تجار مواد التجميل تحت الضّغط.. من يدفع ثمن دعم المُنتجات المحلية؟
9 مايو 2025
تعليمات صارمة يتلقاها تجار التجزئة في الجزائر بعد حملات التفتيش الأخيرة مفادها: "توقّف عن عرض هذه السلع المستوردة للبيع!".
فبين رُفوف خالية من علامات تجارية اعتاد عليها الزبائن، وقلق مُتزايد بشأن مصير البضائع المحجُوزة، يتخوّف بعض التجار من مُستقبل غامض يلوح في أفق تجارة مواد التجميل، في ظلّ مساعي الحكومة لتعزيز المنتج المحلي.
شملت الحملة حجز كل منتج أجنبي لم يُرخص استيراده، في خطوة تهدف إلى تشجيع المنتجات المحلية
باشرت فرق مراقبة النوعية وقمع الغش، التابعة لمديريات التجارة، خلال الأيام الأخيرة، حملة تفتيش واسعة استهدفت محلات بيع مواد التجميل.
وشملت الحملة حجز كل منتج أجنبي لم يُرخص استيراده، في خطوة تهدف إلى تشجيع المنتجات المحلية وتقليص تبعية المستهلك الجزائري للمواد المستوردة في هذا المجال.
وقد لقيت هذه الإجراءات ترحيبًا من قِبل المصنعين المحليين في قطاع التجميل، في حين أثارت استياء عدد من التجار، خاصة أولئك الذين تعرّضوا لخسائر كبيرة بعد حجز بضائعهم.
وعبّر بعضهم عن امتعاضهم من المتابعات القضائية التي طالتهم، رغم ممارستهم لهذا النشاط منذ سنوات دون تدخل يُذكر من قبل أجهزة الرقابة، مع إقرارهم بأن نشاطهم كان مخالفًا للقانون.
دعم للمنتج المحلي أم ضربة للتجار؟
قرّر التاجر المتنقل محمد (اسم مستعار) التوقّف عن بيع مواد التجميل الأجنبية لزبائنه من محلات التجزئة، بعد أن توقّفت هذه الأخيرة عن عرض المنتجات المستوردة، نتيجة الحملات التفتيشية التي باشرتها مصالح مديريات التجارة، وأسفرت عن حجز كل السلع غير المرخّصة والمجهولة المصدر، بحسب ما صرّح به لـ"الترا جزائر".
خسائر كبيرة تكبّدها التجار بسبب الحملة الواسعة التي تقودها مديريات التجارة ضد السلع غير المفوترة والمستوردة بطريقة غير قانونية
أضاف محمد، الذي ينشط في هذا المجال منذ أربع سنوات عبر الإنترنت، أنّ جميع محلات التجزئة بالعاصمة الجزائر التي اعتاد تزويدها بمواد تجميل محلية وأجنبية، أبلغته أنها تخلّت تمامًا عن اقتناء المنتجات المستوردة، بسبب الحملة الصارمة التي تستهدف محلات التجميل، والتي انتهت بحجز كميات معتبرة من السلع.
أمّا أحمد، الذي يبيع منتجات التجميل بالتجزئة والجملة، فقد تفاجأ زبائنه بخلو محله من أي منتج أجنبي كان يروّجه دون فواتير. وكان زبائنه معتادين على تنوّع المعروضات لديه من منتجات للرجال والنساء وحتى الأطفال، من مختلف العلامات التجارية وبأسعار تنافسية. إلاّ أنّ ذلك لم يعد ممكنًا اليوم، بعد أن داهمته فرق التفتيش وصادرت السلع التي لم يثبت مصدرها، ولحسن حظه — كما يقول — لم تكن الكمية كبيرة مقارنة بزملائه في المهنة.
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي عدّة فيديوهات توثّق عمليات لمصالح مديريات التجارة تُظهر حجزها لمواد تجميل مستوردة، لعدم توفّر رخص رسمية لاستيرادها إلى الجزائر.
وأكد أصحاب محلات التجميل، في تصريحات لـ"الترا جزائر"، أنّهم تكبّدوا خسائر كبيرة بسبب الحملة الواسعة التي تقودها مديريات التجارة ضد السلع غير المفوترة والمستوردة بطريقة غير قانونية.
وفي الوقت الذي يطالب فيه بعض التجار بمرونة أكبر، لم تصدر اتحادات التجار أي موقف رسمي تجاه هذه الحملة، التي تشنّها وزارة التجارة ضد بائعي مواد التجميل غير المرخّصة، والتي يُعتقد أنها دخلت البلاد عبر مسالك التهريب، من خلال ما يُعرف بتجارة "الكابة" (الشنطة)، التي تسعى الحكومة إلى تطويق نشاطها في مختلف القطاعات.
منتجات تجميل مجهولة ومُقلّدة.. ناقوس الخطر
لم يتردّد المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، فادي تميم، في التعبير عن دعمه لقرارات مديريات التجارة بشأن مراقبة محلات بيع مواد التجميل، مؤكّدًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ موقف المنظمة واضح: "نرفض بيع أي مادة مجهولة المصدر تدخل البلاد بطريقة غير شرعية وغير خاضعة للمراقبة، وبالتالي لا تلتزم بسلاسل التبريد، ما يجعلها تشكل خطرًا مباشرًا على صحة المستهلك، إذا افترضنا أصلًا أنها مستوردة فعلاً."
وأشار تميم إلى أنّ العديد من مواد التجميل المعروضة في السوق الجزائرية على أنّها مستوردة، هي في الواقع مُقلّدة، وتصنع داخل ورشات سرّية محلية بطريقة غير قانونية، ثم تُسوّق على أنها علامات عالمية.
وأضاف أنّ ظاهرة تقليد مواد التجميل باتت حقيقة قائمة، رغم حملات مصالح الأمن التي تمكّنت من تفكيك العديد من الشبكات، لكن "ما خفي أعظم"، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن خطورة هذه المنتجات تكمن في كونها خادعة للمستهلك، بالإضافة إلى أن مكوناتها غير خاضعة لأي رقابة صحية.
