31-يناير-2021

نشاطات الأمازيغ الجزائريين في فلندا (فيسبوك/الترا جزائر)

 

كانت هجرة الأمازيغ المغاربيّين  إلى الفضاء الأوربيّ، خلال النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر والنصف الأوّل من القرن العشرين مقتصرةً في عمومها على فرنسا، بحكم التّبعيّة الاستعماريّة، ثمّ راحت تتوسّع خلال العقود الأخيرة إلى بقيّة الدّول الأوروبيّة، منها دول أقصى الشّمال.

أدّى هذا العمق الثّقافيّ للجالية الأمازيغيّة في فلندا إلى سهولة تكتّلها بصفتها مجموعة ثقافيّة

يقول الكاتب والمترجم الجزائريّ المقيم في فلندا حمزة عماروش، إنّ أسباب الهجرة إلى هذه الدّول ليست كلاسيكيّة تتعلّق بالبحث عن عمل مثلما كان عليه الأمر مع الأجداد الذّين قصدوا فرنسا تحديدًا؛ "بل هي أسباب تتعلّق في العادة بالبحث عن العلم والدّراسة والعيش المختلف والمريح. من هنا فمعظم الأمازيغ المغاربيّين المقيمين في فلندا مثلًا هم من النّخب الثّقافيّة والعلميّة والجامعيّة".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| نور الدين تابرحة: الفنان مخلوقٌ شغوف بالتمرّد

أدّى هذا العمق الثّقافيّ للجالية الأمازيغيّة في فلندا إلى سهولة تكتّلها بصفتها مجموعة ثقافيّة، من خلال خلق أطر للّقاء فيما بينها، خاصّةً في المناسبات الدّينيّة والاجتماعيّة الحميمة، مثل شهر الصّيام ورأس السّنة الأمازيغيّة؛ "فالغربة والابتعاد عن الوطن ومسقط الرّاس يُعزّزان الإحساس بالانتماء خلال المناسبات المرتبطة بالوجدان القوميّ".

لعبت الإذاعة النّاطقة بالأمازيغيّة التّي أطلقها النّاشط حمزة عماروش، رفقة نخبة أخرى من النّشطاء المهاجرين حديثًا عام 2014، دورًا مهمًّا في ربط الأواصر بين المهاجرين الأمازيغ في فلندا. ليس فقط أولئك القادمون من الجزائر والمغرب فقط، بل حتّى أولئك القادمون من شمال دول السّاحل الأفريقي.

لم يكن هدف تلك البرامج الإذاعيّة توفير غطاء حميميّ للجالية الأمازيغيّة تمارس من خلاله الحنين فقط، بل كانت أيضًا تسعى إلى جعلها طبيعيّة في الفضاء الفلندي؛ فتتصرّف وفق قيم المواطنة والتّعايش، حتّى أنّها كانت تستعين بفنّانين فلنديين في مدّ جسور الحوار، فكان أن تألّق بعضهم باللّغة الأمازيغيّة مثل الفنّانة الشّابّة ستينا التّي أعادت أكثر من أغنية لأكثر من فنّان أمازيغيّ.

نظّمت نخبة من المهاجرين الأمازيغ سنة 2016، في جامعة هلسنكي بالتنسيق مع "مؤسّسة آنا ليند" و"جمعية أفوس أفوس" ملتقًى علميًّا عن خصائص الثّقافة الأمازيغيّة وأبعادها الحضاريّة والإنسانيّة، شارك فيه أكادميّون وناشطون أمازيغ من شمال إفريقيا مثل حمزة عماروش وكريم معيش من الجزائر، وأكسيلي من تونس، وسناء المنصوري من ليبيا، فكان ذلك عتبةً مهمّة لالتفات النّخب الفلنديّة إلى هذه الثّقافة وحامليها من المهاجرين؛ بما فتح الباب على جملة من الشّراكات الثّقافيّة والأدبيّة من خلال التّرجمة.

 مباشرةً بعد الملتقى دعت إدارة جامعة هلسنكي حمزة عماروش إلى تدريس اللّغة الأمازيغيّة في قسم اللّسانيات، فكان أن سجّل لديه 15 طالبًا كلّهم فلنديون ما عدا طالبًا تايلانديًّا. وقد باتوا في ظرف وجيز يتبادلون الحديث بالأمازيغيّة ويبحثون في مدوّنتها الأدبيّة والثّقافيّة.

ترجم حمزة ستة كتب إلى اللّغة الأمازيغية. ثلاثة من اللّغة الفلنديّة وكتاب من السّويديّة وكتاب من الدّانماركيّة وآخر من الإستونيّة. ومن أشهر من ترجم لهم توماس ترانستورمر الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 2011،  وجان كابلينسكي الشاعر الأستوني الذّي  ترجم إلى الإستونيّة بشير حاج علي ومولود فرعون.

وهو المُعطى الذّي استغلّه حمزة عماروش، فعرض على مجلس بلديّة هلسنكي تبنّي احتفال رأس السّنة الأمازيغيّة عام 2017، فلم يضمّ اللقاء الذّي احتضنه المركز الثّقافيّ الدّوليّ المهاجرين الأمازيغ فقط، بل ضمّ أيضًا شرائح مختلفة من المجتمع الفلنديّ كانت راغبةً في اكتشاف الثّقافة الأمازيغيّة لباسًا ومطبخًا ولسانًا وفنونًا. بما جسّد فعلًا مفهوم الاندماج الذّي اعتمدته الحكومة؛ بعد موجات الهجرة التّي أثمرتها أحداث الرّبيع العربيّ.

عرض حمزة عماروش على مجلس بلديّة هلسنكي تبنّي احتفال رأس السّنة الأمازيغيّة عام 2017

في السّياق، استغلّ حمزة عماروش الذّي يشتغل حاليًا منتجًا ثقافيًّا ومنظّم تظاهرات لمختلف الجاليات في المركز الثّقافي كانوسالي لمدينة إسبو، وجود موظّف أمازيغيّ في بلديّة هلسنكي هو النّاشط الثّقافيّ سامي وعراب، فتمّ الاقتراح على مجلسها إضافة اللّغة الأمازيغيّة إلى قائمة اللّغات التّي تتعامل بها مع مواطنيها، بما في ذلك استعمالها خلال الحملات ذات المنفعة العامّة، مثل نشر الوعي الصّحيّ خلال جائحة كورونا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عثمان عريوات.. "الجنرال" يعود إلى التلفزيون الجزائري

السينما الجزائرية تفقد ملاكها الأبيض