07-يونيو-2020

يمتع رؤساء البلديات في الجزائر بصلاحيات محدودة (الصورة: المحور اليومي)

لا تزال بعض مواد مسودّة تعديل الدستور، التي اقترحتها رئاسة الجمهورية، تثير الجدل والنقاش، وتصبح وجبة دسمة للنقد والإثراء من طرف القوى السياسية والمدنية والنقابات والشخصيات الوطنية، ومن بين المواد التي أثارت جدلًا ومطالب بالتفصيل فيها، المادة السادسة عشر من مشروع تعديل الدستور، والتي تمنح لبعض البلديات قانونًا خاصًا، لتنطلق موجة التأويلات بين من يراها تكريسًا لمبدأ اللامركزية، وبين من يتخوّف من السقوط في فخّ "الفدرلة" وتقسيم البلاد إلى مقاطعات تتمتّع بحكم ذاتي. 

يرى البعض أن تخصيص بلديات بنظام استثنائي قد يعصف أيضًا بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية

مخاوف حزبية

عبّر المرشّح الرئاسي السابق ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن ڨرينة، عن مخاوفه من نص تعديل المادة الـ 16 من الدستور، حيث يرى أن مسودة تعديل الدستور، أعطت قوانين خاصّة لبعض البلديات يحتاج توضيحًا، متخوّفًا من كون ذلك يفتح الباب أمام الفيدرالية، أو لإعطاء خصوصيات معينة قد تكون بحسبه "باب جهنم الذي سوف يفتح على وحدة الجزائر وشعبها ودينها ولغتها".

اقرأ/ي أيضًا: مسوّدة الدستور في الجزائر.. تعديلات مثيرة للجدل

 

من جهتها، نشرت "حركة عزم" قيد التأسيس، قراءة نقدية لمسودة تعديل الدستور، التي اقترحتها رئاسة الجمهورية للنقاش، وهنا أسهبت عزم في الحديث عن محتوى المادة 16، والذي يتنافى مع مبدئيْ العدل والمساواة بين المواطنين، لأنّ "الاستثناء" يصنع "التمييز" ويمهّد بطريقة غير مباشرة للتقسيم والتحوّل إلى نظام "الفدرلة" حسب عزم، كما يفسح المجال للعمل بروح محلية (جهوية) لا وطنية، وهو أمرٌ قد يفتح الباب لصراعات عنصرية.

ويضيف بيان عزم "الأخطر من ذلك، من وجهة نظرنا، أن المادة الـ 17 المستحدثة بموجب المسودّة الجديدة، تنصّ صراحة على أن "تقوم العلاقات بين الدولة والجماعات الإقليمية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز". فبعدما كانت الجماعات الإقليمية وفقًا للأحكام التأسيسية السابقة جزءًا من "الدّولة" بالمفهوم الدستوري المتعارف عليه للدّولة، فإنّ المراد بمقتضى هذا المقترح أن تكون "الدّولة" طرفًا و"الجماعات الإقليمية" طرفًا آخر يوازيه، وهذا لا يحصل إلا في الأنظمة الفيدرالية بالدرجة الأولى.

وتجعل هذه القراءات، من الغموض الشكلي الذي أتى به هذا المقترح منطلقًا لها، حيث لم يرد في مسودة الدستور، أي شرح أو تفصيل للشكل الذي ستكون عليه هذه القوانين، أو هذه البلديات التي ستخصّ بقانون، تسير عليه خلافًا القوانين الحالية التي تشمل كل بلديات الوطن.

هنا، يرى البعض أن تخصيص بلديات بنظام استثنائي قد يعصف أيضًا بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، إن كان يهدف لجعل البلديات الغنية تتمكن من استغلال مواردها بنفسها، وهو ما سيشكل تفاوتًا كبيرًا كون الكثير من البلديات الفقيرة لا تملك موارد طبيعية في حيّزها الإقليمي.

 كما أن بعض المناطق تبقى ضحية التهميش الإداري وعشوائية توزيع الثروة، وقانون مماثل قد يجعل الوضع أكثر كارثية، ومن منطلق هذا، يعتقد كثيرون أن هذا المقترح يحتاج لتفصيل من لجنة الخبراء أو من رئاسة الجمهورية، لتبديد الغموض الذي يكتنفه.

 تأويلات أخرى

على عكس ذلك، يقول والي وهران الأسبق بشير فريك، في حديث مع "الترا جزائر" وصلتني مسوّدة تعديل الدستور، وسأرسل ملاحظاتي لرئاسة الجمهورية خاصّة في ما يخصّ تسيير الجماعات المحلية".

 ويضيف فريك الذي تدرّج في مختلف أطوار التسيير المحلي، أنّ المادة السادسة عشر الواردة في مشروع تعديل الدستور، بعيدة كل البعد عن فكرة الفيدراليات التي تبقى مجرد تأويلات من جهات معيّنة.

 فمن الناحية الشكلية يتحدث المقترح عن بلديات وليس ولايات، ما يجعل الحديث عن "فيدراليات" كلامًا غير واقعي، ويرى فريك، أن المقترح في حال ترسيمه سيفتح الباب أمام "جهوية تنموية" ستسمح بتحرير المبادرات لدى رؤساء المجالس المنتخبة، خاصّة في البلديات الغنية التي تحوز على موارد طبيعية أو صناعية، أو المدن الكبرى التي تمتلك قانونا خاصا في كثيرا من دول العالم".

كما يعتقد والي وهران الأسبق، الذي نشر مقترحاته التي وجهها لرئاسة الجمهورية أن ّ"الفكرة ليست جديدة، وطُرحت رسميًا منذ سنوات خلت، إلا أن هاجس التخوّف من "الجهوية العرقية السلبية"والتي قد تمس بوحدة وانسجام واستقرار البلاد، قد حال دون المضي في طريق الجهونة، أو النواحي، وهذا رغم أهميته وأبعاده الإيجابية من أجل حسن التسيير والتخطيط والبرمجة في ظل نظام الجهات، أو الأقاليم أو النواحي.

فحسب المتحدث، فإن هذا المقترح ليس له ولن يكون له أي بعد سياسي أو خلفية جهوية عرقية، من شأنها أن تضعف وحدة الأمة سياسيًا وانسجامها اجتماعيًا أو المساس بتكاملها الوطني، ويردف فريك "علينا نتغلب أن وعن قناعة على حاجز التخوف من البعد الجهوي بمفهومه السلبي، فالثورة كانت منظمة في ستّ ولايات، ولم يحدث أي شرخ جهوي فيها ونجحت في استعادة السيادة الوطنية".

ويشاطر المكلف بمهمة لدى رئاسة الجمهورية، محمد لعقاب، توجه بشير فريك نفسه، حيث قال في تصريحات إعلامية إنّه "من المستحيل الكلام عن التأسيس لنظام فيدرالي في الجزائر، بل نحن نتحدث عن الفوارق الموجودة بين بلديات الوطن، فالجزائر قارة وتمتلك بلديات على حدود بلدان عديدة، كما تمتلك بلديات ساحلية وبلديات نفطية، هناك بلديات تساهم بشكل كبير في الجباية، فيما لا تمتلك بلديات أخرى دينارًا واحدًا، لذلك يجب أن تحظى بعض البلديات بنظام خاص"، ويختم لعقاب" رئيس الجمهورية يمتلك خبرة كبيرة في تسيير الجماعات المحلية، ولن يصل به الأمر لدرجة العبث أو تهديد الوحدة الوطنية، بإرساء نظام فيدرالي، كما أن هذا المقترح قابل للإثراء والتعديل أو الحذف".

تعزيز لمهام المجالس المُنتخبة

من جهتهم، يرى مختصّون أن استحداث قانون خاص ببلديات بعينها هو استجابة للعديد من المطالب الواقعية، واحترامًا أيضا للفوارق الموجودة بين البلديات، كالكثافة السكانية والموارد المالية، التي تساهم بها تلك البلديات مباشرة في الدخل الوطني العام، كالمدن النفطية والمدن السياحية أو تلك التي توجد على حدودها الجغرافية مناطق صناعية معتبرة.

كما سينسحب القرار في حال أصبح دستوريًا على المناطق الحدودية أيضًا، والتي يراها خبراء جديرة بقانون خاصّ مختلف عن قانون البلدية والولاية ساري المفعول، فلتلك المناطق صبغة اجتماعية واقتصادية خاصّة، كما أن صلاحيات تسييرها تتداخل بين المجالس المنتخبة والسلطات التنفيذية، وكذا الجهات الأمنية كونها مناطق حسّاسة على أصعدة مختلفة.

يجد هؤلاء المنتخَبون أنفسهم تحت سلطة مباشرة من رؤساء الدوائر أو الولاة

غالبًا ما يشتكي رؤساء المجالس الشعبية البلدية، من عدم حيازتهم على صلاحيات تجعلهم جزءًا من القرار على المستوى المحلي، حيث يجد هؤلاء المنتخَبون أنفسهم تحت سلطة مباشرة من رؤساء الدوائر أو الولاة، رغم أنهم يوجدون في الصف الأول والأقرب إلى المواطن، هنا يؤكد غالبية الأميار، أنّهم لا يستطيعون حتى الوفاء بوعودهم الانتخابية جرّاء بيروقراطية إدارية مزمنة خاصّة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعديل الدستور في زمن كورونا.. لمَ الاستعجال؟

"حمس" تدعو لتجريم استعمال الفرنسية في الهيئات الرسمية