21-ديسمبر-2024

فيلم الأمير عبد القادر يعود إلى الواجهة وسط آمال معلّقة على إنجازه بحجم يعكس مستوى شخصية مؤسس الدولة الجزائرية (فيسبوك)

سنوات من الجدل واللغط في الوسطين السينمائي والإعلامي بشأن الفيلم التاريخي الذي يروي حياة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر بن محي الدين، بحيث لم يفلح الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة في الحكومات السابقة خلال العشر سنوات الأخيرة في إنهاء الترقب وإنتاج وإخراج هذا الفيلم الذي يحلم الجزائريون بمشاهدته.

السيناريست ياسين بوغازي لـ"الترا جزائر": تاريخ إنتاج فيلم الأمير عامِرٌ بالطعنات والفشل وقد كان مشروعًا على مكتب عدّة حكومات سبقت عُهدتي الرئيس عبد المجيد تبون

فيلم الأمير عبد القادر يعود إلى الواجهة خلال حكم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون وسط آمال معلّقة على إنجازه بشكل وبحجم يعكس مستوى وشخصية الأمير عبد القادر، خاصة بعد تدخل الرئيس تبون الذي يحرص على تنفيذ هذا المشروع وإعادة إحيائه من خلال عدد من المراسيم الرئاسية.. فالسؤال الذي يطرحه متابعون إلى أين وصل مشروع فيلم الأمير ومتى ير النور؟ هل أفقه قريب؟

خطوات عملية

الخطوات العملية لتجسيد هذا المشروع السينمائي الحلم بدأت بصدور مرسوم رئاسي في خريف 2021 وقعه الرئيس تبون يقضي بإنشاء مؤسسة خاصة ذات طابع عمومي صناعي وتجاري أسندت لها مهمة إنتاج وتوزيع واستغلال فليم الأمير عبد القادر، وتعمل الآن تحت وصاية وزارة الثقافة بعدما وضعت في البداية تحت وصاية الوزارة الأولى.

وتلاه في آب/أوت 2022، قرار لمجلس الوزراء ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون، بإعادة إحياء مشروع إنتاج فيلم ضخم عن الأمير عبد القادر الجزائري، باعتباره مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمزاً عالمياً.

كما شكل إعلان وزارة الثقافة في الـ27 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بتنصيب لجنة رفيعة المستوى تضم أسماء سينمائية وثقافية بارزة ومؤرخين مهمتها تقييم وإثراء دفتر الشروط لاختيار سيناريو الفيلم وكذا التقييم والمصادقة على عروض السيناريوهات التي سيتم تقديمها في إطار مسابقة دولية، بقعة ضوء تشير إلى أنّ الفيلم في طريقه نحو التجسيد.

للإشارة تتكون اللجنة من الناقد السينمائي والبروفيسور أحمد بجاوي، البروفيسور والباحث في التاريخ جمال يحياوي، الروائي والدكتور واسيني الأعرج والبروفيسور مصطفى خياطي والمنتج السينمائي ياسن مذكور.

دفتر شروط خاص بـ"الأمير"

وعام بعد ذلك أمر الرئيس عبد المجيد تبون في الـ24 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم (2024) لدى ترؤسه اجتماعًا لمجلس الوزراء بإطلاق مناقصة دولية في الإنتاج والإخراج بخصوص إنجاز عمل سينمائي كبير حول الأمير عبد القادر.

 ووفق بيان مجلس الوزراء "يهدف هذا الإجراء إلى "منح هذا العمل البعد العالمي، لما للأمير عبد القادر من رمزية سامية، بالنظر لمساره الذي أفناه في بناء الجزائر المعاصرة وإشعاعه الدولي، وما بذله في سبيل حماية الأقليات عبر العالم".

ولفت البيان إلى أنّ الرئيس وجه بفتح المجال أمام كل الكفاءات السينمائية الجزائرية والعالمية مع مراعاة المضمون المتفق عليه في دفتر الشروط".

متى يرى فيلم الأمير" النور؟

وقراءة في هذه المراحل التي بدأت من 2021 وهي الفترة التي سيطر عليها آنذاك وباء كوفيد19 (كورونا)، الذي أدّى إلى شلّ وتوقف المشاريع والنشاطات الفنية والثقافية في الجزائر، ووصلت اليوم إلى 2024 بالموازاة مع بضعة أشهر فقط من العهدة الثانية للرئيس الحالي عبد المجيد تبون، تشير المعطيات وفق متابعين إلى أنّ "فيلم الأمير سيرى النور ولم يتبق على إنجازه الكثير، وبالتالي تطوى صفحة سوداء من هذه القضية التي استهلكت الوقت وميزانية كبيرة، حيث سبق لوزير الثقافة السابقة والوزيرة الحالية لقطاع التضامن والأسرة صورية مولوجي أن تحدثت في قضية تجميد مشروع فيلم الأمير الذي بدأ في 2012.

وكشفت الوزيرة مولوجي خلال ردّها على سؤال لكتابي لأحد النواب بخصوص مصير الفيلم قائلة إنّ القضية ستفصل فيها العدالة وقرار تجميد المشروع وصرف الأموال جرى اتخاذه سنة 2014."، مؤكدة أنّ السلطات تراهن على إنتاج يخلّد شخصية الأمير عبد القادر العالمية والمتعددة والمتفوقة، ويروج لصورة المقاومة وبسالتها، ويقدم التاريخ الجزائري من المنظور الصحيح وليس من وجهات نظر ملتبسة أو مأزومة تجاه الجزائر وتاريخها العظيم."

