09-أكتوبر-2022

(صورة أرشيفية/Getty) كوخ في الصحراء الجزائرية يعتمد على نظام الطاقة الشمية

شكل ملف التعاون الطاقوي بين الجزائر وألمانيا أحد محاور المكالمة الهاتفية التي جرت يوم الأربعاء الماضي بين الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره فرانك شتاينماير، وهو ما قد يبعث الأمل مجددًا على بعث تعاون حقيقي بين البلدين في مجال الطاقات المتجددة يكون بإحياء مشروع "دزيرتيك" في نسخة جديدة  عبر طرح مشروع بديل له يعكس مستوى العلاقات السياسية التي تجمع البلدين، ويلبي رغبتهما في تطوير شراكاتهما في مجال الطاقات المتجددة، خاصة وأن التطورات التي أحدثتها الأزمة الروسية الأوكرانية تجعل برلين ملزمة على تنويع شركاءها الطاقويين.

خبير طاقوي: مبادرة "ديزيرتيك" للطاقة الشمية تحولت من صورة مبهرة لحلم كبير إلى مجرد فكرة فاشلة

وتسعى ألمانيا المتأثرة بشكل مباشر من العقوبات المفروضة على إمدادات الغاز الروسي لتعويض ذلك إما بشكل فردي أو ضمن الغطاء الأوروبي، وهو ما يفتح المجال لإعادة  إحياء المفوضات مع الجزائر في مجال الطاقات المتجددة حتى لو كان مشروع  دزيرتيك بصيغة جديدة بما أن المشروع الأول قد تخلى عنه الطرفان، وفق تصريحات مسؤولين جزائريين.

تعاون جزائري ألماني

حسب بيان الرئاسة الجزائرية، فإن الرئيس تبون بحث مع نظيره الألماني سبل تعزيز العلاقات بين البلدين وتوسيعها إلى كل المجالات وتكثيف الاستثمار في كل الميادين، ولا سيّما الطاقة، والطاقات المتجددة.

وتؤكد هذه المكالمة الهاتفية مواصلة اهتمام برلين بقطاع الطاقات المتجددة في الجزائر، وهو ما يصرح به على الدوام مسؤلون رسميون وخواص من ألمانيا، ففي الـ 7 من أيلول/سبتمبر المنقضي، بحث وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب مع وفد من شركة VNG الألمانية المتخصّصة في مجال منشآت الغاز سبل تعزيز التعاون الطاقاوي.

وأفاد بيان للوزارة بأن الطرفين ناقشا "فرص الأعمال والاستثمار بين مجمع سوناطراك، وVNG، في مجال نقل وتسويق الغاز الطبيعي المسال، وإمكانيات إقامة علاقات تعاون، من خلال مشاريع الشراكة متبادلة المنفعة، بما في ذلك  ما يتعلق بتطوير ونقل وتسويق الهيدروجين الأخضر".

وفي 6 من شهر أيلول/سبتمبر 2022، قالت دون سمرز المديرة العامة لشركة وينترشال ديا الألمانية، في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الجزائر هي المرشّح الأول لشراكة قوية في مجال الطاقة مع الشركة، وذلك عقب استقبالها من  طرف الوزير عرقاب الذي بحث معها فرص الاستثمار والتعاون في مجال تطوير ونقل الهيدروجين، ونقل المحروقات، واحتجاز الكربون وتخزينه.

ومنتصف حزيران/جوان الماضي،  بحث نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني فيطس بن لكحل، مع مساعدة وزير خارجية ألمانيا كاتيا كيول التي زارت الجزائر وقتها واقع العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل توطيدها، حيث أكدت أن برلين "ستعمل على توسيع علاقتها مع الجزائر في مجال الطاقة وبالأخص في الطاقات المجددة".

فشل المشروع

لا تعد المشاورات الجزائرية الألمانية في مجال الطاقات المتجددة حديثة الظروف الإقليمية الجديدة، كونها قديمة تعود لسنوات ماضية، وبالخصوص عندما بدأ الحديث عن مشروع "ديزرتيك" الضخم للطاقة الشمسية، إلا أنه لم ينجح ليتخلى الجانيان عن تنفيذه.

وحسب وزير الانتقال الطاقوي السابق شمس الدين شيتور، فإن سبب عدم تنفيذ مشروع ديزرتيك هو "رفض البنوك تمويله"، نظرًا لكلفته الاستثمارية التي "تفوق 450 مليار دولار".

لكن ليس هذا هو التبرير الوحيد الذي أعطته الحكومة لفشل المشروع الذي أعلنت الجزائر تحمسها للانخراط فيه لما زار الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة ألمانيا في الـ 7  من كانون الأول/ديسمبر سنة 2010.

وفي هذا الشأن، قال وزير الطاقة الأسبق نور الدين بوطرفة  لدى رده على سؤال شفوي بمجلس الأمة في كانون الثاني/جانفي 2017 إن المفاوضات التي تجريها الجزائر مع ألمانيا بشأن هذا المشروع الضخم لا فائدة من استكمالها في ظل وجود فائض في الطاقة الكهربائية بمعظم بلدان أوروبا.

