بدأ العدّ التنازلي لفترة حكم رئيس الدولة المؤقّت عبد القادر بن صالح، أوّل الشخصيات المرفوضة في الشارع الجزائري، إذ تنتهي فترة حكمه دستوريًا في التاسع جويلية/ تمّوز الداخل، ولكن أحزاب المعارضة ونشطاء المجتمع المدني لم يحسموا أمرهم في شأن الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.
تُعلّق آمال كبيرة على الندوة الوطنية القادمة التي يترأسها الوزير السابق عبد العزيز رحابي
قبل نهاية عهدة بن صالح، سيكون الحراك الشعبي على موعدٍ آخر يوم الجمعة، يتزامن مع عيد الاستقلال الوطني، تليه الندوة الوطنية للحوار المزمع عقدها السبت القادم، هدفها مناقشة سبل الخروج من الأزمة بتصوّر موحّد، إذ تشارك فيها مختلف الأطياف السياسية المحسوبة على المعارضة والمجتمع المدني.
اقرأ/ي أيضًا: ندوة وطنية قريبًا.. من يتحدّث باسم الحراك؟
ندوة كل الاحتمالات
تُعلّق آمال كبيرة، على الندوة الوطنية القادمة التي يترأسها الوزير السابق الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، إذ تطرح عدّة احتمالات، من شأنها "اقتراح آليات ومعايير لضمان مصداقية هيئة الإشراف ومراقبة الانتخابات".
وقال رحابي في حصة " ضيف الصباح" على الإذاعة الوطنية الأولى شارحًا محاور الندوة، إنّ أهمّ نقطة هي آليات عمل هذه الهيئة في مختلف أطوار العملية الانتخابية، لافتَا إلى أن "مؤسّسات الدولة تفتقد إلى الشرعية".
وشدّد رحابي على أن الجزائر وصلت إلى مرحلة حساسة، وأن الشعب يريد حلًا لهذه الأزمة، معلنًا أنه تمّ الاتفاق على إقصاء وعدم مشاركة الأحزاب التي لديها التزام مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في العهدة الخامسة.
كما عرّج منسّق الندوة إلى أن نجاح الندوة يتطلّب "تجاوبًا من قبل كل أطراف الحوار، بما فيها السلطة، التي يجب عليها اتخاذ إجراءات تهدئة تبعث بالثقة لأنه في حال عدم سماع صوت الغير وعدم توفير المناخ وتقديم الضمانات يستحيل تنظيم الانتخابات حتى في غضون ستة أشهر".
تحييد الجيش
عاد رحابي للتذكير أن الندوة ستكون ضمن مبادرات سابقة لحلحلة الأزمة في البلاد، داعيًا الجزائريين إلى عدم ادّخار أيّ جهد في الاتصال بكل أحزاب المعارضة، للخروج برؤية موحّدة مبنية على أساس حوار جامع وشامل دون إقصاء لأيّ طرف، وبعيدًا عن أي اعتبارات إيديولوجية وحزبية، حيث سيتمّ اقتراح آليات فعلية لحلّ الأزمة تأخذ بعين الاعتبار مطالب الحراك الشعبي".
عبّر رحابي في سياق حديثه، عن قلقه إزاء ما يجري في الساحة السياسية قائلًا إن هذه المبادرة التي سبقتها مبادرة قوى التغيير والشخصيات الوطنية منذ سنة 2014، حظيت بقبولٍ مبدئي من قبل أحزاب المعارضة على حدّ تعبيره.
وفي معرض حديثه عن مطالب الحراك الشعبي خلال الأسابيع الأخيرةـ أوضح المتحدّث أن أهمّها هي إرساء نظام ديمقراطي ومحاربة الفساد ومراقبة المال العام، مشيرًا إلى أن محاسبة المسؤولين عن الفساد وحبسهم خطوة هامّة، ولكن يبقى الأهم هو استرجاع الأموال المنهوبة يضيف رحابي.
الدعوة إلى تفعيل آليات مستقلة لمحاربة الفساد، وتغيير الممارسات وعدم الاكتفاء بالخطابات والوصول إلى تنظيم الانتخابات المؤجّلة، كان من بين النقاط التي تطرّق لها الوزير السابق في اللقاء.
حديث رحابي عن المؤسّسة العسكرية لخصّه في عبارة "أنّه لا يعرف لقيادة الجيش نوايا غير التعبير عن إرادتها في البقاء في الإطار الدستوري، الذي لا يلقى مع ذلك الإجماع، والتوجّه لانتخابات رئاسية".
ودعا المتحدّث الجيش، إلى دعم المبادرات لتفكيك الأزمة وليس التدخّل في مساراتها أو توجيهها على حدّ قوله.
