06-يونيو-2022
نادي المقاولين والصناعيينللمتيجة (فيسبوك/الترا جزائر)

نادي المقاولين والصناعيين للمتيجة (فيسبوك/الترا جزائر)

لم تعد التحالفات والائتلافات حكرًا على الطبقة السياسية والتشكيلات الحزبية في الجزائر، بل تحوّلت مطلع السنة الجارية إلى موضة دارجة لدى تنظيمات رجال الأعمال وأرباب العمل و"الباترونا".

برلماني سابق: شهدت التشريعيات الماضية إبعاد رجال أعمال مترشحين من القوائم الانتخابية لضمان عدم تشكل طبقة أوليغارشية جديدة تسن القوانين وتشرعهًا وتستفيد من الريع

 ويبحث أكبر رجال الأعمال في الجزائر، عن تموقع أحسن في الساحة عشية طرح مشروع قانون الاستثمار الجديد للنقاش على البرلمان بغرفتيه، ويأتي ذلك أيضًا، تزامنًا مع التحضير لإعداد تشريعات اقتصادية جديدة تؤطّر الصفقات العمومية والشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون المالية التكميلي الذي تسربت أخبار عن جاهزيته قريبا للطرح على مجلس الوزراء.

ويسعى أرباب العمل، إلى التحوّل في ظرف قياسي لسلطة اقتراح فعالة، بعيدا عن الصورة السوداء و"المشيطنة" التي لازمتهم لعدة سنوات، وهو ما جعل التنظيمات حديثة النشأة أو حتى تلك المتواجدة من قبل، تتسابق لتكون صاحبة كلمة مسموعة وصورة مرئية لدى  السلطات، من خلال إعداد جملة مقترحات بخصوص الإنعاش الاقتصادي والاستثمار وتسليمها للوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.

منظمات جديدة وائتلافات

وخلال شهر آذار/ مارس 2022، أعلن مجموعة من رجال الأعمال ومديري المؤسّسات الاقتصادية من القطاع العام والخاص يعادل عددهم 70 متعاملًا، عن تأسيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري "كريا"، وهو منظمة أرباب عمل تحمل صفة نقابة، يرأسها رجل الأعمال كمال مولى، صاحب شركة "فينوس" والحائز على وسام الاستحقاق برتبة عشير من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وبعد شروع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن في استقبال منظمات "الباترونا" لمناقشة مقترحات مشروع قانون الاستثمار الجديد شهر نيسان/ أفريل 2022 بقصر  الحكومة، انتقدت رئيسة الكنفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة منح الأسبقية لمنظمة "كريا" المنشأة حديثا من طرف رئيس الجهاز التنفيذي، واتهمت بن عبد الرحمن بالمساهمة في خلق تنظيمات رجال أعمال تشابه تلك التي استعان بها النظام السابق، في السنوات الماضية.

وترفع مجلس التجديد الاقتصادي عن الرد على هذه الاتهامات واكتفى بمواصلة الاقتراح في مختلف القضايا الاقتصادية، في حين سارع تنظيم الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين إلى التكتل مع خمس منظمات أرباب عمل ومقاولاتية، شهر أيار/ماي 2022، بهدف التحول إلى قوة اقتراح ذات وزن في الساحة، ويضم التكتل المعلن عنه، تحت تسمية "التنسيقية الوطنية لأرباب العمل"، كل من الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين "كابسي"، وكنفيدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين، والكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل الجزائريين، ونادي المقاولين والصناعيين المتيجة، والمنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية "أوند".

إلى هنا، يرى المحلل السياسي عبد الرحمان بن شريط، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الجزائر اليوم مقبلة على مرحلة جديدة وإقلاع اقتصادي يجب أن يشارك فيه رجال أعمال من مختلف القطاعات، مضيفًا: "يجب أيضًا أن نمنح حرية نسبية للمتعاملين الاقتصاديين، مع عدم التركيز على الأخطاء التي سجلتها منظمات أرباب العمل في الماضي بقدر السعي إلى تصحيحها في المستقبل، ومنح الوافدين الجدد للساحة الفرصة ليكونا قوة اقتراح فعالة".

مخاوف من عودة "الأوليغارشيا"

وفي ظل التخوّف من تكرار تجاوزات رجال "الأفسيو" سابقًا، أو منتدى رؤساء المؤسسات برئاسة علي حداد، رجل الأعمال المحكوم عليه بالسجن في قضايا فساد، يطالب الخبير الاقتصادي والبرلماني السابق الهواري تيغريسي بمنع أية تكتلات لمنظمات أرباب العمل، توحي بتمهيد هذه الأخيرة لخوض تجربة سياسية قريبة.

 كما يدعو تيغريسي في حديث إلى "الترا الجزائر"، إلى فرض ميثاق أخلاقيات يفصل بين المال والسياسة، توقع عليه جميع هذه المنظمات، وهو المبدأ الذي لطالما رافع لصالحه الرئيس عبد المجيد تبون.

