12-أبريل-2019

لا زال بوتفليقة يحكم بمنظومته ورجالها (أ.ب)

لأن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لم يُحط نفسه برجال دولةٍ بل بخدمٍ فاسدين ومطيعين لا يناقشون له أمرًا، لم يجرأ جميع من في السلطة، سياسيين كانوا أم عسكريّين، على اقتراح سيناريو بديلٍ في حالة حدوث طارئ يمنعه من الترشُّح لعهدةٍ خامسة؛ طارئ كالموت مثلًا! 

مات عبد العزيز بوتفليقة فعلًا قبل موته البيولوجي، فقد شاء مكر التاريخ أن يموت ألف ميتة رمزية

مجرّد التفكير في خطّة بديلة، وإن كانت ضرورية لاستمرار مصالح العصبة الحاكمة، يُعدّ في المنطق البوتفليقي خيانةً للرئيس الذي اختارته العناية الإلهية، ويُفتَرض ألا يموت!

اقرأ/ي أيضًا: خطاب بن صالح.. النفخ في رماد النظام

غير أن عبد العزيز بوتفليقة مات فعلًا، قبل موته البيولوجي. شاء مكر التاريخ أن يموت ألف ميتةٍ رمزية: حين هتف الملايين برحيله، ومُزّقت صوره في الفضاء العام، وبات تأييده نقيصةً بعد أن كان مفخرة، وانفضّ من حوله أشدّ الناس تملّقًا، ممّن أنزلوه منزلة النبي المعصوم والإله المخلَّد.

كان بإمكان السلطة أن تتجنّب كلَّ ما حدث منذ 22 شباط/فبراير، لو أنها توافقت على مرشّحٍ من الحاشية يضمن استمرار النظام البوتفليقي ومصالحه. لكنها لم تفعل؛ إذ بلغ بها العمى درجة الاعتقاد بأنَّ أحدًا لن يعارض حتّى لو رُشّح الرئيس وهو في القبر (بعضهم قال ذلك فعلًا)، وحتّى لو ترشّح أخوه أو ابن أخيه، ذلك الطفل الذي يُشاهده الجزائريّون مع العائلة السعيدة في كلّ موعدٍ انتخابي.

أمّا وقد حدث ما لم تحسب له السلطة حسابًا، فقد صار ضروريًا اللجوء إلى الخطّة البديلة، فأن تأتي الحلول متأخّرةً أفضل من أن لا تأتي على الإطلاق. قدّم بوتفليقة استقالته، بعد خطابٍ ناري لقائد الأركان، وصف فيه محيط الرئيس بـ"العصابة" التي اغتنت في ظرفٍ قياسي، حتّى خُيّل لبعضهم أنّ السجون ستمتلئ بالفاسدين والمفسدين.

لكنَّ أيًّا من ذلك لم يحدُث. اعتُقل رجلُ أعمالٍ واحد، وليس بتهمة الفساد، وإنما لأنه حاول السفر، بينما لم يقترب القضاء من القائمة الطويلة العريضة من السياسيّين ورجال الأعمال الذين لا يزالون يتمتّعون بالحصانة المطلقة.

بوتفليقة (عبد العزيز وأخوه معًا)، الذي فصّل دستورًا على مقاسه، وأفرغ الساحة السياسة بحيثُ يُصبح إيجاد بديلٍ له من سابع المستحيلات، لم يستقل. إنه لا يزال رئيسًا شبحًا كما كان رئيسًا شبحًا. منظومته النفسية والعقلية، إلى جانب دستوره وقوانينه، هي ما سيُسيّر البلاد إلى أجلٍ غير مسمّى، إضافةً إلى خدمه المبثوثين في مفاصل الدولة، بدءًا بعبد القادر بن صالح الذي تقول النكتة إنه أصبح رئيسًا مؤقّتًا، وليس انتهاءً بنور الدين بدوي الذي صار وزيرًا أوّل.أمّا الجيشُ فقد تقدّم خطوةً، ثم عاد ليتراجع خطوتيَن إلى الوراء.

وإذا ما نجحت الجماعة في جعل الأمور تسير وفق ما هو مخطّط له، فسنعود بعد الرابع من تموز/يوليو المقبل، وهو التاريخ المعلن لإجراء الانتخابات الرئاسية، إلى المربّع الأوّل: رئيسٌ مزوّر تُسفر عنه انتخاباتٌ مزوّرة بتزكيةٍ من هيئة مزوّرة.

لم يستقل بوتفليقة، فلايزال رئيسًا شبحًا كما كان رئيسًا شبحًا، فمنظومته هي نفسها لا زالت تحكم بدستورها وقوانينها ورجالها

وسيصمت القضاء ويطبّل الإعلام ويصفّق المجتمع المدني، ويُصبح صوت الشارع خافتًا ضعيفًا. وليس مستبعدًا أن يرمي النظام بأقنعته ليكشف عن وجهه الحقيقي، ويُكشّر عن أنيابه ليضرب كلّ صوتٍ معارض، تحت مبرّر "إعادة هيبة الدولة"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

بن صالح يحدد موعد الانتخابات.. والحراك يشكك في نوايا قايد صالح

عبد القادر بن صالح.. رئيس مؤقت في حقل ألغام