منسق منظمة حماية المستهلك فادي تميم لـ" الترا جزائر": العديد من مواد التجميل المعروضة في السوق الجزائرية على أنّها مستوردة، هي في الواقع مُقلّدة وتصنع داخل ورشات بطريقة غير قانونية
وأوضح أنّ قيام مصالح التجارة بحجز مواد التجميل التي تُستورد عبر تجارة "الكابة" يُعد إجراءً منطقيًا، لأن القانون يمنع تداول أي منتج لا يحمل وسما قانونيًا واسم المستورد. ولفت إلى أن غياب نظام صارم للفوترة ساهم في تفشي هذه المخالفات وانتشار السلع المجهولة المصدر.
فرصة
يعتبر علاء الدين بجاوي، من شركة "دوريان كاري"التي تمتلك ثلاث علامات تجارية لمواد التجميل ويقع مقرها بولاية سطيف شرق الجزائر، أن الحملة التي تقودها مديرية التجارة تُعدّ فرصة حقيقية لدعم المنتج المحلي وتوسيع نشاطه، ويراها بمثابة خطوة تشجيعية للصناعة الجزائرية في مجال التجميل.
وأشار بجاوي إلى أنّ هذا الدعم مستحق، بالنظر إلى التطور الملحوظ الذي شهده قطاع التجميل المحلي، خاصة في السنتين الأخيرتين، مستشهدًا بنجاح علامة "غراسياس" التي تصنّعها شركته، والتي تلقى منتجاتها إقبالاً واسعًا في السوق الجزائرية، من غسولات البشرة إلى بلسم الجسم، مرورًا بالعطور ومزيلات الروائح.
السوق الجزائرية باتت اليوم مشبّعة بالمنتجات المحلية، إلا أن الاستيراد لا يزال ضروريًا في بعض التخصصات
وفي السياق ذاته، أكّد فادي تميم أنّ جودة المنتج الجزائري في هذا المجال تحسّنت بشكل واضح خلال الأعوام الأخيرة، مشيرًا إلى أن المنتج الوطني تعرض في السابق لحملات تشويه من قبل "مافيا الاستيراد"، عبر الترويج لفكرة أنه لا يرقى لمستوى نظيره الأجنبي.
وأوضح تميم أن السوق الجزائرية باتت اليوم مشبّعة بالمنتجات المحلية، إلا أن الاستيراد لا يزال ضروريًا في بعض التخصصات التي لم تغطّها الصناعة الوطنية بعد.
من جانبه، أشار التاجر المتنقل محمد إلى أن بعض المنتجات، مثل أقلام التزيين، لا تُصنّع محليًا، بل تُستورد بالكامل، معتبراً أن منع استيرادها بشكل كلي قد يُعيد تنشيط تجارة "الكابة" التي تروّج هذه السلع خارج الإطار القانوني وبدون فواتير.
ويؤكّد فاعلون في القطاع أنّ الحملة الحكومية الحالية لا تستهدف فقط حماية الصناعة المحلية، بل تهدف بالأساس إلى تقليص فاتورة الاستيراد، في ظل قدرة السوق الوطنية على تلبية جزء معتبر من حاجيات المستهلك.
وقد صرّح وزير التجارة الداخلية وتنظيم السوق، الطيب زيتوني، في جانفي الماضي، أن فاتورة استيراد مواد التجميل والعطور ومنتجات العناية الجسدية تراجعت إلى 58 مليون دولار في عام 2024، مقارنةً بأكثر من 500 مليون دولار في فترات سابقة، ما يعكس نجاعة التوجه نحو دعم الإنتاج الوطني.
آفاق الصناعة المحلية وتحديات التصدير
قال وزير التجارة الداخلية وتنظيم السوق، الطيب زيتوني، إنّ "الصناعة المحلية لمواد التجميل والعناية الجسدية بلغت مستويات متقدمة، حيث تغطي حوالي 70 بالمائة من الحاجيات الوطنية، ما يعني تحقيق اكتفاء ذاتي كامل في العديد من هذه المنتجات."
الصناعة المحلية في مجال مواد التجميل والعناية الجسدية تُغطي حوالي 70% من احتياجات السوق
وأكد زيتوني أنّ الصناعة الوطنية لمواد التجميل والعطور استطاعت تحقيق "قفزة نوعية" في الجودة والكمية، وأنها باتت قادرة على المنافسة على المستوى الدولي. وأوضح أن الحكومة لم "تعطل الاستيراد" كما يدّعي البعض، بل قامت "بترشيده" فقط، بهدف تعزيز الإنتاج المحلي.
وأشار إلى وجود فائض من بعض المنتجات المحلية، مما يفتح آفاقًا واعدة للتصدير بأسعار تنافسية، وهو ما يتماشى مع الاتجاه نحو تعزيز الصادرات الجزائرية.
من جانبه، أكد علاء الدين بجاوي، من شركة "دوريان كاري"، أن المنتج الجزائري في مجال التجميل قادر على التوسع في الأسواق الدولية.
وأضاف أنّ شركته قامت بأول عملية تصدير في 2022 إلى إثيوبيا، حيث لقيت منتجاتها إقبالاً جيدًا، مما شجعها على الدخول في مفاوضات للتصدير إلى دول أخرى مثل السنغال، بنين، قطر، السعودية، ورومانيا.
ورغم النجاح المحقق، يرى بجاوي أن تغطية السوق الوطنية بالمنتجات المحلية بات أمرًا ممكنًا، ولكن يجب أن يتم تدريجيًا وفقًا للاستثمارات المتاحة لشركات التجميل المحلية.
وفي الوقت الذي تكبّد فيه بعض التجار خسائر جراء الحملة التي تقوم بها مديريات التجارة، والتي ألزمتهم بالعمل في إطار قانوني، إلا أن هذا الوضع يبدو أنه سيشهد تغييرًا قريبًا. بعد حملات "البس جزائري" و"كل جزائري"، يمكننا أن نتوقع قريبًا حملة "تعطّر وتزين جزائري"، لتشجيع المنتج المحلي في هذا المجال.
الكلمات المفتاحية

