يبدو أنّ رئاسيات الثاني عشر من كانون الأوّل/ديسمبر المُقبل، ستكون استثنائية على أكثر من صعيد، فالاستحقاق الذي تزامن مع أزمة سياسية غير مسبوقة تعيشها البلاد، ومشهد ضبابي غير واضح المعالم، يسير أيضًا في طريق غير موازية لمطالب آلاف الجزائريين الذين يواصلون الخروج إلى الساحات والشوارع، للمطالبة بتغيير حقيقي في الجزائر، رافضين لانتخابات صورية تتغيّر فيها الأسماء وتترسّخ فيها الممارسات القديمة نفسها، وما زاد من شدّة الرفض، وصول من يعتبرهم الشارع "وجوهًا للنظام السابق" إلى القائمة النهائية لمرشّحي الرئاسيات.
تجاوزت الصفحة الرسمية للمرشّح علي بن فليس رقم مليون و 300 ألف متابع على فيسبوك
الهروب من امتحان الشارع
أجمع مرشّحون الرئاسيات، خلال إجاباتهم على أسئلة الصحافة، في ندوات أعلنوا فيها عن برامجهم، أنّ الجزء الرافض للانتخابات يملك رأيًا يجب أن يُحترم رافضين، الصدام المباشر مع الشارع، في مقابل ذلك يستعيرون عبارة "مطالب الحراك" للدلالة على أنّ برامجهم متماشية مع ما يطلبه الشعب الجزائري، من خلال حراكه السلمي.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر..الانتخابات البرلمانية تبدأ من الفيسبوك
لكن أولى ردود الفعل، قد تكون رياحًا لا تشتهيها سفن المتسابقين نحو المرادية، فقبل أسابيع انتشر شريط فيديو يُظهر شبابًا تعرّضوا للمترشّح علي بن فليس في الشارع بحي بابا حسن غرب العاصمة، وردّدوا شعارات غاضبة اضطرته لمغادرة المكان.
وفي شريط آخر، متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، كان بعض سكان مدينة تندوف ينتظرون المرشّح عبد القادر بن قرينة، على مقربة من قاعة نشّط فيها تجمّعا شعبيًا، وأخذوا يهتفون بشعارات مستوحاة من الحراك الشعبي، حيث كان مسموعًا بشكل واضح وهم يردّدون"خُنتم حراك الشعب"، في رسالة قد تكون وصلت لباقي المتنافسين على خلافة بوتفليقة، وهي أنّ مثل هذه المشاهد ستتكرّر معهم طيلة الحملة الانتخابية، كما أنّ ما حدث مع بن قرينة هو أيضًا رسالة مفادها أن ولايات الجنوب التي قد يعتمد عليها المرشّحون، كخزّان انتخابي تُطلق فيه الوعود الزائفة لم تعد كما كانت في السابق.
يعلم المرشّحون الخمسة للرئاسيات، أنّه لأسباب عديدة، ستكون مواقع التواصل الاجتماعي هي الحلبة التي ستشهد أقوى النزالات، وأنّ استعراض القوّة سيكون في هذا الفضاء الافتراضي بعد أن صار الفضاء الحقيقي مغلقًا أمامهم، فقبل أقلّ من ثلاثة أيّام عن بداية الحملة الانتخابية لم تظهر أيّة استعدادات على مستوى المدن والقرى، إذ لم يعد فتح المداومات أمرًا يسيرًا أمام رفض شعبي عارم لها. وقد نشهد حملة انتخابية باهتة في قاعات فارغة وأمام حضور محتشم، إلا ظهرت معطيات أخرى، خاصّة وأنّ مديري الحملات الانتخابية لكلّ مرشّحي الرئاسيات يؤكدون في تصريحات صحافية، على برمجة تجمعات شعبية في أزيد من ثلاثين ولاية.
الفيسبوك.. بداية التجنيد
أصبح مسلّمًا اليوم، أن يتوجّه السياسيون نحو مواقع التواصل الاجتماعي لترويج أفكارهم ونشر مختلف أنشطتهم السياسية، فمواقع التواصل الاجتماعي صارت تضم مختلف الشرائح العمريّة والاجتماعيّة والقادمة من مشارب فكرية متنوّعة، وخاصّة فئة الشباب الذين على الرغم من انخفاض نسب مشاركتهم في التصويت لأسباب تراكمية سابقة تضاف إليها نتائج الحراك الشعبي منذ أشهر، إلّا أنّهم يحتلون المنصات الرقمية مما يجعل هناك إمكانية أكبر للتوجّه نحوهم عبر هذه المنصات، بما أنّ الشارع بات منطقة شبه محرّمة على فرسان المرادية.
كما أنّ رسائل المترشحين بمختلف أشكالها، منشورات أو فيديوهات أو صور، تصل بسهولة للمتلقي في العالم الرقمي، وهو ما يخلق مساحة للتفاعل مع الجمهور وتوضيحًا مباشرا وحينيًا، ممّا جعل كل المرشحين يوظّفون على مستوى مديريات حملتهم أشخاصًا مختصّين في تسيير مواقع التواصل الاجتماعي، لصنع المحتوى الرقمي للحملة الانتخابية، وترويجه ومتابعة تفاعل الناس معه.
إعجابات الفيسبوك وهتافات الشارع
لو أردنا القيام بدراسة في استراتيجيات الاتصال السياسي عند المترشحين الخمسة، فستتبيّن لنا بوضوح عدّة معطيات، فالقاسم المشترك بينهم أنّهم يولون اهتمامًا بالغًا لفيسبوك وهو المنصّة الأكثر انتشارًا في الجزائر، كما أنّ هناك تطورًا ملحوظًا في جمالية صناعة المحتوى الرقمي من فيديوهات توضيحية، أو إنتاج رسائل مصّورة يقدّم فيها المرشّحون وعودهم الانتخابية.
كما أنّ خلايا الإعلام لدى هؤلاء المرشّحين تسهر على نشر كل صغيرة وكبيرة عن نشاطاتهم، ومقتطفات من البرامج التلفزيونية التي نزلوا ضيوفًا عليها، وفي جولة قصيرة عبر هذه الصفحات الرسمية، يمكن اعتبار صفحة مديرية عبد المجيد تبّون الأكثر نشاطًا، حيث يملك طاقمًا كاملًا داخل مديرية حملته ببئر خادم بالعاصمة، في مقابل ذلك، يُراهن القائمون على صفحة علي بن فليس على عدد المتابعين الكبير الذي يقدّر بمليون و300 ألف متابع، ممّا يجعله السياسي الجزائري الثاني على فيسبوك بعد رشيد نكّاز.
المرشّح عز الدين ميهوبي يصنع الاستثناء بقلّة حضوره على فيسبوك، معوّضًا ذلك بنشاطه على تويتر
الشيء نفسه، ينطبق على الصفحة الرسمية لعبد القادر بن قرينة التي تنشر أخباره ونشاطاته، وتحرص على تمرير رسائله في كل سانحة حتّى قبل ترشّحه للرئاسيات، كما أنّ المكلّفين بالإعلام لدى جبهة المستقبل يواظبون على نشر نشاطات عبد العزيز بلعيد في صفحته الرسمية، موثّقين زياراته وخطاباته، بينما يصنع عزالدين ميهوبي الاستثناء بقلّة حضوره على فيسبوك، معوّضًا ذلك بنشاط يومي على تويتر، رغم أن الأمور ستتغيّر حتمًا بعد إنشاء صفحة جديدة، بدأت مباشرة بإعلانات ممّولة ربما لاستدراك التأخّر في معركة الفيسبوك، التي ستكون أمّ المعارك في الطريق إلى المرادية.
اقرأ/ي أيضًا:
الانتخابات الجزائرية.. تغذّية الانتماءات القبلية والخضوع لسطوتها!