19-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

انتهى مجلس الوزراء، الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى "حزمةٍ" من الوعود والإجراءات الإلزامية،وهو ما يضع حكومة الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد، أمام أوّل امتحان لها، خاصّة ما تعلق باستعادة ثقة الشعب وتجسيد الالتزامات.

القطيعة..

أمر رئيس الجمهورية، أعضاء حكومة الوزير الأوّل، عبد العزيز جراد، إلى ضرورة إحداث القطيعة مع ممارسات الماضي، وترقية نماذج حكامة جديدة تكون في مستوى تطلعات الشعب، مشيرًا إلى أن "استرجاع ثقة المواطن في مؤسّساته، وانخراطه في الأعمال، وإسهامه التام والصادق في إنجاز برامجنا التنموية، مرهون أساسًا بتجسيد التزاماتنا".

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبون.. هل يستغلّ ظروف وصوله إلى الحكم لتغيير النظام أم لرسكلته؟

ودعا الرئيس تبون الحكومة، إلى تسريع عملية إعداد مخطط العمل، بالحرص على ضمان الانسجام في مجمل الأعمال مع "وجوب تحديد الأولويات على ضوء قدراتنا المالية والمادية، من خلال وضع رزنامة محددة لتطبيقها".

كما شدّد الوافد الجديد على قصر المرادية، على أن طاقمه في "بداية المسار، وعلينا إعادة تأسيس الدولة ومؤسّساتها على قواعد سليمة، من تحقيق تقويم اقتصادي واجتماعي وثقافي، يضمن العيش الكريم لكل جزائري في كنف السلم والطمأنينة".

كما ركّز كلام الرئيس الموجّه إلى الحكومة، على أن "تقييم ممارسة المهام والصلاحيات سيكون من الآن فصاعدًا على أساس المسؤولية والمساءلة الملازمتين لها، مع التركيز أساسًا على مستوى التكفّل الفعلي باحتياجات وانشغالات المواطنين عمومًا، والمتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين خصوصًا".

صلاحيات جديدة لـ جراد

أعطى، رئيس الجمهورية، الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، سلطة تعيين عددٍ معيّن من إطارات الدولة. وجاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء، أن "القرار يهدف إلى تخفيف إجراءات التعيين في المناصب السامية للدولة، وتسريع حركة مستخدمي الوظائف العمومية السامية". كما شدّد البيان أن هذا الإجراء يُطبق في "إطار احترام الأحكام الدستورية المعمول بها في هذا الصدد".

حرب على أصحاب النفوذ الصناعي

وفي ملف الصناعة، ألحّ الرئيس على ضرورة وضع حدٍ للنفوذ المتزايد لـ "اللوبيات" وجماعات المصالح في السياسات العمومية، مطالبًا بـ "منظومة قانونية صالحة لمدّة طويلة، لا تقلّ عن عشر سنوات، تضمن الرؤية الواضحة للمستثمرين، بهدف خلق الاستقرار في المنظومة القانونية، لتحفيز رجال الأعمال على الاستثمار".

واستعجل المتحدّث، التعاطي مع الملفات الساخنة المطروحة على الساحة الوطنية، خاصّة قضيّة استيراد السيّارات في شكل أطقم جاهزة للتركيب في صيغة "سي كا دي" و"أس كا دي"، مطالبًا بتصفية هذه الوضعية ووضع قواعد جديدة، وكذلك قضية مصنع الحجّار للحديد والصلب.

كما تحدّث تبون، على ضرورة التوجّه نحو صناعة حقيقية، تتكوّن أساسًا من صناعات خفيفة وصغيرة ومتوسّطة، مدرة للثروة وتُحدث القطيعة مع الصناعات التي تكرّس التبعية، مشدّدًا على أن "اللجوء المفرط للاستيراد جمّد عقول الجزائريين، وقتل فيهم روح المبادرة وقدرتهم على الخلق والابتكار".

