09-يناير-2025
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (صورة: أرشيف)

يتزايد في الجزائر، كما في العديد من الأوساط الأكاديمية والبحثية العالمية، انتشار ظاهرة المجلات العلمية الوهمية أو "المجلات المُفترِسة"، التي تستغل الباحثين عبر عمليات نشر تفتقر إلى المصداقية العلمية.

افتراضيا تنتحل هذه المجلات صفة "المخابر العلمية الموثوقة" لكن في الواقع هي غير معترف بها أكاديميًا 

تفتقِر هذه المجلات إلى المعايير الأكاديمية المطلُوبة حسب الإجراءات الوزارية، تستغلّ حاجة الباحثين لإكمال متطلبات الدّراسات العليا خاصة في سلك الدكتوراه في إطار الملفّ البيداغوجي ومناقشات الأطروحات، وأيضاً نشر أبحاثهم للحصول على الترقية في سياق سلّم التخصصات العلمية في الجامعات والكليات.

وتُشكّل هذه الظاهرة، حسب المهتمين بشأن البحث العلمي في الجزائر، تهديدًا خطيرًا للمصداقية العلمية للمخرجات البحثية في المخابر والجامعات الجزائرية، كما تُشكّل في الآن نفسه عائقًا أمام تقدّم المعرفة وتطويرها.

ويعتبرها أستاذ تقنيات الذكاء الاصطناعي بجامعة الجزائر، محمد بن عبو في أفادته لـ" الترا جزائر" بأنّ هذه "المحامِل العلمية، تنتحل صفة المجلات العلمية الموثوقة عن مخابر بحثية، لكن في الواقع هي غير معترف بها أكاديميًا".

وأضاف بأنها تقوم بإيهام الباحثين بوجود عملية تحكيم علمي صارمة (مراجعة من قبل خبراء) بينما هي في الواقع غير موجودة، كما تستغل الباحثين من خلال طلب أموال مقابل نشر أبحاثهم دون إجراء مراجعة علمية حقيقية أو تحكيم.

فخّ المجلات الوهمية

برزت مؤخراً مجموعة من المجلات العلمية البرازيلية تنتمِي إلى دار نشر تحمِل اسم "Studies Publications"، وهي واحدة من أبرز الأمثلة على المجلّات العلمية الوهمية التي تستهدف بشكل خاص الباحثين الجزائريين.

هذه المجلاّت، التي تفتقِر إلى المعايير الأكاديمية المطلوبة، قد وجدت في المجال البحثي والأسرة الجامعية الجزائرية سوقاً خِصبة مستغِلة حاجته الماسّة لنشر أبحاثه لتسوية وضعيته البيداغوجية في مجال إنهاء الدراسات العليا خاصة في طور الدكتوراه ومتطلبات إتمام ملف المناقشة والتخرج، بالإضافة وكما سبق أن تمّ ذِكره لأجل الحُصول على التّرقية الأكاديمية.

وأفاد الأستاذ كريم ربيعي، دكتور في الكيمياء بجامعة الواد جنوب الجزائر، في منشور عبر صفحته على الفايسبوك، أنّ المجلات الوهمية تقتات على استعجال الباحث، حيث يسعى الباحثون الجزائريون جاهدين للنشر السريع في ظل الضغوط الأكاديمية المتزايدة، إلاّ أن هذا السعي قد يدفعهم إلى الوقوع في شراك المجلات المفترسة.

وهذه المجلات تستغل حاجة الباحثين الملحة للنّشر، وتغريهم بوعود بنشر أبحاثهم بسرعة قياسية، من دون مراجعة علمية دقيقة، مما يهدّد بضرر بالغ للمسيرة الأكاديمية للباحث.

بالإضافة إلى السرعة الفائقة في نشر المقالات، والتي لا تتجاوز عادة أسبوعين، فإنّ هذه المجلة وغيرها من المجلات تقدّم أسعاراً منافسة للغاية مقارنة بالمجلات العلمية المحكمة. وتأكد هذا بعد أن قام باحثون من الجزائر بإجراء تجربة مثيرة للاهتمام، حيث قاموا بإعداد مقال علمي وهمي لا يمتلك أي قيمة علمية، وقدموه للنشر في إحدى هذه مجلات وهي "STUDIES IN ENGINEERING AND EXACT SCIENCES"، وهي المجلة التي نشر فيها الكثير من الباحثين الجزائريين، والمفاجأة، وبعد عشر أيام فقط، قُبل المقال للنشر وطُلب من المحرر دفع مبلغ 55 دولارًا لإتمام نشره في المجلة.

 وكما تعتمِد المجلّات الوهمية على استراتيجية تسويقية فعّالة، حيث تقوم بإرسال رسائل إلكترونية جماعية إلى الباحثين الجزائريين، مدّعية أنّها مصنفة ضمن صنف الفئة "ب" وأنّ مقالاتها مقبولة في مناقشات الدكتوراه والتأهيل الجامعي.

تحذير الوزارة

بعد هذه الحادثة، أصدرت المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة لوزارة التعليم العالي، مُراسلة لمختلف الجامعات بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير الحالي، بخصوص قوائم المجلات العلمية المُعتمدة في الصنف "ب" كوثيقة هامة للباحثين يجب الالتزام بها.

