15-مارس-2016

غدت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دور المراقب(Getty)

"هذا الرجل أبي، وأنا فخورة بتربيته لي وتعبه من أجل راحتنا وتوفير حياة كريمة لي ولأسرتي"، هكذا علقت فتاة جزائرية على صورة "سيلفي" رفقة والدها نشرتها على حسابها في"فيسبوك"، وهكذا بدأت قصة "عمي حسين"، عامل بمصلحة النظافة ببلدية "دالي إبراهيم" في أعالي العاصمة الجزائرية، صورة سرعان ما تناقلتها عديد الصفحات والمواقع الإلكترونية في الجزائر، وغيرها من الدول العربية ولاقت استحسان عشرات الآلاف احترامًا لتكريم البنت لوالدها.

بعد نجاح حملات افتراضية في تغيير الواقع، صار المسؤولون الجزائريون يحسبون ألف حساب لمواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى سلطة حقيقية

وبعد يوم واحد، انتشرت صورة أخرى يحمل فيها "عمي حسين" لافتة كتب عليها "أنا أشتغل مجانًا منذ طردي من العمل، من فضلكم ساعدوني، أريد العودة مجددًا إلى عملي"، فانطلقت إثر ذلك حملات مساندة على مواقع التواصل الاجتماعي تناشد السلطات من أجل رد الاعتبار لهذا العامل البسيط. جابت الصورة كبرى المواقع والقنوات العربية، وحل "عمي حسين" ضيفًا على جميع القنوات الجزائرية تقريبًا، ويومًا بعد ذلك، قام نائب رئيس البرلمان الجزائري "بهاء الدين طليبة" بدعوة العم حسين إلى مكتبه بقبة البرلمان، أين وعده بمنصب عمل في إحدى الوظائف الشاغرة بمقر المجلس، هكذا، وبكبسة زر صار عامل نظافة بسيط أشهر رجل في البلد، تغريدة واحدة أعادت الأمل للعم حسين بعد عام من البطالة.

اقرأ/ي أيضًا: المقاومة الإلكترونية.. عَليهم!

عمي حسين(فيسبوك)

 

عمي حسين من الجزائر(فيسبوك)

في مدينة عين مليلة، بمحافظة أم البواقي، شرقي العاصمة، ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في رد الاعتبار لأحد رموز الثورة الجزائرية، الشهيد محمد العربي بن مهيدي، فبمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لاستشهاده قررت سلطات المدينة أن تكرمه بوضع تمثال له وسط المدينة، لكن المفاجأة كانت كبيرة حين أزيل الستار عن التمثال، لقد لاحظ الجميع أن ملامحه لا تشبه تمامًا ملامح بن مهيدي، لقد كان أقرب إلى الصورة الكاريكاتورية، إذ قام مصممه بتشويه ملامحه فظهر وكأنه شيخ في أرذل العمر، والمعروف أن العربي بن مهيدي قد استشهد وهو في ريعان شبابه.

ما حدث أثار استياء سكان المدينة، واعتبروا الأمر فضيحة وإهانة لتاريخ وبطولات الشهيد الرمز، سرعان ما انتشر الخبر، وبدأت التعليقات تعم مواقع التواصل الاجتماعي. في تلك الليلة قام عدة نشطاء يتقدمهم المدون جلال لوز بتغطية التمثال بالعلم الوطني، وطالبوا السلطات بتنحيته فورًا ومعاقبة من تسبب في هذه "المهزلة"، حسب تعبيرهم، الأمر الذي قاد هؤلاء الشباب إلى الاعتقال على يد قوات الأمن بتهمة التخريب. زادت حدة التصعيد عبر عدة صفحات على موقع "فيسبوك"، أجمعت كلها على ضرورة إزالة ذلك التمثال المهين، "كي لا يقتل بن مهيدي مرة أخرى"، وعلى يد أبناء بلده هذه المرة، فرضخت السلطات لضغط الشارع، وقامت البلدية بإزالة التمثال ليلًا، فيما عاد النشطاء إلى نفس المكان لأخذ "سيلفي النصر"، هكذا، أعادت أزرار أحد الهواتف الذكية الاعتبار لشهيد الوطن.

سيلفي النصر لناشطي مواقع التواصل الاجتماعي من الجزائر(فيسبوك)

هذه الحادثة ذكرت الجزائريين بحادثة مماثلة نهاية العام الماضي، ففي مدينة قسنطينة، وفي إطار احتفالها بتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، قرر المشرفون على التظاهرة إقامة نصب تذكاري للشيخ العلامة "عبد الحميد إبن باديس"، لكن المجسم أثار حملة من الاستياء والسخرية أيضًا، فلقد أجمع رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن التمثال مهين لشخص "الشيخ عبد الحميد إبن باديس" ولا يعكس صورته كرائد للنهضة الجزائرية، تواصلت تلك الحملة، وتبادل الرواد الصور والتعليقات، لتقوم السلطات بإزالة التمثال من مكانه بعد يومين فقط من تنصيبه، مرة أخرى، وهكذا مرة أخرى تنتصر جيوش الافتراضيين في فرض منطقها على أرض الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: الهاشتاغ.. لغة رقمية باستخدامات عربية مختلفة

هذه الوقائع وأخرى مشابهة، جعلت المسؤولين يحسبون ألف حساب لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت سلطة حقيقية تغير الموازين، وتسهم في صناعة القرار، فلقد غدت هذه المواقع تلعب دور المراقب، والكاشف للكثير من التجاوزات التي تحدث في عديد القطاعات، لقد صار "فيسبوك" مساهمًا بارزًا بقسط كبير في رفع درجة النقاش حول أي قضية، وتحويلها إلى مشكل عمومي يطرح على أجندة الحكومات، وكذا وسيلة من وسائل الاحتجاج التي يمكن أن تنتقل من عوالم الافتراض إلى الواقع في أي وقت، نحن اليوم أمام واقع سلطة جديدة بدأت تتشكل على سطح الشبكة العنكبوتية التي وفرت للشباب والفاعلين السياسيين والنشطاء فرصة لنشر آرائهم، وانتقاد الأوضاع السياسية دون قيود، والدفاع عن المواقف والقضايا التي يؤمنون بها.

اقرأ/ي أيضًا:

لو تحدثت النساء مثل الرجال.. يفضح العقد الذكورية

فيسبوك.. جحيم السياسيين المغاربة