30-يوليو-2019

الحراك الشعبي رفض التدخّلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلاد (إينيس كانلي/ الأناضول)

قد لا يتشابه الحراك الشعبي في الجزائر مع الثورة السلمية في السودان إلى حدّ التطابق، لكن لكون الشعبين انتفضا ضدّ نظامين متشابهين يتقاسمان صفتي الشمولية والفساد، فإنه كان من المتوقّع أن يسير البلدان في مسارات متقاربة. إذ تواجه فيهما المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية الحقيقية المأزق نفسه؛ وهو رفض السلطة العسكرية لفترة انتقالية، إذ تريد المؤسّسة العسكرية المتحكمّة في السلطة في البلدين، أن تختزل كل ما حدث في الذهاب لانتخابات رئاسية بأسرع وقت ممكن، والحفاظ على النظام نفسه. إن هذا أشبه بتغيير من أجل ألا يتغيّر أيّ شيء.

لعبة الحلفاء صارت رقمًا مهمًّا في معادلات العلاقات الدولية، لكنها في الدول العربية أصبحت مقترنة بالثورات المضادّة

لعبة المطامع والنفوذ

ربّما صار الكلام عن محاولة تموقع القوى الأجنبية ذات النفوذ، في البلدان التي تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية معتادًا، وتزداد درجة الأهميّة حين يصل الاضطراب إلى ذروته، فتحاول بلدان تعوّدت على الزجّ بمصالحها خارج أقطارها أن تحافظ عليها، فتظهر للعيان حروب نفوذ بين من يريد صنع نفوذ جديد في منطقة جديدة، وبين من يُحاول حماية نفوذ مكتسب، لعبة الحلفاء صارت رقمًا مهمًّا في معادلات العلاقات الدولية، لكنها في الدول العربية التي تشهد اضطرابات سياسية غالبًا ما اقترن مصطلح التحالف مع دول أجنبية مع مصطلح الثورات المضادّة.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات والحراك الجزائري.. عداء قديم متجدد

في المنطقة العربية، يُعتبر محور المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة، والذي أصبح اليوم بدعم من بعض القوى الغربية شرطيًا في العالم العربي، يعمل على فرض توجّه سياسي واحد، يساعد بطريقة هادئة –عنيفة حين يستوجب الأمر- الأنظمة الموالية له بإعادة رسملة نفسها عن طريق تغييرات ظاهرية لتكون هذه اليد الخارجية العقبة الرئيسية أمام أي تحوّل ديمقراطي لبلدان هذه المنطقة.

يميل هذا المحور إلى صاحب القّوة الحقيقية، وفي غالبية الأحيان يختار حليفًا له من داخل النظام الحاكم أو وجهًا من نظام سيتهاوى، يفضّل قادة هذا المحور أيضًا أن يكون حليفهم الاستراتيجي عسكريًا أو مدنيًا مدعومًا من طرف العسكر، كما حدث مع السيسي في مصر، وحفتر في ليبيا واليوم مع القادة العسكريين السودانيين الذين أدخلوا بلدهم في حمام دم. فماذا سيفعل هذا المحور في حالة الجزائر، وهل هناك معركة نفوذ داخل المشهد السياسي الجزائري بعد الحراك؟

ضغوط خارجية ؟

في الحقيقة لم تستطع المملكة العربية السعودية والمحور الذي ترأسه، إخفاء الكثير عن انزعاجها من الحراك الشعبي في الجزائر، والناجم أساسًا من تخوّفها من حدوث تحوّل حقيقي قد يعصف بنفوذها ومصالحها المكتسبة في عهد بوتفليقة، وهو الذي ربط نسيجًا متينًا من العلاقات مع بعض القوى الأجنبية، ويتحدّث متابعون للشأن الإقليمي، أن محمد بن سلمان جعل من متابعة تطوّرات الحراك الشعبي في الجزائر والسودان أولوية قصوى، وأخذ في التفكير رفقة مستشاريه في الطريقة المثلى للتفاعل الرسمي والخفيّ مع ما يحدث وكيفية الضغط على السلطة الجزائرية، من أجل إنهاء الأزمة بطريقة لا تسبّب ضررًا لمصالح هذه القوى. 

لكن السؤال الذي يطرح في الحالة الجزائرية، هو ما مدّى تقبل السلطة من جهة والشارع من جهة أخرى لهذه الضغوطات خاصة مع الحساسية الشعبية مع هذه الأمور؟، بدليل رفع المتظاهرين للافتات تقصد بلدانا بعينها حاولت التدخّل مباشرة في الشأن الداخلي الجزائر.  فتلك الدول  خائفة من حراك يبدأ من الجماهير ويصل إلى قمّة السلطة في الجزائر والسودان أو بلدان أخرى، وقد ينتشر ليصل إلى بلدانها، في سيناريو مكرّر لما حدث في 2011.

الإمارات.. السلاح والسلطة

اكتسبت الإمارات العربية نفوذًا ملحوظًا في عهد الرئيس المتنحّي عبد العزيز بوتفليقة، ودخل اسمها بقوّة في المشهد الجزائري، خاصّة من خلال الاستثمارات المالية، والمشاريع العقارية والصناعية التي تحصلت عليها في مختلف أنحاء الوطن.