لتجنّب المجلات المفترسة  وجب التأكد من سُمعة المجلات وتسجيلها في قواعد بيانات موثوقة

وتهدف هذه المُراسلة إلى توضيح المعايير المتّبعة في تصنيف المجلات العلمية، وتحديد القوائم المُعتمدة محليا في هذا الصدد، كما حذّرت من المجلات الوهمية التي قد تُحاول استغلال الباحثين.

 كما وحّدت المراسلة، القوائم المُعتمدة للمجلات العلمية في الجزائر حسب الميادين، حيث حدّدت قائمة سكوبيس scopus) لميدان العلوم والتكنولوجيا وعدة قوائم لميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية منها  Scopus، CNRS، AERES، ERIH PLUS، ABDC، وكما حذّرت من مجلة "Studies in Engineering and Exact Sciences"، واعتبرتها مجلة وهمية لا تلتزِم بالأخلاقيات العلمية لأنّها لا تخضع لعملية تحكيم علمي صارمة، وتقبل نشر أي بحث بغض النظر عن جودته العلمية، وتمّ تصنيفها في قائمة المجلات المفترسة ابتداءً من سنة 2025 مما يجعل أي ورقة بحثية تُنشر فيها منذ هذا التاريخ غير مقبولة في مناقشات الدكتوراه أو التأهيل الجامعي.

جامعة جزائرية (صورة: أرشيف)

وتكتسِب ظاهرة انتشار المجلات العلمية الوهمية، وعلى رأسها "Studies Publications"، أهمية بالغة في الجزائر، حيث تتقاطع مع مجموعة من التحديات التي يُواجهها الباحثون في مختلف الكليات. حيث يُعاني الباحث من نقص حاد في المجلات العلمية المحكمة ذات السمعة الطيبة والتي تخضع لمعايير علمية صارمة، وهذا النّقص يدفعه إلى البحث عن بدائل، حتى وإن كانت غير موثوقة، لنشر أبحاثه وإثبات وجوده الأكاديمي.

ومن جهة أخرى، تفرض الضغوط الأكاديمية على الباحثين الجزائريين إيقاعاً سريعاً في نشر أبحاثهم، سواءً لتحقيق متطلّبات الترقية الأكاديمية أو لتلبية شروط التخرج. وهذا الإلحاح يدفع الكثيرين إلى اختيار المجلات التي تنشر مقالاتهم بشكل سريع دون الالتفات إلى الجودة العلمية لهذه المجلات.

ولفت المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي " الكناس"، إلى طرح قضية المراسلة الخاصة بتحديد المجلات العلمية التي أثرت على الباحثين والأساتذة الناشرين.

وطالب "الكناس" بتوضيح وتحديد تاريخ تطبيقها بعد صدورها، مع التأكيد على عدم تطبيقها بأثر رجعي على الأساتذة الذين نشروا في مجلات لم تكن مصنفة كمجلات مفترسة سابقًا.

كما تمّ التنبيه إلى "الضّرر النّاجم عن تقليص قواعد البيانات المعتمدة لنشر مقالات الأساتذة في التخصصات التقنية".

واقترح المجلس الوطني تحديد المجلات المفترسة دون إلغاء جميع قواعد البيانات التي تحتوي على مجلات علمية معترف بها دولياً.

قائمة المجلات المتعمدة من وزارة التعليم العالي

مصداقية البحث

نشر الأبحاث الأكاديمية في المجلات المفترِسة في مجال البحث العلمي، له عواقب وخيمة على الباحث وعلى المجتمع العلمي ككل.

وتقول الأستاذة مروى معمري، دكتورة في الاعلام والاتصال بحامعة الجزائر 3 لـ" الترا جزائر" أنّ من بين هذه العواقب تدهور مستوى البحث العلمي بعد نشر الأبحاث الضعيفة وتشويه صورة البحث والباحث الأكاديمي في المنظومة العلمية الجزائرية على الصعيد الدولي.

 كما تؤدي إلى تضليل الباحثين الآخرين بعد أن يستشهِد بالأبحاث المنشورة في هذه المجلاّت، في سياق توثيقه للمعلومات والتحليل الذي يقدمه في بحوثه من جهة وحتى بخصوص أطروحات التخرّج ممّا يؤدي إلى انتشار المعلومات الخاطئة، وتمييع البحث العلمي عموماً.

كما تنظر الأستاذة إلى أنّ هذه المجلات " تسرِق من وقت الباحثين"، بالإضافة إلى هدر الموارِد العلمية والمادية التي يستثمرها الباحثون في إعداد أبحاث لنشرها في مجلات لا تمتلك أي مصداقية علمية.

ولتجنّب المجلات المفترسة، يشدد الأساتذة على ضرورة التأكد من سُمعة المجلات وتسجيلها في قواعد بيانات موثوقة، مع فحص سياسة الرسوم وضمان وجود عملية تحكيم علمي، بالإضافة إلى مراجعة الموقع الإلكتروني للمجلة للتحقق من احترافيتها.