10-أغسطس-2022

تعرج ناجحون في البكالوريا بالإنقاذ إلى حملات تنمر على مواقع التواصل (الصورة: الخبر)

تعرض كثير من الناجحين في البكالوريا هذا العام بمعدلات متدنية لإحباطات متكررة عكرت اجتيازهم المرحلة الثانوية الذي كان ثمار مجهود سنة دراسية كاملة، جراء استبعادهم من الحصول على تخصصات جامعية يرغبون في الالتحاق بها، إضافة إلى تعرضهم لحملة تنمر وسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي رغم تمكنهم من اجتياز أصعب امتحان دراسي بالجزائر.

الأكاديمي نصر الدين معمري لـ "الترا جزائر": التنمر ظاهرة خطيرة لها تداعيات سلبية على نفسية الطلبة الذين نجحوا بمعدلات متدنية

وتعيد هذه الحالة التي تعرض لها الحاصلون على شهادة البكالوريا بمعدلات منخفضة طرح مسألة تمكين الشباب من الوصول إلى التخصصات التي يطمحون لدراستها، وكذا قضية تعامل المجتمع مع " الإخفاق" ومنح الفرصة الثانية لمن لم يحقق النتائج المنتظرة منه.

تنمر

ما إن أعلن وزير التربية  الشهر الماضي تخفيض معدل النجاح في بكالوريا 2022 إلى 9.5 /20 حتى تعالت الأصوات الساخرة من المتحصلين على هذا المعدل وباقي الناجحين في امتحان المرحلة الثانوية بمعدلات منخفضة، فقد تم في هذا الإطار تشكيل مجموعة تهكمية على فيسبوك باسم  "جماعة معدل 9.50 في الباك ضياف ربي"، وذلك للسخرية من الفئة الحاصلة على هذا المعدل، ولكن لم تعرف المجموعة انضمامًا واسعًا من رواد مواقع التواص الاجتماعي، وتطلق عبارة "ضياف ربي" في الجزائر في العادة على الشخص "المتسول" أو المحتاج.

ونقلت بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أن بعض الناجحين بمعدلات جيدة الذين لم يحصلوا على رغباتهم تضايقوا من توجيههم إلى تخصصات يمكن الالتحاق بها حتى بمعدل 9.5/20. واعتبر البعض أن  منح شهادات البكالوريا للحاصلين على معدلات ضعيفة هو تقليل من مصداقية هذه الشهادة.

هنا، أكد أستاذ محاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة سطيف 2 ،الدكتور نصر الدين معمري في حديثه مع "الترا جزائر" أن "موجة التنمر تزايدت بشكل كبير مؤخرًا، وهي ظاهرة خطيرة لها تداعيات سلبية على نفسية الطلبة الذين نجحوا بمعدلات متدنية، لكن حتى خطوات السلطة في تخفيض معدل النجاح مسّت بهيبة امتحان البكالوريا الذي يعدّ من أقدس الاختبارات لدى العائلة الجزائرية، وكان من الأجدر عدم الانسياق وراء هكذا خيارات سياسية في مسائل عملية وبيداغوجية".

إجحاف؟

بسبب مواصلة الحكومة اعتماد الالتحاق بالتخصصات الجامعية على المعدل المحصل في البكالوريا، يبقى الناجحون في هذا الامتحان المصيري بدرجات منخفضة محرومين من مواصلة تعليمهم العالي في المجالات التي يحبونها، ويعتقدون أنه بإمكانهم تقديم الأفضل فيها، وهو ما يجعل عدد الموجهين إلى رغبات لا يريدونها مرتفعا كل عام.

وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الباقي بن زيان الأسبوع الماضي إن 9714 ناجحًا في بكالوريا 2022، لم يحصلوا على رغباتهم  الجامعية العشر الأولى. وأوضح الوزير أن 34.64 بالمائة من الناجحين في البكالوريا الذين قاموا بالتسجيلات الأولية لم تلب أيّة رغبة من التخصصات الثلاثة الأولى التي كانوا يريدون دراستها في الجامعة.

وبرر الوزير عدم تجاوز نسبة تلبية رغبات الناجحين في البكالوريا عتبة 65.46 بالمائة بخضوع اختيار التخصصات الجامعية إلى "4  معايير محددة مسبقًا،هي الرغبات المعبر عنها، وشعبة البكالوريا والنتائج  المحصل عليها، وقدرات الاستقبال بالمؤسسات الجامعية والدوائر الجغرافية".

ورغم وضع وزارة التعليم العالي فرصة للذين رفضت رغباتهم الأولى بطرح بطاقة رغبات ثانية قد تمكنهم من اختيار تخصصات تتماشى مع المعدلات الحاصلين عليها بعد المرحلة الأولى من الاختيار، إلا أنه  في الغالب تكون بطاقة الرغبات الثانية فرصة فقط لأصحاب المعدلات الجيدة الذين أخفقوا في الاختيار، لتبقى لأصحاب المعدلات المتدنية التخصصات التي لا تلقى طلبًا كثيرًا من الناجحين في البكالوريا.

وأشار الدكتور نصر الدين معمري إلى أن "نظام التوجيه الذي ينبني على جملة من المحددات أهمها تمكين الطالب من اختيار نوع التخصص الملائم لقدراته وميوله واستعداداته يطرح إشكالا بالنسبة لأصحاب المعدلات المتدنية، على اعتبار أن المعالجة الآلية للاختيارات وفقا لترتيب تنازلي لرغبات الطلبة الناجحين في البكالوريا والتي تقلصت من 10 إلى 6 منذ سنة 2016 قد تجعل فئة المعدلات الضعيفة يوجهون لخيارات خارج رغباتهم"..

وانطلاقًا من تجربته في التدريس بالجامعة، يوضح الدكتور نصر الدين معمري أن "أصعب اختبار بعد النجاح في البكالوريا هو اختبار الاختيار، حيث يقع مجمل الطلبة تحت ضغوطات عديدة لتحديد الرغبة والتخصص المراد مواصلة الدراسة فيه".

 ويؤكّد مستشارو التوجيه أن الاختيار الصحيح لأي تخصص في الجامعة يجب أن يكون مرتبطًا بميول الطالب الدراسية وإمكاناته العلمية، بعيدًا عن الحسابات البيداغوجية للوزارة والأحلام التي ترسمها العائلة بشأن مستقبل ابنها.

إصلاح

يعتقد الدكتور معمري أن المنظومة التربوية والجامعية بما فيها طرق التوجيه الدراسي والجامعي "بحاجة إلى وقفة جادة بتقييم موضوعي"، وقال معمري في الإطار إنه "من الضروري إسناد قضية الإصلاح التربوي للخبراء لتفادي تجربة الفشل التي خيّمت على التجارب العديدة للإصلاح المتسرعة التي أرهقت القطاع، وأرى أهمية التنسيق بين هندسة الإصلاح في قطاعي التربية والتعليم العالي نظرا للترابط الوثيق بينهما".

وطرحت مسألة إدخال إصلاحات على امتحان البكالوريا في أكثر من مرة من قبل مختصين ومسؤولين في قطاع التربية، إلا أن تنفيذ هذا الأمر لم يتم حتى اليوم  رغم أهميته في تجاوز الطرق التقليدية في التعليم والانتقال إلى مرحلة التعليم العالي.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، لم يستبعد المفتش المركزي بوزارة التربية بلعور بوعلام في تصريح لقناة "الشروق نيوز" الخاصة  إمكانية جعل الانتقال إلى الجامعة مستقبلا بحساب المعدل العام السنوي مع المعدل المحصل عليه في شهادة البكالوريا، بالعودة إلى اعتماد ما يصطلح عليها بـ"البطاقة التركيبية".

وتحدث بلعون بوعلام عن مقترح يتمثل في احتساب نتائج تلاميذ السنة الثالثة ثانوي المحصل عليها في الفصول الدراسية الثلاثة، أي اعتماد التقويم المستمر، لتضاف إلى معدل شهادة البكالوريا، وبالتالي فمن يحصل على معدل الانتقال الذي يحدد لاحقا ينتقل مباشرة على الجامعة.

مختصون طرحوا إدخال إصلاحات على امتحان البكالوريا وتفادي الإصلاحات المتسرعة التي أرهقت القطاع 

وفي انتظار أن تتم هذه الإصلاحات التربوية التي قد تكون العام المقبل بعد دعوة الرئيس تبون إلى إصلاح البرامج الدراسية، يجب التأكيد على ضرورة ألا يقتصر الإصلاح المنتظر على قطاع التربية، بل أن يتبع بتعديل آخر في قطاع التعليم العالي بالنظر إلى ارتباط المرحلتين ببعضهما البعض.