وشهدت التشريعيات الماضية، يقول تيغريسي، إسقاطات بالجملة لرجال أعمال مترشحين من القوائم الانتخابية، منعًا لـ "زواج المال الفاسد بالسياسة"،ولضمان عدم تشكل طبقة أوليغارشية جديدة تسن القوانين وتشرعهًا وتستفيد من الريع، يضيف المتحدث.

يُشار هنا، إلى أن كافة التنظيمات الاقتصادية الناشطة في الجزائر ، تبرّأت من ممارسة السياسة وقالت إن هدفها التحول إلى سلطة اقتراح، لتحقيق الإنعاش الاقتصادي

من جهته، يقول رئيس الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين سامي عقلي، إن هدف التنسيقية التي تم تأسيسها مؤخرًا التحول إلى قوة اقتراح فاعلة في الساحة الوطنية بعيدًا عن أية قراءات خاطئة، مضيفًا في إفادة لـ "الترا جزائر": "لا نسعى لممارسة السياسة وإنما نريد التحول إلى قوة اقتراح اقتصادية ذات وزن وكلمة مسموعة".

أما الناطق الرسمي باسم مجلس التجديد الاقتصادي، رضا حشلاف، فيصف التنظيم الذي يمثله بتكتل اقتصادي جديد يضم رجال أعمال من القطاع الخاص والعام لأول مرة في تاريخ الجزائر، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي بين رجال الأعمال ورسم خارطة اقتصادية جديدة تتوافق مع مشروع الإنعاش الاقتصادي الذي دعا اليه رئيس الجمهورية.

ويضيف حشلاف في تصريح لـ "الترا جزائر": "تكتلنا يضم رؤساء ومسيري شركات ذات سمعة وطنية وعالمية يسعون إلى المشاركة في الحياة الاقتصادية من خلال تقديم مقترحات ورؤية تساعد الدولة في تحقيق الهدف المنشود، وقد سبق لنا وأن شاركنا في تقديم مقترحات تخص مشروع قانون الاستثمار الجديد، الذي ينتظر أن يساهم في تحقيق قفزة اقتصادية وتسهيل حركة رؤوس الأموال، لكن لا نطمح بالمقابل إلى أي أهداف خفية".

ميثاق أخلاقيات

سارعت تنظيمات أرباب العمل بمختلف أطيافها إلى إعداد ميثاق للأخلاقيات، يؤطر نشاطها ويحصر دورها في الساحة الوطنية في تقديم المقترحات الاقتصادية بعيدًا عن إبداء الرأي في أيّة قضية سياسية مهما كانت.

 ويرى الخبير الاقتصادي حمزة بوغادي في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن منظمات رجال الأعمال  مطالبة اليوم للابتعاد عن شبهة الفساد والسياسة بتحقيق القطيعة مع الممارسات السابقة، التي قامت بها منظمات يتواجد قادتها اليوم بالسجن في قضايا فساد كبرى.

 كما يجب أن تتحول هذه المنظمات إلى وسيط بين تحسين مناخ الأعمال وتحقيق الخطوات الأولى لذلك في الميدان الاقتصادي، كي تكون سلطة اقتراح، تساهم في إعداد مختلف القوانين سواء المالية أو الجبائية أو حتى في إعداد برامج وزارتي التجارة والصناعة.

ويدعو الخبير أيضًا إلى تسهيل انضمام اي متعامل اقتصادي إليها، مهما كان وزنه في الساحة الاقتصادية، فهذه الأخيرة يجب أن لا تقتصر فقط على الشركات الكبرى التي تبحث عن الاستحواذ على الأسواق  والمقدرات العمومية.

ويعتبر بوغادي أن الشرط الأساسي لنجاحها هو تطليق السياسة، مضيفًا: "الذي يسعى إلى ممارسة السياسة، عليه الانخراط في حزب سياسي وليس منظمة رجال أعمال، لعدم إدراجه ضمن  خانة اللوبيات الضاغطة وجماعات المصالح، وأيضًا حتى لا يغلب جهة على أخرى ولضمان مصداقيته كمستثمر".

من جهة أخرى، ينفي رضا حشلاف أيّة علاقة للتنظيم الذي يمثله بالسياسة، مضيفًا "وضعنا في مجلس التجديد الاقتصادي ميثاق أخلاقيات يؤطّر الإنضمام الى هذا التكتل، ومن بين النقاط التي أشرنا اليها أن ممارسة السياسة داخل التنظيم خط أحمر".

يرى مراقبونا بضرورة منح منظمات "الباترونا" فرصة المساهمة في تحقيق الإنعاش الاقتصادي

ورغم كل ما يقال عن منظمات "الباترونا" التي تدفع اليوم ثمن تجاوزات ارتكبتها طبقة من رجال الأعمال في حقبة النظام السابق، يبقى من الضروري، وفقًا لمراقبين، منح هؤلاء فرصة المساهمة في تحقيق الإنعاش الاقتصادي، ولكن هذه المرّة من خلال رفع العراقيل مقابل تشديد الرقابة والعقوبات على كل من تسول له نفسه نهب المال العام أو الاستفادة من مزايا غير مستحقة.