وبخصوص دعم المستثمرين الخواص، أمر نزيل قصر المرادية، بضرورة منح تحفيزات هامّة لمن يستخدم المواد الأوّلية المحليّة، طالبًا من الحكومة "استرجاع العقار الصناعي الممنوح وغير المستعمل من طرف المستفيدين، وتشجيع خلق التعاونيات من أجل تهيئة أو إنشاء مناطق صناعية جديدة برؤية جديدة، في ظلّ دفتر شروط واضح ودقيق".

وفي القطاع نفسه، دعا إلى "مكافحة وتجريم وتشديد العقوبات، على المستوردين المضخّمين للفواتير، التي تحدث نزيفًا حادًا في المال العام بالعملة الصعبة".

أزمة الحليب..

لم يفوّت مجلس الوزراء،  الحديث عن عودة أزمة الحليب إلى الواجهة، حيث وضعها الرئيس ضمن أولويات قطاع الفلاحة، محدّدًا للحكومة مهلة ستة أشهر للقضاء على أزمة أكياس الحليب بصفة نهائية، كما شدّد عل ضرورة وضع سياسة وطنية لتخزين المواد الغذائية لحلّ مشكل التسويق.

كما تطرّق تبّون إلى الفلاحة الصحراوية، والزراعة الجبلية، حاثًا على تخفيض الأسعار حتى تكون المنتوجات في متناول المواطن، ووجه بـ "تأسيس معهد للفلاحة الصحراوية، يكون مقرّه في الجنوب الجزائري لضمان التكوين والتأطير لهذا النوع من الزراعة".

وعرّج في ردّه على عرض قطاع الفلاحة، على مسألة استيراد اللحوم، وطالب بضرورة تشجيع الإنتاج المحلّي للماشية، وضرورة التقليص من الاستيراد. كما أمر بتقييم وضعية العقّار الفلاحي في كل الولايات، والإسراع في تسوية وضعيته القانونية.

مليون وحدة سكنية

في قطاع السكن، أعلن رئيس الجمهورية عن إطلاق برنامج جديد، يخصّ إنجاز مليون وحدة سكنية بمختلف الصيغ للفترة 2020-2024، إضافة إلى تسليم مليون ونصف مليون وحدة سكنية في آفاق 2024، والقضاء على الأحياء القصديرية وامتصاص عجز برنامج "عدل 2".

وحرص اللقاء على "معالجة إشكالية البنايات القديمة، واستئناف إنجاز 120.000 تجزئة اجتماعية للتكفّل بطلبات السكن في ولايات الجنوب والهضاب العليا"، وطلب الرئيس بـ "مراجعة القانون حول التهيئة والعمران وسياسة المدينة وتفعيل ديناميكية مهنة المراقبة"، مشيرًا إلى أن إنجاز أيّ برنامجٍ سكنيٍّ جديد، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار صعوبات التمويل.

كما دعا الرئيس، إلى تشديد الرقابة الفنيّة على البنايات ومحاربة الغشّ في مواد البناء، وحثّ على إطلاق تفكير شاملٍ بخصوص إنشاء مدن الضواحي، بهدف وقف نزوح السكّان نحو المدن الكبرى لفكّ الخناق عليها.

مناطق حرّة لمحاربة التهريب

وجّه الرئيس تعليمات لحكومة الوزير الأوّل، لإنشاء مناطق حرّة مع الدول الأفريقية المجاورة، للقضاء على ظاهرة التهريب، وشدّد على ضرورة تقليص فاتورة استيراد الأدوية بتشجيع إنتاج الأدوية محليًا، مع إخضاع المواد الصيدلانية المستوردة لشهادات التصديق، والتأمين لحماية صحّة المواطنين من الممارسات المغشوشة.

وفي مجال التجارة الخارجية، أكّد رئيس الجمهورية ، اطّلاعه على أوجه العجز في الميزان التجاري، بعد أن سجل القطاع في 2019 انخفاضًا في الواردات والصادرات، على التوالي بأكثر من 7.7 في المائة ونحو 13 في المائة. في الوقت الذي سجلت فيه الصادرات خارج المحروقات تراجعًا بنحو 10 في المائة، وعلّق قائلًا إنّ "عقلنة الواردات، لا ينبغي أن تكون على حساب سير المؤسّسات والاحتياجات الضرورية للمستهلكين".

