من المنتظر تنصيب لجنة برلمانية خاصة لدراسة وإثراء مسودة قانوني البلدية والولاية، في إطار سعي السلطات توسيع دائرة النقاش حول هذه النصوص الجديدة.
النسخة الحالية التي تمّ توزيعها على الأحزاب السياسية ونواب البرلمان تعتبر مقبولة لأنّها حقّقت العديد من المكاسب لصالح المنتخبين
وقد طالب رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، من رؤساء الكتل البرلمانية الستة تعيين نائبين عن كل كتلة بشرط أن يمتلكوا خبرة واسعة في الشأن المحلي، لضمان إثراء المشروع بشكل شامل.
وتأتي هذه المبادرة بعد أن قام مجلس الأمة بتشكيل لجنة مماثلة لدراسة المشروع في وقت سابق، وعقب أن أنهت اللجنة الرئاسية، التي عينها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قبل شهرين، عملها في إعداد مسودتي قانوني البلدية والولاية، تمهيدًا للكشف عنهما مع بداية السنة الجديدة.
ووجب الإشارة إلى أن هاتين المسودتين تشكلان جزءًا من الالتزامات التي تعهد بها الرئيس تبون خلال حملته الانتخابية، بهدف إحداث تغيير جذري في تسيير الشأن المحلي وتعزيز التنمية المستدامة.
ويبقى التساؤل قائمًا: هل ستتمكن المسودتان من تلبية تطلعات الطبقة السياسية التي طالبت مرارًا بإصلاحات جوهرية، أم أنّها ستكون مجرّد نسخة أخرى من القوانين السابقة، دون أن تحمل أي تغييرات حقيقية تساهم في تحقيق التحول المنشود في تسيير الشأن المحلي؟
النّقاش ضرورة
أكد رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم بالمجلس الشعبي الوطني، أحمد صادوق، في إفادة لـ"الترا جزائر"، أن اللجنة الرئاسية المكلفة بإعداد مسودة قانوني البلدية والولاية قامت بعمل جيّد.
وأضاف أنّ النسخة الحالية التي تمّ توزيعها على الأحزاب السياسية ونواب البرلمان تعتبر مقبولة، حيث حقّقت العديد من المكاسب لصالح المنتخبين، خصوصًا من خلال توسيع صلاحيات رؤساء المجالس الشعبية، لاسيما في البلديات.
وبالرغم من ذلك، أوضح صادوق أنّ العمل على المسودة لا يزال بحاجة إلى تحسينات، خاصة مع قرار توسيع الاستشارة الذي وصفه بالفكرة السديدة والمبادرة الجديرة بالتثمين، حيث سيوفر ذلك فرصة لمناقشة المسودة بعمق من قبل النواب والأحزاب السياسية.
وأشار عضو حركة مجتمع السلم إلى أنّ النقطة الجوهرية في هذا القانون تكمن في تعزيز دور المنتخبين، مؤكدًا ضرورة إعطاء الأولوية لهم على حساب المسؤولين المعينين، باعتبار أن المنتخب هو من يتحمل المسؤولية أمام الشعب والمواطنين، سواء في حالة النجاح أو الفشل.
كما شدّد المتحدث على أهمية ترسيخ مبدأ اللامركزية، مشيرًا إلى أن القانون يجب أن يمنح صلاحيات أكبر للسلطات المحلية، سواء كانوا منتخبين أو ولاة أو إداريين، لاتخاذ القرارات بشكل مستقل دون الحاجة للموافقة من السلطة المركزية، قائلاً: "نرى ضرورة تجسيد البعد اللامركزي في قانوني البلدية والولاية، لما له من دور كبير في تعزيز الفعالية وتحقيق التنمية المستدامة".
صلاحيات جديدة
حمل مشروع قانوني البلدية والولاية الجديد، الذي اطلعت عليه "الترا جزائر"، تعديلات هامة وغير مسبوقة، حيث تم توسيع صلاحيات رؤساء المجالس الشعبية البلدية والولائية، إلى جانب ولاة الجمهورية.
من أبرز هذه التعديلات، منح الوالي صلاحيات واسعة في إطار مهامه كموظف سامٍ في الدولة الجزائرية. تشمل هذه الصلاحيات اتخاذ قرارات مهمة مثل السهر على تطبيق القوانين والأنظمة، الإشراف على تنفيذ برامج التنمية، وحماية حقوق وحريات المواطنين ضمن نطاق ولايته.
كما يمنح المشروع الجديد للوالي القدرة على إنشاء مؤسسات عمومية محلية وأخرى اقتصادية، وذلك بهدف تعزيز الديناميكية التنموية للولاية والمساهمة في تنفيذ مشاريع مدرة للثروة. إضافة إلى ذلك، يتيح القانون للولاية الحصول على قروض لتمويل استثمارات ذات عائد اقتصادي.
من جهة أخرى، حصل رؤساء المجالس الشعبية البلدية، على صلاحيات موسعة، أبرزها إنشاء مؤسسات ومقاولات عمومية، بالإضافة إلى إمكانية الاستثمار في الأسهم والسندات المتداولة في الأسواق المالية الوطنية. كما يسمح لهم القانون باستغلال الفوائض المالية من خلال إيداعها في حسابات مصرفية مدرة للأرباح.
كما شدّد المشروع على الدور الحيوي الذي يجب أن يلعبه رئيس المجلس الشعبي البلدي في تحقيق التنمية المحلية، من خلال تشجيع الاستثمار في الموارد الطبيعية والترويج لها، ودعم الحرف التقليدية والموروث الثقافي المحلي، مما يعزز الهوية الاقتصادية والثقافية للبلديات.
التحالفات السياسية
تمكّنت المسودة الجديدة لمشروع قانون البلدية من معالجة مشكلة الانسداد في المجالس البلدية، التي كانت تشكل تحدياً كبيراً للسلطات السياسية في الجزائر. ووفقاً لمصادر مطلعة على الشأن السياسي، فإن المشروع بصيغته المعدلة، في حال تم إقراره، سيساهم في إنهاء حالة التوتر التي تعيشها العديد من بلديات البلاد.
يرتكز التعديل الجديد على آلية تعيين رئيس البلدية من القائمة الفائزة في الانتخابات، بحيث يتم اختيار المترشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات ليشغل منصب "المير"، ما يعزز الشفافية والاستقرار في إدارة شؤون المجالس البلدية.
ويذكر أن قانون البلدية الحالي، في مادته 65، ينص على أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يُنتخب من القائمة التي تحصل على الأغلبية المطلقة للمقاعد. وفي حال عدم تحقيق أي قائمة للأغلبية المطلقة، يمكن للقائمتين الحائزتين على 35% على الأقل من المقاعد تقديم مرشح عنهما. أما إذا لم تحقق أي قائمة هذه النسبة، فإن الفرصة تُتاح لجميع القوائم لتقديم مرشح. وفي حال تعادل الأصوات، يُعلن فوز المرشح الأكبر سناً.