29-مايو-2022
فلادمير بوتن

الرئيس الروسي فلادمير بوتين (الصورة/Getty)

أبرزت الأزمة الأوكرانية والحرب القائمة في شرق أوروبا بين الاتحادية الروسية والغرب، نخبًا وطنية من الوسط الأكاديمي والجامعي تُساند التدخل العسكري الروسي على الأراضي الأوكرانية، وتُبدي اهتمامًا ومتابعة لكل تفاصيل التطورات العسكرية والميدانية هناك، وعبر منصات السوشيل ميديا تتناقل أخبار ًا عن انتصارات يُسجلها الجيش الروسي، تماشيًا مع الحملة الإعلامية الروسية الأخيرة.

مصطفى راجعي: نخبنا الجزائرية والعربية ما تزال منخرطة في مقاربة ما بعد الاستعمارية

 ما يَبعثُ عن البحث والتساؤل، أنه طالما ارتبط ولاء النخبة اليسارية والشيوعية الوطنية بالاتحاد السوفياتي سابقًا، بينما أنصار بوتين اليوم لا ينتمون أيديولوجيا إلى المجد أو الإرث السوفياتي، ولم يتلقوا تعليمًا وتكوينًا في روسيا، ولكنّهم خرّيجو الجامعات الجزائرية، وليسوا ضباطًا وعساكر تلقوا تكوينًا في موسكو كما تجري العادة لدى كثير من المنخرطين في الجيش، حتى يتم  وصفهم بـ"الروسوفيليا “أو “الروسوفيليون”.

تساؤلات

في الهذا السياق، تُطرح أسئلة كثيرة حول وجود منشورات على فيسبوك تمجّد الحرب الروسية الأخيرة على أوكرانيا، مُنطلقها ماهي البنية الفكرية والأيديولوجية لأولئك الدكاترة والأساتذة الجامعيين؟ ولماذا يبدون الولاء لروسيا، رغم تورط اليد الروسية الملطخة بالدم العربي والإسلامي؟ إضافة أن روسيا قد تهدد الأمن القومي الوطني، في ظلّ توسع فرقها الأمنية الخاصة، ومجموعات من مرتزقة مُقربين من الكرملين، في كل من مالي وليبيا والساحل الأفريقي؟ هل هو بحث عن مجد وطني مفقود ومُتخيل؟ أم ردة فعل انتقامية من المعايير المزدوجة للمجتمع السياسي الغربي؟ وهل تعتقد النخبة الجزائرية أن روسيا داعمة للشعب الفلسطيني والشعوب المضطهدة؟

معارضة الهيمنة الغربية

في السياق الموضوع، يقول لحسن خلاص، المحلل السياسي والمختص في علم الاجتماع، أن الفئة المعجبة بروسيا اليوم تنقسم إلى قسمين، متحدّثًا وجود طرف تلقى تكوين في المجال العسكري والتقني والعلمي، وبناء على ذلك، فمن الطبيعي جدًا أن يحمل هؤلاء ثقافة وأيديولوجيا تُمثل الإرث والمكانة الروسية، على حدّ قوله.

وأضاف محدث "التر جزائر" أن هذا الطرف يساند روسيا مبدئيًا وأساسيًا حتى في صراعها مع بلد عربي أو مسلم، وهنا قسم ثاني، ينحاز إلى روسيا، على اعتبار أن موسكو تساند كل أشكال المقاومة ضد الهيمنة الأميركية وأوروبا الغربية.

واستطرد خلاص أن هذا القسم لا ينحاز إلى روسيا بقدر ما يتحالف معها ضد المركزية الغربية، ويتعاطف على إثره مع إيران والصين ومن يعلن مناهضته للغرب، وفي رده على سءال متعلق بالأوليغارشية الروسية، وهل يمكن تصنيف النظام في روسيا بالنموذجي في مجال الحريات والديمقراطية، قال لحسن إن القسم المساند لروسيا لا تعني الديمقراطية الغربية لهم شيئًا، مقابل الصمت على انتهاك حقوق الفلسطينيين والكيل بمكيالين بين أوكرانيا وفلسطين.

ما بعد الاستعمارية

من جهته، قال مصطفى راجعي، باحث ومختص في علم الاجتماع، أن النخب العربية أو الوطنية ما تزال منخرطة في مقاربة ما بعد الاستعمارية، المكرس في الذهنيات الجزائري منذ الخمسينات.وأضاف محدثنا أن المواقف الدولية هي التي تضبط مواقف النخب الوطنية وليس الشؤون الداخلية لتلك الدول.

