبل.
إخفاق السلطة سيمر مرور الكرام وستواصل الحكومة تمرير مشاريعها دون إزعاج سياسي
بعد ثلاثة أسابيع من ظهور نتائج التعديل الدستور، التي أظهرت عدم اهتمام الناخبين بمشاريع السلطة، وهي فترة قد يقول البعض إنها قصيرة للحكم على افتقاد المعارضة لبديل يتفاعل مع هذا الرفض الشعبي، إلا أن ملاحظة عدم وجود إرادة لدى الطبقة السياسية، وحتى عند من يسوّقون أنفسهم بأنهم نشطاء الحراك الشعبي لتقديم مشروعٍ سياسيٍّ جاد، يؤكّد أن إخفاق السلطة سيمر مرور الكرام، وستواصل الحكومة تمرير مشاريعها دون إزعاج سياسي من أي طرف معارض.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد غيابها بسبب كورونا.. الدستور يُعيد الأحزاب السياسية إلى الواجهة
إفلاس الأحزاب السياسية.. موسم الهجرة إلى التنسيقيات