منوعات

برتبة طُهاة.. أزواج يقتحمون المطبخ في رمضان

15 مارس 2025
(الصورة: فيسبوك)
طاهر حليسي
طاهر حليسي الجزائر

في مشهد رمضاني بات مألوفًا في السنوات الأخيرة، يقتحم الأزواج المطابخ ليس فقط بدافع تحقيق المتعة الشخصية، بل تقديرًا لزوجاتهم وتخفيفًا عنهن خلال الشهر الفضيل، أو طمعًا في نيل الثواب تنفيذا لوصية "رفقًا بالقوارير".

أتى هذا التحوّل نتيجةً لتجاوز الأجيال الجديدة للقوالب الاجتماعية التقليدية التي كرّست الفصل بين مهام الرجل والمرأة

 هذا التحوّل في الأدوار بين الزوجين يأتي نتيجة عاملين أساسيين: الأول، تجاوز الأجيال الجديدة للقوالب الاجتماعية التقليدية التي كرّست الفصل بين مهام الرجل والمرأة، والثاني، الفورة الرقمية التي كشفت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أزواج يتباهون بمنافسة زوجاتهم في "مملكتهم الخاصة"، دون الالتفات إلى الأحكام النمطية أو ضوابط "الضمير الجمعي" التقليدي.

يُبرز هذا المشهد تحوّلات ثقافية عميقة، حيث لم يعد المطبخ خطًا فاصلًا بين الجنسين، بل فضاءً مشتركًا يعكس التفاهم الزوجي، ويؤكد أن رمضان ليس مجرد مناسبة دينية بل أيضًا فرصة لتعزيز قيم التعاون، الحب، والمودة الأسرية.

مرح ودفء

حين يهلّ رمضان، يعلّق عمار بلقاسم ، الفنان التشكيلي والمغني ،هواياته الإبداعية ليرتدي مريلة الطبخ، مستعدًا لممارسة هوايته المفضلة في هذا الشهر المبارك.

يختصر عمار حكايته مع الطهي، في حديث لـ "الترا جزائر" قائلاً: " بدأت علاقتي بالمطبخ منذ سن الثانية عشرة، عندما كنت أواجه صعوبة في صيام يوم كامل، فلجأت إلى أساليب مختلفة للتغلب على الجوع، مثل النوم أو مشاهدة التلفاز، لكنها جميعًا باءت بالفشل. عندها اهتديت إلى استراتيجية مبتكرة: بدل التفكير في الطعام، قررت الانشغال بإعداده، فتحوّل المطبخ إلى ملاذٍ ممتع، بل وإلى ساحة للإبداع".

يتوقف قليلًا قبل أن يضيف بطرافة:" لم يكن الأمر مجرد طهي، بل كان حفلاً مصغرًا داخل المطبخ، حيث كنت أؤدي أغنيات بطابع مطعمي، مثل "يا شجرة المشماش"، و"واش حدرك للواد يا زيتونة"، و"جاني ماجاني عطر في جناني خوخ ورماني وسفرجل طايب"، فكان للمطبخ إيقاعه الخاص، تفوح منه روائح البهارات ممزوجة بأنغام الأغاني".

ورغم طابعه المرح، يؤكد عمار بنبرة جادة:" مشاركتي في تحضير الإفطار ليست مجرد مهمة منزلية، بل رسالة حب وامتنان، وتجسيد لمعنى التشارك الحقيقي في تفاصيل الحياة اليومية، خاصةً في شهر يزخر بالروحانية والدفء العائلي، لذا من الواجب مساعدة الزوجة التي تشقى من أجلنا طوال العام وفي هذا الشهر بالذات".

الفنان عمار بلقاسم لـ "الترا جزائر": مشاركتي في تحضير الإفطار ليست مجرد مهمة منزلية، بل رسالة حب وامتنان، وتجسيد لمعنى التشارك الحقيقي في تفاصيل الحياة اليومية

عمّار، الذي تلقّى تكوينًا رسميًا في الطبخ خلال إقامته في الخارج، يواظب منذ سنوات على نشر صور أطباقه الرمضانية على وسائل التواصل الاجتماعي، ويضع شروطًا صارمة داخل المطبخ:"هناك بروتوكول تعاون بيني وبين زوجتي، فأنا أحبذ الغناء أثناء الطهي، وأشترط عدم الازدحام في المطبخ لأنه يزعجني كثيرًا.

 لذلك، نتقاسم الوقت والأيام: البارحة، مثلاً، توليتُ مسؤولية إعداد "عجة مرقاز" و"طاكوس" من الخامسة مساءً، بعدما أنهت زوجتي تحضير "الشوربة فريك"، 'الكسرة"، "السلطات"، و"الطاجين".