وأردف أن كافة التيارات سواء الإسلامية أو اليسارية تنظر إلى الغرب على أنه استعماري معادٍ وخصم تاريخي وديني واستغلالي ونيو ليبرالي متوحش، وتابع راجعي، أنمه بينما الرؤية إلى روسيا تَعكسها مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وعدم تدخله في الشؤون الداخلية ومناهض للغرب، مردفًا أن انسياق بعض النخب وراء روسيا، ما هو إلا نتيجة تقارب وتشارك في معادة وكراهية الغربـ رغم تباعد الأسباب والأهداف.

هنا، يعلٌّ محدّثنا قائلًا: "رغم أن بوتين هو المعتدي على القانون الدولي والشرعية الدولية إلا أن النظرة إلى أن القوى الغربية (شر مطلق) ما تزال تتحكم في ميزان مواقف النخبة المثقفة عندنا".

الإرث السوفياتي 

ما يزال الكثير من الجزائريين متمسكين بالإرث السوفياتي السابق، إذ ساند الاتحاد السوفياتي السابق الحركات التحررية في العالم، ودعمت موسكو الثورة التحريرية دبلوماسيًا، واستعانت الدولة الوطنية عذاة الاستقلال على البعثات التقنية والعلمية من دول شرق أوروبا الشيوعية في التعليم الجامعي، وساهمت كوادر روسية في قطاعات صناعية واستراتيجية، واحتضت الجامعات والمعاهد الروسية بعثات من طلبة جزائريين، نشأت على أثره روابط عائلية وأسرية، كما تعتمد الجزائر على روسيا في مجال التسليح، بما يتجاوز 80 في المئة من مشترياتها العسكرية.

القطيعة

لكن هذا الإرث عرف قطيعة مع بروز ما سمي آنذاك بـ "الصحوة الدينية في الجزائر" بداية السبعينات والثمانينات، وتصاعد الخطاب المناهض للشيوعية المحلية والعالمية، على اعتبار أنها مطية للإلحاد، كما أرسلت الحركة الإسلامية أفواجا من الشباب الجزائري إلى أفغانستان للقتال إلى جانب الشعب الافغاني ضد اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. 

من جانبه، ومع عودة الصراع الأيديولوجي والحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية والحلف الأطلسي، أبدى بوتين أنه منافس للهيمنة الغربية، وضد الأحادية القطبية، وأعاد مكانة للإسلام في القوقاز، ودعا السفير الروسي لدى الجزائر إلى ضرورة تقرير حق الشعب الفلسطيني والصحراوي لمصيره، وقد تكون هذه الصورة حشدت نوعًا من إعجاب النخبة الوطنية تجاه شخصية فلاديمير بوتين.

المثقف الشعبوي

بالمقابل، وتعليقا عن سر تعلق المثقف العربي والوطني بفلاديمير بوتين، ورسيا، يرى البروفيسور إسماعيل مهنانة، أن الإجابة عن السؤال تقتضي البحث عن جدور الشمولية بأدوات التحليل النفسي، وأضاف أن البحث يجب أن يتضمن أيضًا أسباب العشق الغريب الذي تبديه الشعوب اللأب/ الدكتاتوري، المخلص القوي في اللاشعور الجمعي للمجتمعات.

وأردف محدثنا أنه لاحظ أن الشعوب المقهورة والتي عاشت تحت الأنظمة الاستبدادية هي الأكثر تعاطفًا مع سياسية بوتين التوسعية، وتابع: "كما تعاطفت قبله مع صدام حسين، وقبله مع النظام الفاشي والنازي وهتلر".

أما عن الطبقة المثقفة التي تساند اليوم بوتين، قال مهنانة إن "المثقفين الشعبويين بشعبويتهم يعتقدون أنهم أقرب إلى حس الشعب الصغير، لكنهم يصبحون أسيري ذلك الحس"، مشيرًا أن المثقف من المفروض أن يكون متبوعًا، لكنه صار هو التابع لذائقة الغوغاء، وبات يخشى مخالفتها.

وأوضح البروفيسور أن المثقف فَقَد التعاطف مع ضحايا الحرب الواقعيين، أي الشعب الأوكراني، بحجة شرعية الحرب المقدسة التي يخوضها بوتين ضد الغرب، موضحا أنه لا توجد حرب مقدسة، فكل الحروب مدنسة ومدمرة وقذرة، لكن حس الكلبية الذي يتمتع به الكائن النظري هو ما يضفي طابع القداسة على الحرب، في استبدال خفي للمقدس بالمدنس.

إسماعيل مهنانة: المثقف فَقَد التعاطف مع ضحايا الحرب الواقعيين بحجة شرعية الحرب المقدسة التي يخوضها بوتين ضد الغرب

إن البحث عن البطل القومي، وطول انتظار الزعيم المنقذ لأحوال العالم العربي والمغاربي، جعل الكثير من النخب ترتمي في أخضان الوهم والخيال السياسي انتقاما من النيو-ليبرالية الغربية.