10-يوليو-2022
الرئيس تبون يترأس مجلس الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

الرئيس تبون يترأس مجلس الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

بعد استكمال احتفالات الذكرى الستين لعيد استقلال الجزائر بتاريخ 5 تموز/جويلية، وإسدال الستار على الطبعة التاسعة عشر لألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران في السادس من نفس الشهر، وقطع أشواط هامّة في مشاورات الرئيس للم الشمل مع مختلف الفاعلين في الساحة السياسية والوطنية طيلة شهرين من الزمن، واقتراب تاريخ اختتام الدورة البرلمانية الممددة إلى 14 تموز/جويلية الجاري، عاد ملف التعديل الحكومي المؤجل لأسابيع ليطفو إلى السطح مجددًا بعد "المتوسطية" و"الستينية"، وسط تساؤلات بالجملة مفادها: هل حان الوقت المناسب للتعديل الحكومي؟

الخبير الدستوري رشيد لوراري: مشاورات لم الشمل والأحداث الكبرى التي عرفتها البلاد خلال الأسابيع الماضية عطلت التعديل الحكومي

فرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، سبق وإن تحدث بتاريخ 24 نيسان/أفريل 2022 في حوار للصحافة الوطنية عن تعديل وشيك،  قائلًا: "بعض الوزراء أخفقوا في أداء مهامهم"، وأوضح الرئيس أن التعديل الحكومي، إذا تم، فسيكون وفقًا لنتائج كل قطاع على حدة، حيث سيبقى مقياس تفعيل هذا التعديل هو مدى تطبيق قرارات مجلس الوزراء، إلا إذا ارتكب أي وزير خطأ فادحًا، حيث سيؤدي ذلك بالضرورة إلى إنهاء مهامه.

وبين من يرى أن التعديل الحكومي سيؤجل إلى الدخول الاجتماعي المقبل وربّما إلى ما بعد انعقاد القمة العربية في الجزائر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حيث ستتفرغ الحكومة الحالية طيلة الأشهر الأربعة المتبقية للتحضير لهذا الحدث الذي تعتبره الجزائر "تحديًا استثنائيًا"، يرى آخرون أن موعد التعديل بات وشيكًا، ولم تعد تفصلنا عنه إلا بضعة ساعات أو أيام كأقصى تقدير، حيث كان ينتظر الرئيس اختتام الألعاب المتوسطية ليقول كلمته بشأنه.

ويأتي ذلك بالتزامن مع حالة الشغور التي يشهدها منصب وزير المالية بعد إنهاء مهام الوزير السابق عبد الرحمن راوية بتاريخ 14 جوان/ حزيران 2022 دون تحديد الأسباب والخلفيات، وتعيين الأمين العام للوزارة لتسيير القطاع نيابة عنه.

ومعلوم أن مشروع قانون المالية التكميلي للسنة الجارية لم يجهز إلى حد الآن ولم يصادق عليه مجلس الوزراء إلى غاية كتابة هذه الأسطر، كما لم يتم إلغاؤه بشكلٍ رسمي أو التخلي عنه، وهو ما قد يقود إلى الاستعجال في التعديل لتنصيب وزير مالية في أقرب وقت يحل هذا الإشكال.

هل حان الوقت المناسب؟

ويؤكّد الخبير الدستوري رشيد لوراري في حديث مع "الترا جزائر" أن أهم الملفات التي عطلت التعديل الحكومي سابقًا انشغال الرئيس بمشاورات لم الشمل والأحداث الكبرى التي عرفتها البلاد خلال الأسابيع الماضية، يتقدمها تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط وكذلك احتفالات الذكرى الستين لعيد الاستقلال.

ويعتبر لوراري أن فترة العطلة الصيفية تعد فرصة مواتية لإجراء أي تعديل سواءً كان حكوميًا أو على مستوى الهيئات المحلية أو حتى الدبلوماسية من منطلق أن هذه المرحلة ستجعل الطاقم الجديد مستعدا للعمل مع بداية الدخول الاجتماعي المقبل.

ويبقى التعديل الوزاري بيد رئيس الجمهورية الذي يمتلك كافة الصلاحيات لاختيار  الأشخاص الذي يرى أنهم مؤهّلين لتولي المهام بناءً على تقييمه الخاص، وفق لوراري.

وأردف المتحدث: "يجب القول أن حكومة أيمن بن عبد الرحمن  أمضت وقت كافيًا بقصر الدكتور سعدان، لذلك يجب أن تحظى بتقييم نوعي خاصة وأنها خضعت لامتحانات حقيقية في عدة ملفات لإثبات جدارتها في الميدان خلال الفترة السابقة".