وبروح رياضية، يعترف عمار بابتسامة: "زوجتي تتفوق عليّ في شوربة الفريك، التي أعجز عن مجاراتها فيها مهما اجتهدت، لكنني أُبدع في أطباق أخرى مثل "البوراك" و"العجة" و"الطاكوس".

في النهايةيضيف، الرابح الأكبر هم أطفالنا الذين يحوّلون الأمر إلى منافسة مرحة، حيث يقومون بالتصويت على الأطباق. في البداية، انقسموا إلى نصفين، نصف معي ونصف مع والدتهم، لكني بدأت أسجل تفوقًا طفيفًا مؤخرًا! والنتيجة النهائية لهذا "الديربي الرمضاني" ستُحسم في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم".

تشارك وتعاون

السيدة "زهور. م" موظفة إدارية خمسينية، اعتادت منذ سنوات على دخول زوجها إلى المطبخ، لكنها تعترف بأن الأمر لم يكن سهل القبول في البداية.

"هناك نساء يفضلن أن يبقى الأزواج خارج مجال تغطية الطهي، لأنهن يخشين المقارنات التي قد يجريها الأبناء بين أطباق الأم والأب، خاصة أن انتقاد طهي المرأة – سواء من الأبناء أو شقيقات الزوج أو أمه – يُعدّ من أكثر الأمور إزعاجًا".

سيّدة لـ "الترا جزائر": التحولات الاجتماعية الحديثة أفرزت مفهوم "تقاسم الأدوار"، بحيث لم يعد دخول الرجل إلى المطبخ عيبًا، بل دليلاً على تطور في الذهنية الأسرية والعقل الرجالي

لكن مع مرور السنين، تغيّر منظورها للأمر، ولم تعد ترى المسألة من زاوية المنافسة بل التكامل، مؤكدةً:" قديماً، كان المجتمع ينظر إلى دخول الرجل للمطبخ نظرة استغراب، رغم أنه في الشريعة الإسلامية لا شية فيه، بل مستحب لتحقيق الألفة والمودة. فقد وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقولها: " كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ما يدل على أن التعاون في الحياة الزوجية أخلاق نبوية وتعاليم إنسانية راقية.

وترى زهور أن التحولات الاجتماعية الحديثة أفرزت مفهوم "تقاسم الأدوار"، بحيث لم يعد دخول الرجل إلى المطبخ عيبًا، بل دليلاً على تطور في الذهنية الأسرية والعقل الرجالي، مشددةً على أن الزوج الذي يشارك زوجته في الطبخ يحظى بتقدير واحترام كبيرين منها، لأن ذلك يعكس روح المودة والرحمة الحقيقية في العلاقة الزوجية".

وتوضح: "في منزلنا، يعدّ زوجي السلطات والبوراك، بينما أتكفل أنا بطهي الشوربة والطاجين الحلو، ما يخفف عني الأعباء، خصوصًا أنني موظفة، ورمضان كثيرًا ما يتزامن مع فصول يكون فيها الفارق بين نهاية الدوام وأذان المغرب قصيرًا جدًا، لا يتجاوز ثلاث ساعات".

في المحصلة، يبدو أن المطبخ الرمضاني لم يعد ساحةً للصراع بين الأدوار التقليدية، بل مساحةً للتعاون والشراكة، حيث أصبحت فكرة "الزوج الطاهي" أكثر انتشارًا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي سلّطت الضوء على هذه الظاهرة، مما أحدث تغييرًا في النظرة المجتمعية لدور الرجل داخل الأسرة.

تؤكد زهور، المتحصلة على شهادة جامعية في علم الاجتماع، أن هذا التحوّل يخلف أثرًا إيجابيًا لدى الأطفال الذين ينشؤون على ثقافة المساواة والتعاون بين الزوجين، ما ينعكس على استقرارهم النفسي والعاطفي.

وتختم بالقول: "ما يهدد انسجام المجتمعات ليس فقط الأزمات الاقتصادية أو السياسية، بل الأسر المفككة التي تنعدم فيها قيم المحبة والتفاهم. والمطبخ، في جوهره، ليس مجرد مكان للطهي، بل فضاءٌ تنعكس فيه طبيعة العلاقات الزوجية، فإما يكون مصدر دفء وود، أو ساحةً لصراع الأدوار".

حوار وطني  

تزوج ضياء الدين، وهو إعلامي، بزميلته حفيظة، بعد قصة تعارف نشأت في مقر عملهما بجريدة بالعاصمة. لكن الحياة دفعتهما لاحقًا للهجرة إلى مدينة داخلية بحثًا عن الرزق، رفقة أبنائهما.

ضاحكًا، يقول ضياء الدين لـ"الترا جزائر": أساعد زوجتي في رمضان وفي غيره، فقد اعتدت على ذلك بدافع الحفاظ على توازن أسرتنا، خاصة عندما تكون متعبة أو مريضة. ورمضان شهر التشارك العائلي بامتياز".

 

اقرأ/ي أيضًا:

Image removed.

الرجل الجزائري في المطبخ.. كورونا والحجر المنزلي يتحالفان

 

ويستعيد بداياته مع الطبخ قائلًا:"تعلمت الطهي خلال دراستي الجامعية في حي الشعبة بعنابة، حيث أتقنت تحضير "شوربة الفريك"، أو "الجاري" كما تسمى في الشرق الجزائري، بالإضافة إلى البريك العنابي، الذي تعلمته من زميل عنابي".

ثم، وكأنه تذكّر موقفًا طريفًا، يبتسم ويعقب:"حين كانت زوجتي حاملًا بابنتنا جانة، توحّمت على البوراك في وقت متأخر من الليل. لم يكن هناك مطعم مفتوح، فاستنجدت بخبرتي في المطبخ، ونزلت مسرعًا إلى المحل، اشتريت الديول، والبيض، والجبن، وأعددت لها حبات بوراك، فكافأتني بابتسامة امتنان لم أنسها".

ولحسن حظ هذا الزوج المتفاني، أن زوجته لم تتوحّم على البطيخ أو التين الشوكي في عزّ الشتاء، وإلا كان الموقف أكثر تعقيدًا.

لكن التجربة لم تتوقف عند ذلك، بل تحولت إلى حوار ثقافي مطبخي بين الشرق والوسط والغرب الجزائري. يضحك ضياء الدين ويقول: "أتاح لنا رمضان فرصة لتبادل وصفاتنا المطبخية، فزوجتي من سيدي بلعباس وأنا من العاصمة. لقّنتها إعداد شوربة الفريك والرخسيس، بينما علّمتني هي تحضير الحريرة، التي تشتهر بها منطقتها. وخلال السنوات الأخيرة، صارت تتقن شوربة الفريك، كما أصبحت بارعة في تحضير الملوخية، رغم أنها لم تكن تعرفها سابقًا، بحكم أن طبق القناوية هو الأكثر شهرة في منطقتها".

أزمة دبلوماسية

لكن، في المقابل، هناك نساء لا يقبلن المساس بتاج المطبخ، كما تؤكد هزار، وهي ربة بيت، ترفض بشكل قاطع أن يشاركها زوجها في إعداد الطعام.

تضحك هزار وتقول لـ "الترا جزائر":"لو كنتُ عاملة لربما قبلت بذلك، لكنني ما دمتُ ماكثةً في البيت، فلا أحب أن يشاركني أحد في "وزارة الداخلية" ! زوجي يعمل سائق تاكسي، ويعود مرهقًا، كما أنني طاهية محترفة، أعدّ أطباقًا حسب الطلب لعدد من الزبائن. المطبخ هو مجالي الخاص، وهو جزء من كينونتي وأرفض التخلي عن سلطتي فيه ولو بشكل مؤقت. وثمة سبب أنا أهوى التركيز خلال الطهي وزوجي ثرثار جدا".

ويتفق معها العربي، وهو موظف بدأ مؤخرًا في نشر صور أطباقه عبر فيسبوك، لكنه يعترف ضاحكًا:"

"حاولت مساعدة زوجتي في الطهي، لكني قوبلت برفض حازم منها ومن بناتي اللواتي نصحنني بالتوقف، لأنني 'أتدخل في خصوصيات الطبيخ".

أما مراد، المحامي، فيروي تجربته بشكل مختلف، قائلًا:""كنت أشارك زوجتي في إعداد وجبات رمضان، خصوصًا أطباق السمك، لكنني توقفت منذ ثلاث سنوات، بعدما تحوّل الأمر إلى "أزمة دبلوماسية" في البيت".

محامي لـ "الترا جزائر": كنت أشارك زوجتي في إعداد وجبات رمضان، خصوصًا أطباق السمك، لكنني توقفت منذ ثلاث سنوات، بعدما تحوّل الأمر إلى "أزمة دبلوماسية" في البيت

يبتسم ويضيف: "المشكلة بدأت من أطفالي، فابنتي الصغيرة مشاكسة وتحب المزاح، فكانت تثني على أطباقي بطريقة مستفزة، ثم تقارنها بطبخ والدتها بأسلوب فكاهي. ورغم أن الأمر كان مجرد دعابة، إلا أنني لاحظت حساسية زوجتي تجاه الموضوع. لذا، تفاديًا لأي احتكاك، قررت اعتزال المطبخ منذ ثلاثة مواسم".