في السياق نفسه، يستطرد وزير الإعلام الأسبق قائلًا إن " الجيش مطالب برفع كل القيود المتعلّقة بالحرّيات الفردية والجماعية، وكذا حرية التظاهر والتجمّع والوصول الحرّ وعلى قدم المساواة لوسائل الإعلام العمومية وخصوصًا التلفزيون".
غلق اللعبة
أغلق رحابي منسّق الندوة المرتقبة اللعبة السياسية على المحسوبين على النظام السابق، إذ منح للسلطة الحالية في الجزائر خيار إيجاد مخارج بأخفّ الأضرار، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد بن ناصر في حديث إلى "الترا جزائر".
ويضيف المتحدّث، أن الندوة ستكون أولا امتحانًا ثقيلًا على الطبقة السياسية المعارضة لكشف أوراقها والتعبير عن أهدافها، مشدّدًا على عدم التشبّث بالدستور الذي نسجته أيادي النظام السابق على المقاس على حدّ قوله.
يعتقد بن ناصر، أنه على أحزاب المعارضة طرح أفكار بخصوص تقديم اجتهادات دستورية والمرور لحلول مجدية، معتبرًا الندوة "امتحانًا عسيرًا ثانيًا في إيجاد نقاط توافق تُرضي كل الأطراف، وخصوصًا أمام رفض شعبي لرموز النظام السابق وحكومة نور الدين بدوي، الوجه الآخر لما سمي إعلاميًا بـ العصابة".
ودعا بن ناصر، إلى التوجّه نحو توافقات سياسية حول مخرج سلس للأزمة، تزامنًا مع انتهاء فترة حكم الرئيس المؤقّت بعد أسبوع فقط، أمام تزايد مخاوف من فشل أي مبادرة.
جمعة ساخنة
تأتي ندوة السادس جويلية/ تمّوز القادم، في ظلّ تزايد التوتّر والتضييق الأمني والإعلامي في الجمعة الأخيرة، إذ طالت الاعتقالات بعض النشطاء السياسيين، وتمّ سحب مختلف الرايات المرفوعة من قِبل المشاركين في المسيرات، وهو ما سيؤججّ الوضع، بحسب الناشط السياسي عبد الوكيل بلام، الذي لفت إلى أن "رفع الضغط على المتظاهرين من شأنه أن يدخلنا في مرحلة عسكرة وأمننة الشارع ".
يعرّج بلام في حديث إلى "الترا جزائر" إلى أنّ نداءات التخوين والتخويف والتراشق الإعلامي عبر منصّات التواصل الاجتماعي، "أدخلنا مرحلة الشكّ والتراجع خطوات للوراء عكس ما كان في بداية الحراك".
وأضاف بلام أن الجزائر لن تعود إلى ما قبل ال22فيفري/فبراير الماضي ولكنها تحتاج إلى وقت وفاعلين سياسيين وارادة شعبية كبرى لمواصلة الضغط لافتاكاك وانتزاع مطلب ىحيل حكومة بدوي وتعزسز العملية السياسية بهيئة مستقلة تنظم وتشرف على العملية الانتخابية.
جمعة أخرى
الحراك الشعبي يستمرّ لأسبوعه العشرين، غير أن خطابات التفاؤل بدأت تخفت بسبب تشتّت النقاش والتوجّهات، تزامنًا مع التعزيزات الأمنية التي رافقت المتظاهرات الجمعة الماضية.
على الأرض، هناك تفاؤل سياسي بإمكانية نجاح مؤتمر الحوار، وهو يفرض على المعارضة أن تنجح بحسب تعبير النائب في حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش في حديث إلى "الترا جزائر"، يقول المتحدّث، "إن هناك بعض التصوّرات التي يختلف عليها بعض الفاعلين السياسيين والشخصيات الوطنية، تتّصل بالمجلس التأسيسي وبالمرحلة الانتقالية، وهي لا تلقى إجماعًا لدى أحزاب المعارضة".
يشرح حمدادوش فكرته، أن هناك من يريد مرحلة انتقالية مع مجلس تأسيسي، في مقابل ذلك يطالب معارضون بمرحلة انتقالية وانتخابات رئاسية".
يُجمع كثيرون على أن المؤتمر القادم سيكون حاسمًا وفاعلًا في ظل التجاذبات السياسية والحراك الشعبي
يُجمع كثير من المتتبّعين، أن المؤتمر القادم سيكون حاسمًا وفاعلًا في ظل التجاذبات السياسية والحراك الشعبي، إضافة إلى كونه الأكبر منذ بدء الأزمة، وسيتمّ تقديم مخرجاته للسلطة الحاكمة وللجيش في آخر المطاف.
اقرأ/ي أيضًا: