20-يناير-2020

السلطة مستمرّة في اعتقال الصحافيين (أ.ف.ب)

خطا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خطوة جديدة باتجاه إحداث مصالحة بين الإعلام ومؤسّسة الرئاسة، بعد إعلانه عقد لقاءٍ تشاوريٍّ، مع فريقٍ من الإعلاميين، يمثّلون وسائل إعلام عمومية ومستقلّة.

مهدي براشد: على تبون أن يتذكّر أن القنوات التي امتدحت بوتفليقة ومحيطه هي نفسها التي شتمته فيما بعد

تأتي دعوة تبون، في إطار الحوار المفتوح بينه وبين الفاعلين في الحياة السياسية، على رأسهم الناشطين في قطاع الإعلام؛ بهدف توفير أرضيةٍ مقبولة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، إذ وصفتها أوساط إعلامية بـ "الخطوة اللافتة". إذ لم يسبق للرئاسة الجزائرية، أنّ اتخذت إجراءات مماثلة، في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبون.. هل يستغلّ ظروف وصوله إلى الحكم لتغيير النظام أم لرسكلته؟

ممارسات النظام السابقة

الرئيس عبد المجيد تبون، "يعتمد على أشكالٍ جديدة للاتصال"، محاولًا تصحيح علاقة مؤسّسة الرئاسة مع الصحافة والرأي العام في البلاد، واستدراكه لحالة انغلاقٍ مارسها الرئيس بوتفليقة سابقًا لعقدين من الزمن، تقول الإعلامية سامية بوقطاية من الاذاعة الدولية.

 هنا، تُلفت بوقطاية في حديث إلى "الترا جزائر"، إلى التغيير الحاصل بخصوص دوائر الاتصال في الرئاسة الجزائرية، منذ تولّي الرئيس تبون رئاسة الجمهورية، وتعيينه لأوّل مرّة، ناطقًا باسم رئاسة الجمهورية، وناطقًا باسم الحكومة، واحتواء البيانات الرسمية حيال القضايا والأحداث اليومية، لرفع الالتباس حول الأخبار العاجلة والمستجدّة والتضارب الصارخ بين المعلومات.

هذه الخطوة السياسية، في لغة التّواصل الرسمي لدى الرئاسة الجزائرية، يُمكن قراءتها من عدة زوايا؛ خصوصًا أن الفترة التي وصل فيها الرئيس تبون للحكم، ليست فترة سياسية فحسب، بل جاءت عقب حراك شعبي، ارتفعت فيه الأصوات المطالبة بالتغيير، وفتح فضاء الإعلام والتأسيس لحرية التعبير، غير أن أساليب النظام السابق اتجاه الإعلام مازالت مستمرّة، إذ يتواصل اعتقال الصحافيين والمدوّنين ممّن ينتقدون الرئيس تبون على فيسبوك، ويستمرّ التضييق على وسائل الإعلام، ومنعها من تغطية الحراك أو استقبال المعارضيين في بلاتوهات النقاشات السياسية.

أسئلة مشروعة..

هناك تساؤلات مهمّة حول هذه الخطوة، رغم أنّها مازالت محصورة في قائمة الوعود، إذ تعتقد الإعلامية أنّ "الخطوة هي تصحيحٌ للاتصال المؤسّساتي الرسمي، بعد قطيعة طويلة للرئاسة مع الإعلام والصحافيين".

تطرح سامية بوقطاية، سؤالين جوهرييْن؛ يتعلّق الأوّل منهما بأهداف اللقاء، حول "إن كانت رئاسة الجمهورية تتوخّى الاتصال بالفاعلين في المشهد الإعلامي، وإبلاغ الرأي العام وتوضيح موقفها، ومكاشفة الشعب بالحقائق"، خصوصًا وأن الجزائر تمرّ بموجة احتجاجات منذ بدء الحراك الشعبي، قبل سنة تقريبًا.

أما الثاني، بحسب المتحدّثة، فيتعلّق بفرضية أن يكون اللقاء "شكليًا فقط ومجرّد خطوة لتلميع صورة الرئيس الجديد"، حسب قولها، في ظلّ الظروف السياسية التي تتهيّأ لها منظومة الحكم في الجزائر، وذلك لمباشرة التحضير لتغييرات سياسية كبرى عميقة.

في رأي بعض الإعلاميين الجزائريين، يكون التأسيس للقاءٍ مع وسائل إعلامية وجعله ثقافة حيوية، ضروريٌّ جدًا، بل وتصحيحٌ لمسارٍ كان غائبًا طيلة عشريتين من الزمن.

هنا، يعتقد الإعلامي نور الدين علواش، من صحيفة "الحوار"، أنّ هذا اللّقاء مهم جدًا، لأنه سيكسر الجليد الذي تشكّل بين الرئاسة والأسرة الإعلامية طوال عشرين سنة الماضية، في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حسب تعبيره.

ويضيف علواش في تصريح لـ "الترا جزائر" أنّ "أهميّة اللقاء تكمن كذلك في الإرادة التي يحملها الرئيس تبون، تجاه قطاع الصحافة بصفة عامّة"، لكنّه لم يُخف قلقه من أن يكون اللقاء "بروتوكوليًا" فقط، معبرًا عن أمله أن تتمّ أعمال اللقاء حول "تشريح المصاعب التي تواجه القطاع، والعاملين فيه، وتذليلها سواءً الشقّ المهني والقانوني أو الاجتماعي".