ويختم رمزي السعدي، وهو موظف في سلك أمني، قائلًا:" رغم ما قد يثيره الموضوع من حساسيات، إلاّ أن رمضان يظل شهرًا مليئًا بالحيوية والمرح العائلي. قبل يومين فقط، نلتُ ثناء أطفالي بعدما أعددت لهم طبق "شكشوكة"، ممّا أزعج زوجتي قليلًا، إذ شعرت أن أبناءها قد "خانوا ولاءهم" لها في المطبخ. لكن في النهاية، يبقى رمضان فرصة جميلة لتجديد روح العائلة، مهما كانت المنافسات الطهوية محتدمة".

الكلمات المفتاحية

حيوانات صحراوية نادِرة تكشف أسرارها في فيلم "السّاورة"

حيوانات صحراوية نادِرة تكشف أسرارها في فيلم "السّاورة"

لو سألت الجزائريين عن موقع منطقة "السّاورة" ومُميزاتها، فستُفاجَأ بتعدُّد الرُّدود وتنوُّع الأجوبة، غير أنّ أغلبها سيرُكّز على كونها منطقة صحراوية، ممّا يعكِس الصورة النّمطية السائدة لدى الكثيرين عن الصحراء بشكل عام.


الجزائر العاصمة

ذاكرة المدينة على الواجهة البحرية.. رؤية معمارية مستلهمة من الجزائر القديمة

في خضم التطور المتسارع والتحولات العمرانية، يصبح الحفاظ على هوية المدن ضرورة ملحة لضمان تميزها وأصالتها.


مدينة وهران الجزائرية

"ربيع وهران".. احتفاء بالتراث والابتكار ومعارض متنوعة للصناعات التقليدية


كاميليا جوردانا

كاميليا جوردانا.. ممثلة من أصول جزائرية تتعرض لهجوم كاسح في فرنسا بسبب دعمها لغزة

تواجه الممثلة والمغنية الفرنكو-جزائرية كاميليا جوردانا حملة هجوم شرسة في وسائل الإعلام الفرنسية، بسبب تصريحاتها العلنية الداعمة لغزة ومقاطعتها للعلامات التجارية التي تربطها علاقات بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

vent.jpg
أخبار

طقس الجزائر.. أمطار ورياح عاتية عبر 13 ولاية

حذّر الديوان الوطني للأرصاد الجوية، اليوم الاثنين، من تساقط أمطار رعدية غزيرة ورياح قوية على عدّة ولايات من الوطن.

(الصورة: فيسبوك)
رياضة

رغم الفوز.. شباب قسنطينة يغادر كأس "كاف" من الدور نصف النهائي

أقصي شباب قسنطينة في الدور نصف النهائي لكأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، رغم فوزه يوم الأحد، في مباراة الإياب أمام نهضة بركان بنتيجة 1-0 ، بملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة.


كاتب الدولة مع أفراد الجالية
أخبار

أول مشاركة لأبناء الجالية في مسابقة وطنية تربوية

كشف كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، عن مشاركة متميزة لأبناء الجالية الجزائرية بالخارج في أول مسابقة مدرسية من نوعها ينظمها المجلس الشعبي الوطني بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية.

لاروس
أخبار

إدراج كلمة جزائرية في قاموس لاروس الفرنسي الشهير

أدرجت دار النشر الفرنسية الشهيرة "لاروس"، الكلمة الجزائرية "كراكو" (Karakou) ضمن الطبعة الجديدة من قاموسها الشهير، المرتقب صدوره في 21 أيار/ماي 2025، وذلك ضمن قائمة تضم 150 مفردة جديدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الحبس المؤقت لمتّهم ببيع لحوم أغنام مذبوحة بطريقة غير شرعية


2
أخبار

حادث انزلاق التربة بوهران.. ترحيل 182 عائلة إلى سكنات جديدة


3
رياضة

إعادة برمجة لقاء الرويسات والحراش السبت المقبل بدون جمهور


4
أخبار

تعليق عددين لبرنامجين رياضيين بقناتين خاصتين بعد بث خطاب يحرض على الكراهية


5
رياضة

كيليا تهدي الجزائر ذهبية في كأس العالم للجمباز