لكن تلك الاستثمارات الاقتصادية، قد تعتبر أمرًا عاديًا بحكم أن الجزائر سوقًا مفتوحة للاستثمارات العالمية، وأصبحت أكثر انفتاحًا في عهد بوتفليقة الذي منح أكبر المشاريع للشركات الأجنبية، أما الاستثمار الذي ثارت حوله الشكوك واعتبره الكثيرون محاباة أو ميلًا للإمارات العربية المتّحدة، هو حصولها على صفقات تزويد الجيش الوطني الشعبي بأسلحة متطوّرة، حيث قفزت الإمارات التي لا تمتلك تقاليد عريقة في ميدان صنع السلاح وتسويقه إلى قائمة مزودي الجزائر بالسلاح، بل أكثر من ذلك تشتري الجزائر من الإمارات أسلحة تمّ صُنعها في دول أخرى، عوض التوجّه مباشرة للبلد المصنّع وعقد صفقات معه. فما هي خلفية هذه التحرّكات؟

في عام 2012، أمضت الجزائر عقد شراء سفينتين حربيتين من نوع "ميكو" من المصنع الألماني "تي.كا.أم .أس"،  بقيمة 2.2 مليار يورو، لكن الشراء لم يكن صفقة مباشرة بين الجزائر والمجمّع الألماني، بل كانت بواسطة شركة إمارتية هي "أبو ظبي مار" والتي قامت ببيع السفينتين واستقبال أموال الصفقة في حساباتها دون أن يكون لها أي دور في صنع السفينتين ماديًا أو تقنيًا.

قصّة هذه الصفقة، تعود إلى زيارة المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل إلى الجزائر في جويلية/ تمّوز 2008، حيث تفاوضت شخصيًا مع بوتفليقة حول بيع السفينتين للجزائر، في غضون ذلك تفاوضت الإمارات على الدخول بنسبة في رأس مال الشركة الألمانية، والتحكّم في صفقات السلاح التي تعقدها الشركة الأمّ مع الدول العربية، لتصبح أبو ظبي لاعبًا أساسيًا في عمليّة التسلّح في المنطقة، والمتحكّمة في سوق السلاح الذي سيؤدّي حتما إلى التوغّل في عمق الأنظمة التي تبيع وتشتري.

في تلك الزيارة أيضًا، تمّ الاتفاق على فتح وحدات صناعية لشركات ألمانية في الجزائر، على غرار كل من "مرسيدس بنز" و"دوتزه"، وكان بعضها موجّهًا إلى صناعة مركبات الجيش الوطني الشعبي، لكن من أجل تنفيذ تلك المشاريع، رأت وزارة الدفاع حينها ضرورة إدخال رأسمال أجنبي للمساهمة في ذلك في كلّ من وحدات رويبة بالعاصمة، تيارت، عين سمارة والخروب، فوقع الاختيار على المجمّع الإماراتي "أبار" من خلال ثلاثة شركات مختلفة تنضوي تحت لوائه.

أما في خنشلة شرقي البلاد، فلقد ساهم صندوق الاستثمار الإماراتي  "توازن هولدينغ"، في مصنع ستكون مهمّته صناعة المسدّسات، وكذلك مركبات مدرّعة للجيش الوطني الشعبي، أطلق عليها اسم "نمر".

ماهي مصلحة الإمارات؟

قد يتساءل البعض عن فائدة الجزائر في ربط مصيرها؟ ولا سيما مصير جيشها وتسليحه بدولة ليس لها أيّ إسهام تكنولوجي في ذلك، وعلاوة على ذلك من المعروف أن الإمارات تلعب دورًا إقليميًا مزعزعًا للاستقرار، وغالبًا خلافا للمصالح الجزائرية على شاكلة ما نشاهده اليوم في ليبيا واليمن؟

إن الفائدة الوحيدة من هذه الصفقات مع الإمارات، هي تغطية نظام العمولات وتضخيم الفواتير، وتقديم الرشاوى مقابل الحصول على امتيازات، وهي التهمة الأبرز في قضايا الوزراء والمسؤولين الموجودين رهن الحبس الاحتياطي، هذا الأمر لم يكن من الممكن تحقيقه مع الشركات الألمانية مباشرة، وهي التي يتمّ تقييدها بواسطة تشريع حذر للغاية بشأن ملفّات الفساد.

قدمت الإمارات، التي أصبحت ملاذًا آمنًا لرؤوس الأموال الجزائرية المهرّبة خدماتها للتغطية على ملفّات الفساد

قدّمت الإمارات، التي أصبحت ملاذًا آمنًا لرؤوس الأموال الجزائرية المهرّبة، خدماتها لتغطية هذه الممارسات، لكن عند القيام بالتستّر على هذه العمليات الاحتيالية يبسط الإماراتيون نفوذهم في مؤسّسة مهمّة كالجيش، ومنه ينتقل هذا النفوذ إلى مؤسّسات سيادية أخرى. خاصّة وأن المؤسّسة العسكرية أصبحت اليوم المتحكّم الوحيد في دواليب السلطة. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد تصويتهما ضدّ المغرب.. الجزائريون ساخطون على الإمارات والسّعودية

"لا للإمارات في أرض الشهداء".. الحراك الجزائري يشخص أعداءه