الترا صوت – فريق التحرير
حين أعلن محيط الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة أوّل أمس، عن تغيير مدير الحملة الانتخابيّة عبد المالك سلّال بوزير النّقل والأشغال العموميّة عبد الغني زعلان، ظنّ قطاع واسع من الجزائريين والمراقبين أنّ الأمر لا يعدو أن يكون محاولة منه لتعزيز موقعه في المفاوضات مع دوائر صناعة القرار لأجل خروج مشرّف، إذ كان المضيّ، حسبهم، في تقديم ملفّ الترشّح للمجلس الدّستوريّ خطوة انتحاريّة، بعد الحراك الشّعبيّ الكثيف.
يبدو أنّ مرحلة عضّ الأصابع بين المحيط الرّئاسي والحراك الشعبيّ قد بلغت أوجّها. وأنّ بوادر عصيان مدني دعت إليه جهات مدنية كثيرة قد بدأ يلوح في الأفق
غير أنّ الأمر ظهر لاحقًا جدّيًّا، إذ أظهرت الكاميرات العديد من السيّارات تقترب من المجلس الدّستوريّ، الذّي انتقلت رئاسته قبل أيّام من وزير الخارجيّة السابق مراد مدلسي بسبب وفاته إلى وزير الدّاخليّة السّابق الطّيّب بلعيز، في ظلّ حراسة أمنيّة مشدّدة، بعد تفريق مسيرة حاشدة للطلّاب المحتجّين.
اقرأ/ي أيضًا: السلميّة سيدة موقف الجزائريين ضد عهدة خامسة لبوتفليقة
بعدها بقليل وصلت سيّارات رئاسيّة تحمل رئيس الحملة الجديد عبد الغني زعلان والوفد المرافق له، وتمّ الصّعود مباشرةً إلى الطّابق المخصّص لعقد النّدوات الصّحفيّة، حيث كانت القاعة مدجّجة بميكروفونات الصّحافة الجزائريّة ونخبة قليلة من الصّحافة الدّوليّة، ذلك أنّ الرّخص الممنوحة لها كانت قليلة ومدروسة، ليفاجئ المدير الجديد للحملة الرّئاسيّة والموصوف بأصغر وزير في حكومة أحمد أويحي، الجميع، بأنّ عدد التّوقيعات المجموعة للرّئيس المترشّح من طرف المواطنين تجاوزت خمسة ملايين، في رسالة واضحة إلى أنّ المشاركين في الحراك الشعبيّ يمثّلون أقلّية.
وعود ربع السّاعة الأخيرة
شرع زعلان مباشرةً في قراءة رسالة الرّئيس المترشّح، الذّي لم يجد حرجًا في القول إنّه لم يستطع الحضور بسبب ظروفه الصّحيّة، وقد تضمّنت وعودًا بتنظيم ندوة للتّوافق الوطنيّ خلال سنة واحدة تحضرها جميع الأطراف المشكّلة للمشهد السّياسي، لتفصل في موعد الانتخابات الرّئاسية المسبقة، "متعهدًا بألّا أشارك فيها"، وبإنجاز دستور يُستفتى عليه الشّعب، لضمان تغيير النّظام جذريًّا والمرور إلى جمهورية جديدة، وبتوزيع الثّروات الوطنيّة وفق روح العدل، وتعزيز هيمنة العدالة الاجتماعيّة ومحاربة الفساد والإقصاء والتّهميش الاجتماعيّ، بالضّرب على أيدي جماعات الخفاء.
غادر المتحدّث القاعة تحت حراسة مشدّدة، تاركًا الحاضرين في ذهول تامّ. وهو الذّهول ذاته، الذّي ساد في مجالس الجزائريين واقعيّةً وافتراضيّةً، إذ ضجّ موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك بالمنشورات المعبّرة عن الصّدمة من جهة، ومن جهةٍ ثانيةٍ عدم تصديق وعود الرّئيس، الذّي أشاد في الرّسالة المنسوبة إليه بـ"المستوى الحضاريّ والسّلميّ للمسيرات".
أشار الباحث في علم الاجتماع السّياسيّ ناصر جابي إلى المثل الشّعبيّ القائل إنّ ما لم يأتِ مع العروس لن يأتي مع أمّها لاحقًا، في إشارة منه إلى أنّ الإصلاحات، التّي لم تُنجز في عشرين عامًا لا يُمكن أن تُنجز في سنة واحدة. وهو ما فهمه الإعلاميّ نجيب بلحيمر على أنّه استجداء من طرف الرّئيس لفرصة إضافيّة ليموت رئيسًا، "لكن يجب الانتباه إلى أنّ الجماعة تريد وقتًا لتبييض نفسها، وإعادة ترتيب الأوراق لأجل استمرار النّظام"، مضيفًا أن "إسقاط العهدة الخامسة بات قاب قوسين، والاستجداء الذّي تضمّنته رسالة التّرشّح يُؤكّد هشاشة الجماعة الحاكمة".
رسائل الليل تؤكّد رسائل النّهار
ما أن وصل خبر ترشّح بوتفليقة رسميًّا إلى الجزائريين، في وقت متأخّر، الأحد، حتّى بدأت مسيرات الاحتجاج تتشكّل في المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة ومستغانم ووهران وبجاية وتيزي وزو وبرج بوعريريج وسطيف وقالمة. وبدأت الأخبار القائلة إنّها تسبّبت في تخريب الممتلكات العامّة تهيمن على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، غير أنّها ظهرت مجرّد إشاعات كانت تهدف إلى تخويف النّاس.
اقرأ/ي أيضًا: جمعة الغضب في الجزائر.. شارع موحد أمام ارتباك النظام
دفع الخوف من الانفلات الأمنيّ بالنّشطاء إلى إطلاق دعوات للمتظاهرين بالدّخول إلى بيوتهم، حتّى لا يستغلّ خفافيش اللّيل الوضع، حسبهم، ويعملون على تمييع المسيرات الاحتجاجيّة، على أن يتمّ الخروج نهارًا، وهو ما استجاب له المتظاهرون، فانسحبوا من غير إصابات تُذكر.
يقول النّاشط ماسينيسا قبايلي إنّ تأجيل الإعلان عن الترشّح إلى ما قبيل المغرب كان الهدف منه أصلًا حمل الشّباب على الخروج ليلًا حتى يتمّ توفير الظّروف المناسبة للانفلات الأمنيّ، "حتّى تجد العصابة فرصة لتشويه الحراك الشّعبي وفرض خيار حالة الطوارئ".
يضيف محدّث "ألترا صوت": "لكنّ وعي الشّباب بضرورة الرّوح السّلميّة جعلهم سلميين في اللّيل مثلما كانوا كذلك في النّهار. وحملوا الشّعارات نفسها، رفضًا للعهدة الخامسة وللوجوه، التّي أشرفت على ما سبقها من عهدات".
ما أن وصل خبر ترشح بوتفليقة رسميًّا إلى الجزائريين، في وقت متأخّر، الأحد، حتّى بدأت مسيرات الاحتجاج تتشكّل في المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة
يبدو أنّ مرحلة عضّ الأصابع بين المحيط الرّئاسي والحراك الشعبيّ قد بلغت أوجّها. وأنّ بوادر عصيان مدني دعت إليه جهات مدنية كثيرة قد بدأ يلوح في الأفق، كبديل للمسيرات والمظاهرات، التّي لم تزد أنصار العهدة الخامسة إلا إصرارًا عليها.
اقرأ/ي أيضًا: