بعد حادثة الشاب الجزائري مصطفى.. جدل في فرنسا حول منع زواج المهاجرين غير النظاميين

يثير مشروع القانون الذي اعتمدت لجنة برلمانية في الجمعية الوطنية، والمتعلق بمنع الزواج مع مهاجرين في وضع غير نظامي، جدلاً سياسياً واسعاً داخل الطبقة السياسية الفرنسية، وسط انقسام حاد بين اليمين واليسار، ومخاوف من تعارضه مع الدستور والحقوق الأساسية.

نواب من اليسار الفرنسي اعتبروا أن النص عنصري ومقيد للحريات

ويهدف المقترح، الذي تقدّم به نواب من مجموعة المتطرف اليميني "إيريك سيوتي" اليمينية بعد تبنيه في مجلس الشيوخ، إلى منع إبرام عقود الزواج لأي شخص يقيم بطريقة غير قانونية على الأراضي الفرنسية، وهو إجراء حظي بدعم الحكومة، خاصة من وزير الداخلية برونو روتايو ووزير العدل جيرالد دارمانان، كما نال تشجيعاً مباشراً من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي وصفه بـ"النقاش السليم".

وخلال الجلسة البرلمانية، دافع النائب إيريك ميشو من حزب "الاتحاد الديمقراطي الجمهوري" عن نص القانون معتبراً أنه يحمي رؤساء البلديات من أن يتحولوا إلى "متواطئين" في ما وصفه بـ"تحايل قانوني على نظام الهجرة"، عبر إبرام عقود زواج تهدف فقط إلى تسوية الوضع القانوني للمهاجرين غير النظاميين.

اليسار يحتج

في المقابل، أثارت الخطوة موجة انتقادات شديدة من قبل نواب المعارضة اليسارية الذين اعتبروا المشروع هجوماً جديداً على الحريات الفردية. فقد وصفت النائبة الاشتراكية سيلين تيبو-مارتينيز القانون بأنه "انحراف جديد من اليمين واليمين المتطرف"، بينما رأت النائبة عن حزب الخضر، ليا بالاج إلماريكي، أنه "نص عنصري ومقيد للحريات"، مشددة على أنه ينتهك حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في الزواج.

وحتى داخل الأغلبية الرئاسية، لم يمر المشروع دون اعتراضات، إذ أبدت النائبة إيمانويل هوفمان عن كتلة "معاً من أجل الجمهورية" مخاوف دستورية جدية، محذّرة من أنه سيواجه "رقابة حتمية" من قبل المجلس الدستوري. بدوره، دعا النائب جان موليير عن حزب "آفاق" إلى إعادة صياغة النص خلال مناقشته العامة في الجمعية الوطنية، محذراً من أن صياغته الحالية قد تثير أزمات قانونية وإدارية.

ويأتي هذا الجدل في وقت تعرف فيه فرنسا توتراً سياسياً متصاعداً بخصوص قضايا الهجرة والهوية، وتزايد الضغوط على الحكومة من الأحزاب اليمينية التي تسعى لتشديد القوانين المتعلقة بالمهاجرين. 

ويضاف هذا القانون الجديد يُضاف إلى سلسلة إجراءات مثيرة للجدل، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى كسب معركة الرأي العام قبل الانتخابات المقبلة، وسط توترات اجتماعية متزايدة وتحديات اقتصادية متصاعدة.

خلفية القانون

وفي خلفية اقتراح هذا القانون، توجد قصة مؤثرة لزوج جزائري فرنسي رفض عمدة مدينة بيزيي اليميني المتطرف روبار مينار عقد زواجهما، في موقف مخالف للقانون الذي يسمح بمثل هذا النوع من الزيجات، وهو ما أدخل مينار في دوامة قضائية، لكن سعيه لاستغلال القضية سياسيا دفعه لعدم التراجع عن موقفه.

وحدثت الواقعة في تموز/جويلية 2023، عندما تقدم الشاب الجزائري مصطفى، المقيم في فرنسا بطريقة غير نظامية، رفقة خطيبته المواطنة الفرنسية تُدعى إيفا، لبلدية بيزيي مم أجل إتمام زواجهما لكنهما اصطدما بالرفض.

وكان مصطفى، البالغ من العمر 23 عاماً، يعيش في فرنسا تحت طائلة أمر بمغادرة التراب الفرنسي (OQTF)، وهو ما دفع مينار إلى الاشتباه في أن الزواج يهدف فقط إلى تسوية وضعية إقامته بطريقة "غير شرعية"، حسب تعبيره. 

ورغم أن القانون الفرنسي يكفل حق الزواج لجميع الأشخاص، بغض النظر عن وضعيتهم الإدارية، قرر العمدة الامتناع عن المصادقة على العقد، معتبراً أن رؤساء البلديات ليسوا مجرد "خدام مدنيين" بل أيضاً مسؤولين عن التصدي لما وصفه بـ"التحايل المنظم على قوانين الهجرة".

عقب ذلك، استدعت الشرطة مصطفى وشرعت في إجراءات ترحيله، ليُنقل لاحقاً إلى الجزائر، رغم احتجاجات الشابة الفرنسية وخوضها معركة قانونية أمام القضاء الإداري، في وقت اعتبرت منظمات حقوقية أن القضية تمثل خرقاً صريحاً للحق في الزواج المكفول بموجب المواثيق الدولية والدستور الفرنسي.

وقد شكّلت هذه الحادثة سابقة سياسية وإدارية استغلها عدد من النواب المحافظين في مجلس الشيوخ، حيث جرى اقتراح مشروع قانون يهدف إلى منع زواج الأشخاص المقيمين في وضع غير قانوني على التراب الفرنسي، بزعم محاربة "الزواج الأبيض" واستغلال النظام القانوني للحصول على الإقامة. 

وتحوّل النقاش حول هذه القضية إلى جزء من معركة أوسع تدور في فرنسا بين تيارات تدعو إلى تشديد قوانين الهجرة من جهة، وأخرى ترى في هذه الإجراءات مساساً بالحريات الفردية والحقوق المدنية الأساسية، وعلى رأسها الحق في الزواج دون تمييز.