24-ديسمبر-2021

تحركات الدبلوماسية الجزائرية لسنة 2021 كانت مكثفة (فيسبوك/الترا جزائر)

كان تعزيز التموقع الجزائري في أفريقيا وإعادة تسجيل الحضور القوي على الصعيد الاقتصادي والسياسي، سواءً على المستوى الإقليمي والحوض المتوسطي أهم النشاطات الدبلوماسية الجزائرية لسنة 2021، حيث أجرى وزير الخارجية رمطان لعمامرة عدة جولات في مناطق مختلفة من أفريقيا وأبدى استعداد الجزائر للوساطة من أجل حل مشاكل مستعصية مثل أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان.

 بَعد عقدين من الركود الدبلوماسي، تُحاول الجزائر العمل على تنشيط دورها الإقليمي في محيط جواري يَشهد أزمات أمنية وسياسية داخلية

 بَعد عقدين من الركود الدبلوماسي، تُحاول الجزائر العمل على تنشيط دورها الإقليمي في محيط جواري يَشهد أزمات أمنية وسياسية داخلية، وتَعمل الجزائر على إعادة النظر في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول الحوض المتوسط والاتحاد الأوروبي وفق مصالحها الاقتصادية والسيادية، ويشكّل توغل الاحتلال الإسرائيلي في أفريقيا وصولًا إلى الجارة الغربية واحدة من التحديات الأمنية والدبلوماسية التي رفعتها الجزائر للحيلولة دون تحقيق ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: لعمامرة يبحث مع نظيره المصري مستجدات الأوضاع في ليبيا

عودة رمطان لعمامرة

في الـ 7 تموز/جويلية سنة 2021 أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن تعديل حكومي بقيادة أيمن بن عبد الرحمان، وتفاجأ متتبعون من عودة لعمامرة لقيادة حقيبة وزارة الخارجية.

ويحظى لعمامرة بثقلٍ دبلوماسي على صعيد القاري والعالمي، إذ تولّى مهمة تمثيل الاتحاد الأفريقي من أجل فكّ النزاعات والحروب بأفريقيا، وعضو في مجموعة الاتحاد الأفريقي والقرن الأفريقي، وعالج ملفات هامة كأزمة المغرب، وأزمة ليبيا، أزمة مالي، وأسندت إليه مهمّات من طرف منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وقد اعترضت الولايات المتحدة في السابق تعينه مبعوثًا أمميًا إلى ليبيا خلفًا للدبلوماسي لبناني غسان سلامة، في آذار/مارس 2020.

قطع العلاقات مع المغرب

شهدت سنة 2021  قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، حيث أعلن وزير الخارجية الجزائري، أن القرار جاء بعد سلسة من مواقف وتوجهات عدائية تجاه الجزائر، تَجلت من خلال تصريحات المندوب المغربي بدعمه استقلال "منطقة القبائل" على حد قوله.

واستنكرت الجزائر تهجّم وزير الخارجية الاحتلال الإسرائيلي، يائير لابيد، خلال زبارته الرباط في الـ 11 آب/أوت، الذي عبر عن قلقه من التقارب بين الجزائر وطهران، كما أكد لعمامرة عن وجود قرائن توثق التعاون بين المغرب مع منظمتين تصنفها السلطات الجزائرية كمنظمتين إرهابيتين.

التوتر بين الجزائر وفرنسا

وضمن الحركية الدبلوماسية السنوية، عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة دبلوماسية بين البلدين، خلفتها تصريحات من الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، وُصفت بالمسيئة ولقت غضب السلطات الجزائرية، وحملة استنكار واستهجان الرأي العام الجزائري.

وخلال تشرين الأوّل/أكتوبر أدلى ماكرون بتصريحات صُحفية شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وكان الرد الجزائري جاء باستدعاء سفيرها بباريس "قصد التشاور"، ومنعت تحليق الطائرات العسكرية المشاركة في عمليات حربية بمنطقة الساحل الأفريقي.

ويرى مراقبون أن خلفيات الأزمة بين البلدين تعود إلى تباين وتباعد المواقف حول عدة ملفات إقليمية، كالشأن في ليبيا والتدخل العسكري في منطقة الساحل، وفشل القوات الفرنسية وعملية "برخان" في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع الجماعات المسلحة.

في هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، زيارة إلى الجزائر لم يعلن عنها سابقًا، وذكرت مصادر إعلامية أن زيارة لودريان كان هدفها التهدئة وإرساء الثقة بين البلدين بعد أزمة دامت قرابة شهرين، وصفها الخبراء لأكثر حدة منذ سنوات  

اجتماع دول جوار ليبيا  

شَكلت الأزمة في ليبيا محور اهتمام الدبلوماسية الجزائرية إذ استطاعت الجزائر احتضان اجتماع دول الجوار مع ليبيا، المتمثلة في كل من وزراء خارجية مصر سامح شكري، وتونس عثمان الجرندي، ومن السودان مريم المهدي، ومن تشاد شريف الزين، النيجرحسومي مسعودي، وليبيا نجلاء منقوش بالإضافة إلى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة.

كان للاجتماع ثقلًا دبلوماسيًا عبر مشاركة المبعوث الأممي إلى ليبيا والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ومفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والأمن بانكول أديوي.

في هذا الاتجاه، أكّدت دول الجوار على تمسّكها بالوحدة الترابية لليبية، وعدم تهميش الدول الجوار في الملتقيات الدولية والأممية، والتأكيد على تمسّكها باتفاق وقف إطلاق النار ودعم مسار المصالحة الوطنية ومسار بناء المؤسّسات السياسية وتوحيد الأجهزة الأمنية والصد لتدفّق الأسلحة والمطالبة بخروج القوّات الأجنبية وقوات المرتزقة.

جهود الجزائر في الملف المالي  

وفي إطار جهود الجزائر الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في مالي، وبصفتها المشرفة على قيادة الوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة الاتفاق الاستعادة السلم والاستقرار في مالي، احتضت العاصمة الجزائرية في الـ 23 تشرين الثاني/أكتوبر من السنة الجارية، اجتماعًا جمع بين الحكومة والحركات المالية الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة الوطنية المنبثق عن مسار الجزائر.

هنا، تسعى الجزائر إلى رفع العقبات التي تعيق تطبيق اتفاق السلم والمصالحة عبر الوساطة وفتح آليات الحوار والنقاش بين حركات الازواد وحركات 14 يونيو والحكومة المالية، وتحظى الجزائر بثقة كل المكونات السياسية والمجتمعية بمالي.

تنويع المحاور الاقتصادية

وفي إطار تعزيز التنمية والخروج من التبعية النفطية وخطة الإنعاش الاقتصادي، تسعى الجزائر إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية والتنموية وفق مبدأ "رابح-رابح" وفكّ الارتباط والتبعية الاقتصادية مع  دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤطره اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الموقع في سنة 2005.

غير أن الجزائر ترى الجزائر أنها لا تستفيد من منافع اتفاق الشراكة، بقدر استفادة الاتحاد الأوروبي، وفي هذا الشأن شدد الرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في 31 أكتوبر/ تشرين الأوّل بضرورة إعادة التقييم الشامل لبنود اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ويعتبر الاتحاد أول شريك تجاري بـ 50 بالمائة من المبادلات التجارية.

ووفق مصادر إعلامية تكبّدت الجزائر خسائر بنحو 30 مليار دولار منذ 2005، جراء عملية رفع الحواجز الجمركية أمام السلع الأوروبية، وينصّ الاتفاق على تفكيك تدريجي للرسوم الجمركية للسلع والبضائع بين البلدين، لكن الخبراء يؤكّدون أن الجانب الجزائري لم يكن باستطاعته منافسة نظيرتها الأوروبية، والاقتصاد الجزائري غير مهيكل أو منظم بشكلٍ ينافس الجانب الأوروبي.

القارة الأوروبية والآسيوية

في المقابل، تستعد الجزائر لمرحلة جديدة في علاقاتها الخارجية، وسط متغيرات وتجاذبات بالساحة الإقليمية والدولية، إذ تم استحداث مناصب مبعوثين خاصين لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة قصد تكثيف العمل الدبلوماسي.

وتهدف الجزائر إلى إقامة علاقات اقتصادية وتجارية استراتيجية مع كل من دول الحوض المتوسطي كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، عززتها مخاوف من تذبذب السوق الغاز الطبيعي، إذ تبادلات الزيارات بين الجانب الاسباني والجزائري، كما استقبلت الجزائر وفدًا رفيع المستوى قاده الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا.

 وتشكل الشراكة الاستراتيجية مع تركيا، من بين الركائز الأساسية في خطة الإنعاش الاقتصادي، إذ بلغت استثماراتها بـ 5 مليارات دولار ساهمت في خلق 30 ألف وظيفة مباشرة، من جهة أخرى، تعتبر العلاقات الجزائرية-الصينية بعدًا استراتيجيًا، حيث تََتصدر الصين الدول الأكثر استثمارًا في الجزائر بـ 10 مليارات دولار، وحجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين، وصل إلى 9 مليارات دولار قبل أزمة "كوفيد-19"، إذ انضمت الجزائر بشكلٍ رسمي إلى طريق الحرير الصيني.

العمق العربي والأفريقي

على الصعيد العربي والأفريقي، أجرى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة زيارات ومحادثات مع نضيره المصري سامح شكري ووزيرة الخارجية السودانية مريم مهدي للوصول إلى حلول مرضية في قضية سد النهضة، أما على صعيد القضية الفلسطينية، فشكّلت زيارة محمود عباس الأخيرة بعدًا رمزيًا، يتزامن مع التقارب العسكري بين الرباط وتل أبيب، وعودة الجزائر إلى ديناميكية الصراع الشرق الأوسطي كأحد محاور الوساطة والتدخل الوسطي.

فإن تحركات الدبلوماسية الجزائرية لسنة 2021 كانت مكثفة وجاءت استجابة إلى الرهانات الإقليمية وجيوسياسية

وعلى العموم، فإن تحركات الدبلوماسية الجزائرية لسنة 2021 كانت مكثفة، وجاءت استجابة إلى الرهانات الإقليمية وجيوسياسية، وهي بحاجة إلى تفعيل أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية أكثر فعالية لتأثير على الساحة الدولية، غير أنّ مراقبين يتخوّفون من مسألة فتح عدّة جبهات في فترة سياسية حساسة للغاية يُمكن أن تدير عجيلة النتائج إلى عكس التوقّعات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحرّكات دبلوماسية لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة

لعمامرة يلتقي رئيسة إثيوبيا في ثاني محطة أفريقية له