أما وزير الطاقة السابق عبد المجيد عطار فقال في تصريحات تلفزيونية في كانون الثاني جانفي من 2021 إن "ديزيرتيك" تابع لجمعية ألمانية اقترحته على عدّة بلدان من بينها الجزائر، وهو "مشروع ضخم يتطلب ميزانية كبيرة جدًا".

وأردف عطّار  أن "هدف المشروع كان استغلال الطاقة الشمسية التي تتوفّر عليها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بعدها تصدير الطاقة نحو أوروبا"، لافتًا إلى أنّ "أحد مشاريع الجمعية تم تجسيده على أرض الواقع في المغرب، لكن المشروع كان بلا فائدة، والمغرب خسر الكثير من الأموال مقابل مشروع فاشل"، على حد قوله في تبريره لتخلي الجزائر عن المشروع.

أما الخبير الطاقوي مهماه بوزيان الذي عمل مستشارًا في وزارة الانتقال الطاقوي قبل إلغائها كقطاع مستقل في التعديل الحكومي فقد أوضح في مقابلة مع موقع "الطاقة" أن  "مبادرة ديزيرتيك تحولت من الصورة المبهرة المغذّية لحلم كبير، إلى مجرد فكرة فاشلة ومنتهية الصلاحية لسبب بسيط يتمثل في عدم قدرة المبادرين به على التوفيق بين أحلام المجتمع المدني العالمي وتوجهات العلماء وآراء الخبراء، وبين المصالح التجارية العابرة للحدود التي تدافع عنها مؤسسات صناعية ترجو بيع تكنولوجياتها وجني الأرباح في ظرف 3 إلى 5 سنوات، دون الانتظار حتى 2050 لتجسيد المشروع."

وأضاف أن "فكرة المشروع ومساره داخل المجموعة الألمانية ذاتها كانا موضع جدل وصراع وتناقضات وصدامات، بغضّ النظر عن اللجوء لاستحضار مواقف بقية مكونات المجموعة الأوروبية، وتوسعة التحليل والتقييم للمشروع خارج الفضاء الألماني"، بالنظر إلى أن المبادرة انطلقت كمفهوم من قبل "نادي روما" ومجموعة "التعاون عبر البحر الأبيض المتوسط للطاقة المتجددة (تي آر إي سي)"، الذي هو اتحاد من مخصصات صندوق هامبورغ لحماية المناخ.

وأوضح بوزيان أن "  مشروع "ديزرتيك" قد رُفض في ألمانيا وانتهى هناك، فمعارضة شخصيات ألمانية علمية بارزة للمشروع وانتقادهم له ليست مسألة خافية، وأبرز من هاجمه كان هيرمان شير، الأب للمنظومة القانونية الألمانية للطاقات المتجدّدة، ورئيس "يوروسولار"".

فرصة ثانية

رغم فشل مشروع "دزيرتيك" الذي حمل – حسب المختصين- منذ نشأته أسباب عدم نجاحه، فإن باب التعاون الطاقوي بين الجزائر وألمانيا يبقى مفتوحًا، بالنظر إلى متانة العلاقات السياسية والاقتصادية والدفاعية بين البلدين.

وقال وزير الانتقال الطاقوي السابق شمس الدين شيتور لدى تأكيده طوي ملف "ديزيرتيك" أن "ألمانيا ستعمل يدًا بيد مع الجزائر للقيام بمشروع في مجال الطاقات المتجددة وكذا في مجال الهيدروجين الأخضر الذي يمكن أن يستعمل عوضا عن الغاز الطبيعي".

وأكدت نائب وزير الخارجية الألمانية كاتيا كيول خلال مباحثات جمعتها مع وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة بن عتو زيان الذي ألغيت وزارته في التعديل الوزاري الأخير اهتمام بلادها بتعزيز الشراكة بين البلدين في مجال الانتقال الطاقوي، مشيدة في هذا الإطار بالجهود المبذولة من قبل الجزائر في هذا الشأن.

وما قد يساعد على تسريع التعاون الجزائري الألماني في مجال الطاقات المتجددة، هو الحال التي تعيشها برلين بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي جعلتها تخطط لإنفاق ما يصل إلى 200 مليار يورو (195 مليار دولار) لمساعدة المستهلكين والشركات في البلاد، على مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.

وقال المستشار أولاف شولتز في تصريحات صحفية، الخميس الماضي، إن الحكومة ستعيد تنشيط صندوق الاستقرار الاقتصادي المستخدم سابقاً خلال الأزمة المالية العالمية ووباء فيروس كورونا.

وشهد أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي زيادة حادة وصلت إلى ثلاثة أضعاف في فواتير الطاقة على المستهلكين من الأسر والشركات.

ينتظر أن يشكل انعقاد الاجتماع السنوي الرابع قد يشكل فرصة لشراكة في هذا المجال

ورغم عدم وجود صفقات جديدة محددة بشأن التعاون الجزائري الألماني في مجال الطاقات المتجددة، فإن انعقاد الاجتماع السنوي الرابع رفيع المستوى لحوار الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي قد يشكل فرصة لشراكة في هذا المجال سواء كان ضمن  تعاون ثنائي أو ضمن العلاقات الجزائرية الأوروبية.