وبشأن المستجدات المتعلقة بفيلم الأمير ومتى سيشاهده الجمهور الجزائري يقول السيناريست ياسين بوغازي في تصريح لـ"الترا جزائر" إنّ "السلطات فصلت في مسألة إنتاج فيلم الأمير عبد القادر."

بوغازي: الفيلم بالغ الحساسية

ويضيف بوغازي: "أعتقد أننا في التوقيت الطبيعي منذ أن قررت الجزائر الجديدة إطلاق نهضة السينما وإنتاج فيلم الأمير، أقول في التوقيت الطبيعي لأن الواقع السينمائي عندنا يكاد يكون معدوما، إذ الفكرتين، -وفق تعبيره- النهوض وفيلم الأمير عبد القادر فعلا بحاجة إلى وقت طويل."

ويبرر محدّث "الترا جزائر" ذلك بأنّ "تاريخ إنتاج فيلم الأمير عامر بالطعنات والفشل وقد كان مشروعا على مكتب عدة حكومات سبقت عهدتي الرئيس عبد المجيد تبون."، وبالتالي وفق بوغازي "التعامل صارم لأنّ الفيلم بالغ الحساسية ليس فقط على مقاسات الجودة السينمائية والنزاهة الإنتاجية والكفاءة الفنية لكن بمقاسات صورة بلد برمته."

ويتوقع المتحدث أن "الفيلم سيكون الانطلاق نحو سينما جديدة وسيبث لا محالة ديناميكية سينمائية وطنية ويثير اهتمام أوساط السينما العالمية لأنهم يترقبون رؤية السينما والأنتلجنسيا الجزائرية لهذه الشخصية العالمية على عدة تقييمات."

ويوضح في معرض حديثه أنّ "الجهة المكلفة تعمل في صمت وهذا يراه جيدًا، وسيبدأ إنتاجه والاشتغال عليه من العام المقبل على مستويات السيناريو أولاّ لأنّ وجهات الرأي تتباين،"ويتساءل هل يكتب السيناريو ويسلّم للمخرج الذي يتم اختياره أم أنّ الأفضل أن يشرف المخرج وفريقه على السيناريو خلال كتابته أم الشركة والمؤسسة المكلفة بإنجازه هي من تستجلب معها السيناريو أو يتم انتقاء سيناريو ضمن رؤي السلطات ومؤسسة إنتاج فيلم الأمير؟، ويشير إلى أنّ هذه النقاط يجب الفصل فيها، كما يرى أنّ هذا الفيلم لا يختلف على أي فيلم آخر، لذلك ما يتطلبه هو سيناريست أو مجموعة كتّاب، ومخرج تكون رؤيته ضمن رؤى وطنية مواقف تاريخية تتماشى مواقف الجزائر.

من جهته، المهتم بالشأن السينمائي خالد بن طوبال يؤكد أنّ "فتح مناقصة دولية لإنجاز فيلم عن الأمير عبد القادر سيعطي بُعدًا عالميًا لهذا العمل السينمائي، وهذا يعكس مدى أهمية شخصية الأمير وطنيًا وإقليميًا وحتى عالميًا."

هل السيناريو مشكلة الفيلم؟

ويرى أن "هذا المبادرة تعدّ اللبنة الأولى لإرساء قواعد سليمة لتأسيس صناعة سينماتوغرافية ذات بعد دولي، خاصة لو تم العمل وفقا لدفتر شروط صارم تحدده رئاسة الجمهورية."

ووفق تصريح بن طوبال لـ"الترا جزائر": "يبقى إعداد السيناريو محل جدل كبير عند الكثير من المتتبعين سواءً في الداخل أو الخارج بسبب المراحل الحياتية العديدة التي مرّ بها الأمير عبد القادر مند تعيينه إلى غاية وفاته في سوريا."

ويقول في السياق: "ربّما الجزء الأخير من حياة الأمير في دمشق يحتاج لوحده فيلمًا مطولًا نظرًا لتداخل الأحداث". ويرجح أنّ "أهم عقبة قد تؤخر إنتاجه، هي مشكلة السيناريو التي اختلف فيه العديد من الكتاب والباحثين، خاصة وأنّ حياة الأمير عبد القادر مليئة بالأسرار والأحداث التي صنعت الجدل."

بن طوبال لـ"الترا جزائر": إعداد السيناريو يبقى محل جدل كبير عند الكثير من المتتبعين سواءً في الداخل أو الخارج بسبب المراحل الحياتية العديدة التي مرّ بها الأمير عبد القادر

ويرجع سبب تأخر إنجاز فيلم مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة إلى "اللوبي القوي الذي عمل على عرقلة أي عمل ينجز عن شخصية الأمير في ظل وجود عدّة سيناريوهات جاهزة تنتظر التنفيذ". ويوكد أنّ الوسائل المادية واللوجستية متوفرة بناء على توصيات الرئيس عبد المجيد تبون.

والجدير بالذكر أنّ الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي قامت في العام 2013 بتوقيع اتفاق مع الشركة الأميركية "سينما ليبر أستوديو" لإنتاج مشترك لفيلم روائي طويل عن الأمير عبد القادر، لكنه لم ينجز، وبقي حبيس الأدراج.