الاستدانة الخارجية بين الشيطنة والحاجة الاقتصادية.. أي خيار للجزائر لسد العجز؟
تَتحفظ السلطات الجزائرية منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 عن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من أجل تمويل الموازنة العامة أو المشاريع الاستراتيجية، والعامل الرئيسي الذي شَجع عدم اللجوء إلى القروض الخارجية هو ارتفاع النسبي لأسعار النفط، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على استقرار احتياطي الصرف، والذي يَصل اليوم في حدود 63 مليار دولار.

انضمام قريب للجزائر إلى معاهدة منظمة آسيان..أي فوائد سياسية واقتصادية؟
تتجه الجزائر إلى الانضمام الرسمي قريبا إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان"، بعد أن أعلن هذا التكتل الجهوي ترحيبه بالانضمام الوشيك للبلد المغاربي الباحث عن تنويع شراكاته السياسية والاقتصادية، واسترجاع العلاقات الممتازة التي كانت تجمعه بعدة دول من هذه المجموعة في مقدمتها إندونيسيا وفيتنام، والتي يجب أن تترجم في شراكة اقتصادية بحاجة لها البلاد الهادفة إلى أن تتحول…

خيارات عديدة لتطوير استقبال السفن.. هل الجزائر بحاجة فعلا لميناء الحمدانية العملاق؟
أصبح ملف تطوير أداء الموانئ يشكل أحد المحاور الرئيسية التي تعمل الحكومة الجزائرية على تسريعها في الفترة الأخيرة، بإصدار مجموعة من القرارات الخاصة بذلك، ومتابعة مدى تنفيذها ميدانيا بهدف رفع مساهمة المرافئ في تسريع السيرورة الاقتصادية للبلاد، وبالخصوص مع تزايد الاهتمام العالمي بهذا القطاع جرّاء التوترات الحادثة في عدة مناطق، والتي تحاول خلاله الحكومة جعل موانئها نقطة أساسيا للمبادلات التجارية ومركز…

"الكاش" ممنُوع.. هكذا تتغير قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر
بين ليلة وضحاها، تغيّرت قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر، ولم يعُد "الكاش" سيد الموقف كما كان في السابق، وتراجعت الصفقات التي كانت تُبرم خلف الأبواب المغلقة أو عبر وسطاء غير رسميين. لكن، هل انتهى فعلاً عهد البيع والشراء نقدًا في الجزائر؟

العلاقات الجزائرية الإيرانية .. شراكة في مرآة الجغرافيا والسياسة
مرّت العلاقات الجزائرية الإيرانية بمحطات متباينة، شملت فترات من التقارب والتعاون، وأخرى اتسمت بالتوتر والفُتور، وصلت أحيانًا إلى حدّ القطيعة.

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.