31-ديسمبر-2024
(الصورة: فيسبوك) الجمارك الجزائرية

يقع كثير من الجزائريين ضحايا إعلانات تسويقية تروّج لمنتجات تدّعي أنها لماركات عالمية وعالية الجودة، فمنذ فترة طويلة لم يعد سهلًا البتة التفريق بين المنتجات الأصلية والمقلّدة، لدقة تصنيعها واهتمامها بكثير من التفاصيل المتعلقّة بهذه العلامات، لم يعد تقليد المنتجات في الأسواق الجزائرية، مقتصرًا على مجالات معينة، بل طال كلّ ما يستهلكه الجزائريون تقريبًا ووصل حتى إلى تقليد الأدوية.

فادي تميم لـ "الترا جزائر": ورثنا اليوم سوقًا مشبعة بهذه السلع المغشوشة التي كانت تدخل في فترات سابقة عبر الموانئ والحدود

ربّما شجع السلوك الاستهلاكي لكثير من الجزائريين، وعدم اهتمامهم بالمنتجات الأصلية والانجذاب نحو الأسعار المعقولة، والتسويق الإلكتروني، من تفاقم ظاهرة تقليد المنتجات.

ولم يعد تقليد المنتجات الأمر مقتصرًا على شبكات التهريب التي تقوم بإغراق هذه المنتجات من الأسواق الصينية والإماراتية كما أوردته الجهات الرسمية، بل انتقل إلى الورشات السرية التي أصبحت تمون الأسواق بكل المنتجات الاستهلاكية تقريبًا، أبرزها الألبسة والعطور ومواد التجميل وقطع غيار السيارات والمشروبات الغازية والمواد التبغية، ولم يعد الأمر أيضًا مقتصرًا على الماركات العالمية، بل حتى المنتجات المحلية عالية الجودة والمطلوبة في الأسواق، طالها التقليد هي الأخرى.

الجمارك الجزائرية

لا تتوقف شبكات التحايل والنصب على الجزائريين عن ممارسة نشاطها بالسعي لإغراق السوق الوطنية بالسلع المقلّدة والمغشوشة، رغم الإجراءات المتخذة لحماية المستهلك وتوفير حاجياته وفق المعايير المطلوبة، وهو ما يُعيد التساؤل من جديد عن الأسباب التي تجعل هذه المنتجات المغشوشة تلقى رواجًا في السوق الوطنية ومدى مسؤولية المواطن في تسهيل استخدامها.

ورغم تشديد الحكومة إجراءات الاستيراد وتخفيض تكاليفه، إلا أن السلع المقلّدة وراء الحدود ما تزال تستهدف المستهلك الجزائري الذي قد يكون أحيانًا له جانب من المسؤولية في تسويق هذه المنتجات كونه يهتم بالجانب المالي ولا يُعطي اهتمامًا للجانب النوعي والصحّي.

تراجع الظاهرة

قال المدير الفرعي لمكافحة الغش بالمديرية العامة للجمارك الجزائرية أرزقي هنّاد إن عدد المنتجات المقلدة التي تم حجزها خلال سنة 2023 قد بلغ 394929  منتجًا، وفق ما نقلت برقية لوكالة الأنباء الجزائرية.

ورغم أن الرقم المسجل السنة الماضية أقل من 2022 التي حجزت خلالها الجمارك الجزائرية 687363 منتجًا مقلدًا، إلا أن الرقم يظل مهولًا بالنظر لخطوته الكبيرة على اقتصاد البلاد وعلى المستهلك في آن واحد

وأوضح هناد أنه في سنة 2023 شملت ظاهرة التقليد 50% من قطع الغيار و45% من مستحضرات التجميل تليها السلع الرياضية (3%) والملابس (2%)، مبينا أن منشأ هذه المنتجات المقلدة يعود بشكل رئيسي إلى الصين (54.4%) والإمارات العربية المتحدة (45.5%).