ومن جهته يشدد البرلماني والقيادي في حركة البناء الوطني كمال بن خلوف أنه بعد مرور سنة اليوم من  تعيين الوزراء، بات من الضروري إجراء تعديل، خاصة في ظل وجود  أعضاء في الحكومة، معنيين بالرحيل، لكن قبل ذلك يفترض تقييم فعلي للأداء، عبر تقديم  حصيلة عملهم أمام البرلمان.

ويضيف المتحدث في تصريح لـ"الترا جزائر": "حسب المعطيات المتوفرة لدينا فالتعديل الحكومي سيكون الشهر المقبل  وسيمس عددًا معتبرًا من الوزراء".

هذا ما خلصت إليه المشاورات

ويجزم الخبير الدستوري لوراري أن تعديل الحكومة إن تم خلال المرحلة المقبلة يجب أن ياخذ بعين الاعتبار ما خلصت إليه مشاورات لم الشمل التي امتدت لأزيد من شهرين وضمت عددًا كبيرًا ومتشعبًا من التشكيلات السياسية والجمعيات والمنظمات ولم تستثن أي طرف.

ويعتقد المتحدث أن فتح ملف التعديل مع هذه التشكيلات خلال لقائها الرئيس تبون وفق تصريحات عدد كبير من رؤساء الأحزاب السياسية، بمجرد مغادرتهم مبنى الرئاسة، يعني أن هؤلاء قدموا مقترحاتهم وتصوراتهم حول الحكومة المقبلة، بل واقترحوا أسماء يرون أنها مؤهلة لتسيير بعض القطاعات خلال المرحلة التي ستسبق القمة العربية.

ولم ينف لوراري فرضية استعانة الرئيس تبون بهذه الشخصيات لتسليمها حقائب وزارية معينة، خلال الأيام القادمة، خاصة وأن هدف هذه المشاورات هو لم الشمل، وبالتالي فالمغزى منها تقريب وجهات النظر والاستعانة بخبرة الآخر.

وزراء في "المنطقة الحمراء"

ويعتقد كمال بن خلوف أن تصنيف الوزراء في "الخانة الحمراء" من عدمه من صلاحيات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المخول الوحيد بذلك، إلا أنه يجزم بضرورة رحيل بعض أعضاء الطاقم الحكومي.

ومن بين القطاعات التي تحتاج لتعديل فوري حسبه، السياحة التي لم تشهد أي خطوة نحو الأمام منذ سنة، ولم يشرف مسؤولها الأول على أي مشروع منذ قدومه، بل وزراؤها المتداولون يتصرفون وكأنهم "في عطلة مدفوعة الأجر"، وأيضًا بالنسبة لقطاع الفلاحة، في ظل العجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في أيّة مادة فلاحية، وهو الهدف المنشود الذي سطره رئيس الجمهورية، ما يفرض ضخ دماء جديدة في الطاقم الحكومي.

ومن بين الأسباب التي تستعجل التعديل أيضًا خلال هذه الفترة، وفق بن خلوف، وجوب توفر حكومة قوية قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر، فهذه الأخيرة ستكون بمثابة عرس آخر وتحد كبير، أمام الجزائر، يفرض تواجد طاقم حكومي قوي لتسييره. 

ومن جهته يقول المحلل السياسي عبد الرزاق صاغور في تصريح لـ"الترا جزائر" أن عددًا معتبرًا من الوزراء في الحكومة الحالية فشلوا في أداء مهامهم وبالتالي، فمقصلة التعديل ستمسهم لاحقًا، خاصّة وأن البعض منهم قضى فترة طويلة في أروقة الحكومة، ما يعني أن التقييم سيكون حسب المدة التي استغرقها والأداء الذي قدمه والنتائج التي توصل إليها.

لم يستبعد المحلل السياسي عبد الرزاق صاغور أن يغادر كل وزراء الحكومة 

ولم يستبعد المتحدث مغادرة الحكومة كلها حيث يكون التعديل كليًا وليس جزئيًا، بسبب ما وصفه بغياب النتائج المفرحة في أداء هذه الأخيرة، وفي النهاية يبقى التعديل من عدمه، بيد رئيس الجمهورية المخول الوحيد لاختيار الطاقم، الذي يرى أنه الأنسب لحمل الحقائب الوزارية التي سيوزعها، لكن السؤال المطروح: "متى سنرى في الجزائر الجديدة حكومة تستعرض حصيلة أدائها بالبرلمان قبل المغادرة"؟