كما أبرز الرئيس، ضرورة الإسراع في وضع استراتيجية ترقية الصادرات خارج المحروقات، بالتعاون الوثيق مع الدوائر الوزارية المعنية.

وبخصوص الاتفاقات التجارية المبرمة، أو تلك التي هي في مرحلة التفاوض، كلّف رئيس الجمهورية الحكومة، بتقييم دقيق وموضوعي لآثارها على الاقتصاد الوطني، مؤكّدًا على ضرورة تعزيز آليات تشاور قطاعي، بالنسبة لسياسة التجارة الخارجية.

من جهة أخرى، حثّ الرئيس على ضرورة وضع دليلٍ إحصائي للإنتاج الوطني وإنشاء مخابرٍ في كل المنافذ الحدودية للبلاد، وفي الموانئ والمطارات بالتعاون مع وزارة الصحّة، وإشراك الجامعات لتعزيز آليات الرقابة على الواردات الغذائية، بالمقاييس العالمية حمايةً للمواطنين.

اعتراف بمرض الصحة..

صحّيًا، اعترف الرئيس بأن مصالح الاستعجالات الاستشفائية، وأقسام التوليد، هما نقطة الضعف الرئيسة للمنظومة الصحيّة، وأن الأمر يستدعي إعادة تنظيم القطاع ووضع إجراءات عملية، خاصّة بتكوين أطباء متخصّصين في الاستعجالات وشبه الطبّي، وتشجيع المنافسة بين أطباء الاستعجالات، بمنح التحفيزات المناسبة.

في السياق ذاته، شدّد الرئيس على عدم رفض استقبال أيّة امرأة حامل وهي في اللحظات الأخيرة للولادة، من قبل أيّة مصلحة طبية كانت.

كما ألح على ضرورة التشخيص المبكّر المجاني، لبعض الأمراض المرتبطة بالسن والأمراض المزمنة والسرطان، مشدّدًا على أهمية التفكير الجدّي لحلّ مشكل الخدمة المدنية، ومنح التحفيزات اللازمة، مع التفكير في إعطاء الأولوية لتكوين أطباء من الجنوب، بهدف إيجاد حلٍّ نهائي لمشكلة نقص الأطباء المتخصّصين في الجنوب.

كذلك أمر الرئيس بالتعجيل في إنجاز مستشفى بالعاصمة يتسع لـ 700 سرير، لتخفيف الضغط على المنشآت الصحيّة القائمة. وتطرق لظاهرة العنف ضدّ ممارسي الصحّة في المستشفيات، وحثّ على اتخاذ إجراءات بما فيها التعاقد مع شركات خاصّة، لضمان حماية المنشآت الصحيّة والمستخدمين.

صندوق تمويل المؤسسات 

أمر رئيس الجمهورية، في ردّه على عرض وزير المؤسّسات المصغّرة والمؤسّسات الناشئة واقتصاد المعرفة، بإحداث صندوق خاصٍ أو بنك لتمويل هذه المؤسّسات.

كما أمر بتنظيم جلسات وطنية بمشاركة الكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، والإبقاء على آلية "أنساج" وتفعيلها، وكلّف الوزير الأوّل بإعداد آلية لمتابعة عملية رقمنة مؤسّسات الدولة.

ورافع وزير القطاع، لصالح مخطط عملٍ يشمل مشروع قانون حول إقرار علامة مؤسّساتية خاصة بالمؤسسة الناشئة الجزائرية، وجملة من الإجراءات التحفيزية، كالإعفاءات الجبائية لفائدة المؤسّسات الناشئة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرئيس عبد المجيد تبون يباشر تغييرات جديدة في طاقمه الرئاسي

دعوة تبون إلى الحوار.. اختراقٌ للحراك أو حلّ للأزمة؟