ومنذ وضع نظام حجز السلع المشتبه في تقليدها عام 2007، تمكنت المصالح الجمركية من حجز أكثر من 14.50 مليون سلعة إلى غاية سنة 2023، وفق ما كشفه المسؤول الجمركي ذاته.

ولفت هناد إلى أن طلبات التدخّل المقدمة من طرف المتعاملين الاقتصاديين في قضايا التقليد والمساس بحقوق الملكية الفكرية قد بلغت 45 طلبًا خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024، حيث تم إصدار 43 إنذارًا بشأنها، مع العلم أن الطلبات المتعلقة بالتدخل في حالات التقليد يتم فحصها والتحقق من مطابقة تسجيلها لدى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية قبل إصدار أي إنذار.

وتلقت مصالح الجمارك الجزائرية ما يقارب 700 طلبٍ تدخل منذ وضع آلية مكافحة التقليد سنة 2007، في حين بلغ عدد الإنذارات الصادرة خلال الفترة نفسها 551 إنذارًا.

سوق جزائري

مشكلة معقدة

يتأسّف المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم في حديثه مع "الترا جزائر" إلى الوضع الذي وصلت إليه السوق الجزائرية في استهلاك المواد المقلدة، معتبرًا أن قرارات تقليص الاستيراد ليست كافية لوحدها للحد من ترويج هذه السلع المغشوشة في الجزائر.

وقال تميم " للأسف المواد المقلدة تدخل الجزائر منذ سنوات، فقد ورثنا اليوم سوقًا مشبعة بهذه السلع المغشوشة التي كانت تدخل في فترات سابقة عبر الموانئ والحدود ضمن عمليات ممنهجة لشبكات قويّة لتهريب المواد المقلّدة".

وأضاف "لا أحد يُنكر أن عمل شبكات التهريب والتصريحات الكاذبة التي تقدّمها تراجعت بعد تقليص الاستيراد وتنظيمه، إلا أن عمل هذه الشبكات تطوّر بإنشاء ورشات سرية داخل البلاد بإنتاج مواد مقلدة لعلامات عالمية حسب التخصّص".

وفكّكت عناصر الأمن المتخصصة عدة مرات شبكات مختصة في ترويج مقلدة في عدة ولايات، ففي آب/أوت الماضي تمكن عناصر المصلحة الجهوية لمكافحة الجريمة المنظمة بقسنطينة، من تفكيك ورشة سرية مختصّة في إنتاج سائل تبريد محركات السيارات من خلال تقليد علامة تجارية لإحدى الشركات الأجنبية المختصّة في المجال، وأوقفوا أربعة أشخاص يشكّلون شبكة تسيّر الورشة السرية المختصّة في تقليد إحدى العلامات التجارية الأجنبية والمتخصصة في إنتاج سوائل تبريد محركات السيارات.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2022، وضعت مصالح أمن ولاية سطيف حدًا لنشاط ورشة تحترف تصنيع مواد ومستحضرات النظافة الجسدية، وبالأخص غسول الشعر لماركات عالمية معروفة بجودتها في السوق، وحجزت كميات هامة من رغوة الشعر التي اتضح أنها منتهية الصلاحية وتم وضع تواريخ مزيفة عليها، ناهيك عن كميات هامّة من الزيوت منتهية الصلاحية وعدد خيالي من عبوات غسول الشعر لماركات معروفة بجودتها.

وحسب المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم، فإن ما يساعد في رواج السلع المقلدة بالجزائر هو السلوك الاستهلاكي لبعض الجزائريين الذين يقبلون على اقتناء السلع المقلّدة دون الاهتمام بالعلامات الأصلية، وفي مختلف المجالات، حيث لا يتعلّق الأمر فقد بمجال الألبسة والأحذية، إضافة إلى وقوع بعضهم ضحية احتيال بعض التجار، وبالخصوص بعد أن انتقل ترويج السلع المقلّدة من الفضاءات التجارية إلى الفضاء الرقمي الافتراضي.

سلع مقلدة

تشديد الرقابة 

لم تعد جريمة التقليد تطال إلا السلع الأجنبية فقط، إنما حتى المنتجات الوطنية التي أثبتت جودتها محليًا وعالميًا أضبحت عرضة للتقليد من قبل شبكات ترتكب هذه المخالفات لاستهدف الاقتصاد الوطني.

ونقلت صحيفة "الخبر" الخاصّة المقربة عن الحكومة في نيسان/أفريل الماضي عن رئيس قسم التنظيم والإعلام في المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، محمد صباغ قوله إن مصالحه تلقت العديد من الشكاوى من طرف متعاملين اقتصاديين جزائريين تعرضت علامتهم التجارية للتقليد والاستغلال في الخارج من قبل مقلدين في أوروبا وكذا دول مغاربية .

وكشف محمد صباغ، عن معالجة ما يقارب مائة قضية متعلقة بالتقليد وبالمساس بالملكية الصناعية من طرف الهيئات المختصة في سنة 2023، والتي تتعلق بالتعدي على الملكية الصناعية في عدة نشاطات، خاصّة مواد الصناعات الغذائية والتجميل.

وقال صباغ أن "عدد الشكاوى يرتفع على مر السنوات وتقدم من طرف مالكي علامات جزائرية وبعض المؤسسات الأجنبية كذلك".

ويُعيد هذا الوضع ضرورة العمل على تطبيق التشريعات التي تُعاقب هذا الجرم، وتعديلها إن كان الوضع يستدعي ذلك لتتكيف مع المتغيرات الجديدة.

وأشار المنسّق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم إلى القوانين التي تجرّم التقليد موجودة، إلا أن "الاستخفاف بهذه التشريعات وعدم تطبيقها بصرامة أدّى إلى انتشار هذه الظاهرة، حيث أصبح من العادي في محلّات تجارية تباع علامات غير أصلية بطريقة علنية نهارًا جهارًا، إضافة إلى أن الفضاء الرقمي أصبح أيضًا منصّة لترويج المواد المقلدة".

ويُلّح تميم على ضرورة التطبيق الصارم للقانون ومعاقبة التجار الذين يُساهمون في ترويج السلع والمنتجات المقلدة سواءً كانت وطنية أو أجنبية، مبينًا أن من أولى الإجراءات المتخذة هو ضرورة استعمال الفوترة، لأن عدم استخدام الفواتير فتح المجال لكل من يملك مادة تجارية سواءً كانت أصلية أو مقلدة بتسويق هذه السلع في السلسلة التجارية بسهولة".

وشددّ فادي تميم على ضرورة فرض رقابة صارمة ومعاقبة كل من يرجح لهذه المواد المغشوشة، مع ضرورة التوعية بالأخطار التي تسببها حسب نوعيتها، لأن الخطر الذي قد تشكله المواد الغذائية والكيميائية يختلف عما تسببه الألبسة المقلدة على سبيل المثال.

ولفت فادي تميم إلى أن تأثير المنتجات المقلدة على الاقتصاد الجزائري يتسبب في عدم دخول علامات تجارية عالمية إلى السوق الجزائرية والاستثمار فيها، لأنها تجد نفسها غير قادرة على منافسة منتجات تشبهها وبأقل الأسعار والتكاليف.

الاقتصاد الموازي ما يزال يشكّل فضاءً لتسويق المنتجات المقلدة وهو ما يتطلب مكافحة هذه الظاهرة بنظرة شاملة

ورغم رفع الحكومة في السنوات الأخيرة من عدد المخابر المتعلقة بمراقبة النوعية والجودة ومكافحة الغش، إلا أن الاقتصاد الموازي ما يزال يشكّل فضاءً لتسويق المنتجات المقلدة، الأمر الذي يتطلّب مكافحة هذه الظاهرة بنظرة شاملة تمسّ جميع الجوانب التي تساهم في رواج هذه السلع المغشوشة ووصولها إلى المستهلك الجزائري.