وجهان لنظام واحد

من المهم جدًا، أن الحكم على مُخرجات هذه الخطوة الاتصالية، مرهونٌ بمدى قدرتها على صنع حالة مكاشفة للحقيقة ومواجهة الرئيس تبّون بالملفات والأسئلة الملحّة، التي ظهرت بصورة واضحة في خضم الاحتجاجات التي يعرفها الشارع كل يومي جمعة وثلاثاء.

في هذا السياق، يعتبر الصحافي مهدي براشد، أنّ "قيمة اللقاء تحدّدها مدى نيّة وقناعة الرئيس تبون، بضرورة وجود إعلام بشقيّه الحكومي والخاص، شديد الارتباط بالدولة، شديد الاستقلال عن كلّ السلطات. يمكن الاعتماد عليه دون إملاءات، أو منطق ولاءات في الدفاع عن الدولة حين تسقط السلطة".

ودعا براشد الرئيس تبون، إلى أن "يتذكّر أن القنوات التلفزيونية التي أشادت ببوتفليقة وأحمد أويحيى وغيرهما من المسؤولين ورجال الأعمال، هي نفسها التي شتمتهم بعد حراك الـ 22 شبّاط/فيفري الماضي، عقب الزجّ بأغلبهم في السجون".

قبل النظر في مضمون اللقاء وأهدافه، نبه الصحافي براشد، في حديثه لـ"الترا جزائر"، إلى نقطتين أساسيتين؛ "أولاهما أن الرئيس تبون كان مسؤولًا في عدة مستويات من السلطة، وبذلك فهو على معرفة جيّدة بالقطاع ومشاكله خلال العقدين الأخيرين، سواءً على المستوى التنظيمي أو على صعيد الممارسات، وهي المشاكل التي كان هو أصلًا أحد ضحاياها في فترة ما، والأمر سيان بالنسبة للنّاطق الرسمي باسم الرئاسة محند أوسعيد بلعيد، ووزير الاتصال الإعلامي عمار بلحيمر".

أمّا النقطة الثانية التي أشار إليها براشد، فهي تتعلّق بالتعاطي الإعلامي مع مسار الحراك الشعبي طيلة سنة تقريبًا، ومعالجته للمسيرات الشعبية، إذ "أبدت الصحافة والقنوات وجهًا قبيحًا جدًا، خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما لم تُبده من قبل، حتّى في عهد الرئيس المُرغم على الاستقالة من السلطة عبد العزيز بوتفليقة".

الثّابت في الساحة الإعلامية، أن طموحات الإعلاميين في الجزائر، تتعدّى لقاءات دورية ومشاورات حول إعادة تنظيم القطاع، إذ اعتبر كثيرون في تصريحات متفرّقة لـ "الترا جزائر"، أن الاهتمام بقطاع الإعلام، يستدعي إعادة تحديد الأولويات لإصلاحه عبر برامج التكوين والتأهيل والتدريب، فضلًا عن تحديد ميثاق شرف المهنة، وتقنين الوضعية المهنية والاجتماعية للصحافيين، فدون ذلك يبقى القطاع يدور في فلك السلطة، وتكون ممارسته منغلقة في دائرة "الدعاية" لا أكثر، في حين أن الجزائر بحاجة إلى إعلام يراقب السلطة، وحلقة وصلٍ بينها وبين المواطن في علاقة تبادلية، كما يبرز إنجازاتها، ويكشف عن أخطائها، وهو أهمّ الأدوار التي يؤدّيها الإعلام في مرحلة الانتقال الديمقراطي وإحداث القطيعة مع منظومة الحكم السابقة.

بين المطرقة والسندان

نظريًا، تعّهد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون في خطاب أداء اليمين الدستورية، نهاية السنة الماضية، بمنح "مساحة كبرى من الحرّيات" لقطاع الإعلام، قائلًا إنّ"الحرية لا حدود لها"، كما وعد بحلّ مشكلة الإشهار، الذي يُعتبر حجر الزاوية لبقاء الصحف والقنوات الخاصّة على قيد الاستمرار.

يتخوّف صحافيون من أن يكون لقاء الرئيس تبون بالصحافيين مجرّد  خطاب سياسي قديم

مخاوف مشروعة، يتحسّسها مهنيو قطاع الإعلام في الجزائر، بخصوص لقاء تبون مع الصحافة، من أن يكون الاجتماع مجرّد خطاب سياسي قديم في شكل جديدٍ. إذ أثبتت التجارب السّابقة أن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، أقدم على سلسلة من اللقاءات مع الصحافيين في بداية الأزمة السياسية 1998، وقام الرئيس بوتفليقة أيضًا، بسلسلة طويلة من الحوارات في الأشهر الأولى من حكمه، أي في العهدة الرئاسية الأولى (1999-2004)، لكن الواقع كشف أنّها كانت مجرّد محاولة لمصافحة الرأي العام ليس إلّا، وتعويم المهنة وتشتيت مجهودات إصلاحها، وتغييبها من أجندة أولويات الحكومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوّل خرجة دولية لـ عبد المجيد تبون.. البحث عن شرعية دولية أم تموقع إقليمي؟

تبون يترأس ثاني اجتماع لمجلس الوزراء.. "حزمة" من الوعود والإجراءات