24-ديسمبر-2024
كيف أنهت رئاسيات 2024 مسيرة محمد شرفي؟

كيف أنهت رئاسيات 2024 مسيرة محمد شرفي؟ (صورة: الترا جزائر)

وجد محمد شرفي، رئيس السلطة المستقلّة للانتخابات في الجزائر نفسه في خضمّ عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة خلال مسار الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

شرفي اتهم باعتماد معطيات اعتبرت مضللة خلال الرئاسيات، منها "معدل نسبة المشاركة"

فبعد أن كان الرجل يُقدّم كضامِن على نزاهة الانتخابات في الجزائر بعد "عقود من التزويرّ، تحوّل فجأة إلى مُتّهم بالإضرار بالعملية الانتخابية مع دعوات لتقديمه للمحاسبة.

وأمام الضّغط الكبير الذي واجهه، لم يصمُد محمد شرفي طويلاً وانتهى به الحال إلى الخروج من الباب الضيّق، بعد مسار طويل في مناصب ومسؤوليات.

محمد شرفي، رئيس السلطة المستقلّة للانتخابات

مهمة صعبة

بدت مهمّة رجل القانون عسيرة منذ الإعلان يوم 21 آذار/مارس الماضي عن انتخابات رئاسية مُسبقة، قبل أن تكشف الأيام أنّ سلطة الانتخابات لم تكن فعلاً مستعدّة لها بالشّكل المناسب.

وقد كانت البداية بمرحلة جمع التوقيعات التي سلّطت الضّوء على عيوب تنظيمية وإدارية أثرت بشكل كبير على مصداقية السلطة المستقلة للانتخابات ووضعت شرفي في موقف صعب.

والواقع أنّ قانون الانتخابات الجديد، الذي تمّ تعديله عام 2021، فرض شروطاً مشددة لجمع التوقيعات، حيث تطلّب جمع 50 ألف توقيع موزعة على 29 ولاية بحد أدنى 1200 توقيع في كل ولاية. هذه المتطلبات أثقلت كاهل المرشحين، وواجه العديد منهم تحديات تعطل شبكة المصادقة على الاستمارات في البلديات، وتأخر تعيين الموظفين المكلفين بالمصادقة.

محمد شرفي رئيس سلطة الانتخابات أثناء تلقيه ملفات المرشحين للرئاسيات

بداية أزمة.. انتِقادات

في ظلّ هذه الأجواء المضطربة، ظهرت أولى الانتقادات الموجّهة إلى محمد شرفي، حيث اعتبر المتتّبعون للعملية السياسية أنّ السلطة المستقلة للانتخابات لم تقم بدورها في تسهيل العملية الانتخابية وضمان حياديتها.

وقد اتُهم شرفي بأنه لم يتخذ التدابير اللازمة لمعالجة المشكلات التقنية والتنظيمية التي ظهرت في مرحلة مبكّرة من السباق الرئاسي، مما أضرّ بمصداقية السلطة.

ودفع ذلك، بشخصيات سياسية بارزة مثل لويزة حنون وزبيدة عسول إلى الاحتجاج الشّديد، وتوجيه أصابع الاتهام للهيئة الرسمية بضلوعها في تعطيل عملية تحضير ملفات الترشّح .

في قلب العاصفة 

بعد تجاوز كل ذلك وظهور قائمة المرشحين الرسمية، لم يلبث شرفي أن وجد نفسه يوم الانتخابات، ضمن دائرة الهجوم مجدّداً، بسبب التصريحات التي أدلى بها حول نسب المشاركة.

وكان ظُهوره أمام وسائل الإعلام للإعلان عن هذه النِّسب، مثال جدل واسع، بعد أن اتهم باعتماد معطيات اعتبرت مضللة، منها "معدل نسبة المشاركة" الذي يجمع ولايات مليونية بولايات أخرى عدد سكانها بالآلاف للخروج بمعدل قدّم على أنه نسبة المشاركة.

ومن ناحية أخرى، كان هذا الارتباك في إدارة اليوم الانتخابي، مؤشرا على أن حدثا كبيرا سيحصل في اليوم التالي.

نحو السقوط

وبالفعل، بلغت الأزمة ذروتها عند الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التي منحت للرئيس عبد المجيد تبون أكثر من 90 بالمائة من الاصوات في مقابل نسب تكاد تكون صفرية لمنافسيه.

لكن المثير للدهشة أن المترشحين الثلاثة الرئيسيين، بمن فيهم الرئيس الفائز عبد المجيد تبون، أصدروا بياناً مشتركاً يرفضون فيه النتائج المعلنة. وصف البيان النتائج بالغامضة والضبابية، مع التشكيك في الأرقام المعلنة من قبل السلطة المستقلة.

البيان أشار كذلك إلى تناقضات واضحة بين محاضر الفرز التي تسلمها وكلاء المترشحين وبين النتائج التي أعلنتها السلطة.

لم يجد محمد شرفي ما يقوله، وكان رده على هذا البيان خجولاً وغير كافٍ لتهدئة الأوضاع، ما فتح الباب أمام تأويلات وتساؤلات حول أرقام ظهرت غير منطقية.

ففي ساعة متأخّرة من الليل، أصدرت السلطة المستقلة بياناً، أعلنت فيه أنها ستقوم بمراجعة المحاضر الأصلية للفرز وستعرضها على المحكمة الدستورية، لكن هذا الإجراء لم ينجح في إعادة الثقة أو تهدئة الغضب السياسي.

بدلاً من ذلك، أصبح موقف شرفي أكثر ضعفاً، حيث وُجهت له انتقادات حادة من قبل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.

تدخلت المحكمة الدستورية في النهاية لتعديل النتائج المعلنة، حيث رفعت نسبة المشاركة وغيّرت كليا نسب المرشحين وحجم الأصوات التي حصلوا عليها، ما زاد من حدة الجدل.

وقد أظهر قرار المحكمة ضمنيا، أنّ هناك أخطاءً جسيمة في إدارة العملية الانتخابية، وهو ما فُسر على أنه إدانة غير مباشرة لأداء محمد شرفي وطاقمه، لتتراكم الضغوط السياسية والإعلامية، وتصبح المطالبات   بإقالته أكثر إلحاحاً.

وجهان: النّزاهة والتّهمة

وفي خضم الجدل، بدت الأطراف المختلفة التي دافعت عن إنشاء السلطة المستقلة عام 2019 وثمّنت عملها خلال 3 انتخابات سابقة، مُحرَجة بعد أن وجدت نفسها أمام حقيقة مختلفة تماماً.

لم تمرّ سوى أشهر قليلة بعد ذلك، حتى سقط خبر إنهاء مهام محمد شرفي في الجريدة الرسمية، في قرار كان متوقعاً بالنّظر إلى السياق الذي شهدته الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

الرئيس عبد المجيد تبون في مقر السلطة الوطنية للانتخابات 2024

وبذلك، توقّفت مسيرة هذه الشخصية التي تقلبت في المسؤوليات القضائية والسياسية والإدارية لأكثر من 40 سنة، بشكل يخالف تماما النهاية التي كانت مرسومة لرجل أظهر في صورة البطل الذي سيعيد للانتخابات مصداقيتها.

ولم تجرف هذه النهاية شرفي لوحده، بل دفعت بأحزاب سياسية بإعادة النّظر كليا في إدارة العملية الانتخابية، عبر اقتراح حلّ سلطة الانتخابات وإعادة تشكيلها على أسس أخرى مُغايرة تماماً بعد تجربة رئاسيات 2024.

 

.